تبرز أزمة مدينة سنجار الواقعة على بعد 115 كيلومتراً غربي الموصل، مركز محافظة نينوى، شمالي العراق، في واجهة الأحداث مجدداً، مع تعثر السلطات في تنفيذ اتفاقية تطبيع أوضاع المدينة وإعادة أهلها إليها والموقعة مع حكومة إقليم كردستان العراق بإشراف بعثة الأمم المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول 2020.
ويقضي الاتفاق بإخراج عناصر حزب "العمال الكردستاني" وفصائل "الحشد الشعبي" من مدينة سنجار وإعادة النازحين، والبدء بخطوات إعادة إعمار المدينة المضطربة منذ تحريرها نهاية عام 2015 من سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي.
وبالرغم من إرسال تعزيزات عسكرية من الفرقة العشرين التابعة إلى قيادة قوات عمليات نينوى، ما يزال عناصر حزب "العمال الكردستاني" المصنف على قائمة الإرهاب بتركيا ودول أخرى ينشطون داخل المدينة ومناطق محيطة بها أبرزها خانصور وسنوني، وجبل سنجار وصولاً إلى فيشخابور وهي المنطقة الحدودية مع سورية من جهة الحسكة.
عدد عناصر "العمال الكردستاني"
وقال عضو "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الحاكم في إقليم كردستان العراق، قادر قاجاغ، إن ما لا يقل عن 10 آلاف عنصر من "العمال الكردستاني"، والفصائل المرتبطة به موجودون داخل سنجار وضواحيها حاليا، وأبرزها "وحدات حماية سنجار"، و"قوات مقاومة سنجار"، وفصائل إيزيدية أخرى مرتبطة فكرياً وتنظيمياً بـ"الكردستاني".
وأضاف قاجاغ في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "حزب العمال الكردستاني يمنع تنفيذ قرارات الحكومة العراقية، ويرفض أن تقوم الحكومة المحلية بدورها، وهو من يدير الدوائر الرسمية في القضاء، ويطبع الكتب ويوقع على معاملات المواطنين".
وكشف أن "عناصر حزب العمال يقومون بعمليات تجنيد الشباب والفتيات وإرسالهم إلى جبل سنجار، أو جبل قنديل في السليمانية لتلقي التدريبات الخاصة، والالتحاق بالفصائل التابعة للحزب"، مشيراً إلى أن "الحكومة العراقية في بغداد على دراية بما يحصل الآن في سنجار، من عمليات وجرائم وصلت إلى سجون سرية وخطف وتعذيب وفرض الإتاوات على التجار والمزارعين".
وتابع قائلاً "القوات الأمنية الموجودة في سنجار أمنت مركز القضاء فقط، لكن عناصر حزب العمال، أو ما يعرف بقوات حماية سنجار، يتجولون بحرية مطلقة وتامة".
وزار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الأسبوع الماضي، إقليم كردستان العراق، والتقى بالمسؤولين في الإقليم، لكن بحسب معلومات حصل عليها "العربي الجديد"، لم يجر النقاش حول ملف سنجار وجرى التركيز على مسائل أخرى متعلقة بالموازنة المالية وقانون النفط والغاز والانتشار الأمني المشترك.
ووفقاً لمصدر في حكومة أربيل، فإن مسلحي حزب "العمال الكردستاني" عززوا أخيراً من مناطق وجودهم في مقرات جديدة داخل جبل سنجار، مشيراً إلى أن الغارات التركية استهدفت أحدها الشهر الماضي.
وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم ذكر اسمه، أن الأتراك سيطرحون ملف حزب "العمال الكردستاني" والمطالبة بمنعه من تشكيل تهديد لأراضيهم. وفيما أشار إلى أن العراق غير متوقع منه القيام بجهد عسكري ضد "الكردستاني" داخل أراضيه، رجّح المصدر ذاته أن تتواصل العمليات التركية إلى أجل غير معلوم.
وينتظر أن يزور رئيس الوزراء العراقي العاصمة التركية أنقرة اليوم الثلاثاء، على رأس وفد حكومي رفيع، لعقد مباحثات ستكون أنشطة مسلحي حزب "العمال الكردستاني" من أبرز الملفات المطروحة خلالها.
الحل النهائي لأوضاع سنجار
من جانبه، يرى عضو لجنة الأمن في برلمان إقليم كردستان العراق، سعيد مصطفى، أن الحل النهائي لمشكلات سنجار يتمثل في إنهاء وجود عناصر حزب "العمال الكردستاني"، والتنفيذ الكامل لاتفاق سنجار بين بغداد وأربيل.
وأضاف في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "تنفيذ الاتفاق بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان، يعني عودة العوائل النازحة إلى سنجار، ومسك الفراغات الأمنية، وإنهاء سيطرة الفصائل المسلحة المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، وفتح باب التطوع لأهالي القضاء، وإعطائهم مهمة مسك الملف الأمني".
كما أوضح أن "الاتفاق يعني عودة الحكومة المحلية الشرعية لإدارة القضاء، وتعويض الأهالي عن الدمار الذي لحق بهم جراء سيرة عناصر داعش على القضاء صيف 2014".
ومنذ انسحاب قوات البشمركة من قضاء سنجار عام 2017، على خلفية عمليات فرض القانون التي قادها رئيس الحكومة العراقية الأسبق حيدر العبادي، لاتزال أوضاع بلدة سنجار ذات الغالبية الإيزيدية غير مستقرة، ولم تعد لها العوائل النازحة، التي تفضل العيش في المخيمات على العودة في هذه الأوضاع المتوترة.
أما الباحث السياسي، سعيد هركي، فيرى أن السبب الرئيسي في عدم تنفيذ اتفاق سنجار بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق، يعود لرفض فصائل "الحشد الشعبي" الاتفاق جملة وتفصيلاً.
وأوضح هركي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "فصائل الحشد ضغطت على رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي ومنعت تنفيذ اتفاق سنجار، بسبب وجود قواتها على الشريط الحدودي مع سورية، فضلاً عن العلاقة الوطيدة التي تجمعها بعناصر حزب العمال الكردستاني".
وتابع "كما أن الفصائل المحلية المسلحة التابعة لحزب العمال، مثل قوات حماية سنجار، تتسلم رواتبها من هيئة الحشد الشعبي، رغم كونها فصيلاً مسلحاً خارج على القانون، ويمارس عمليات إخلال بالأمن وضد أهالي سنجار وإقليم كردستان، وضد دولة جارة، متمثلة بتركيا".
وبين أنه "منذ تسلم السوداني رئاسة الحكومة العراقية لم يجر الحديث عن ملف سنجار، وتنفيذ الاتفاقية الأمنية بين بغداد وأربيل إطلاقاً، وعلى ما يبدو فإن حتى حكومة إقليم كردستان، لم تعد تتكلم بهذا الموضوع إطلاقاً، كون هنالك رسالة وصلت لها بأنه من الصعوبة تنفيذ الاتفاق في الوقت الحالي".