حضرت قضايا عدة في القمة العربية الأخيرة في الجزائر، بما في ذلك الرياضة، في بند يدعم دولة قطر ضد حملات الإساءة التي تستهدف المونديال، إلا أن ملفين غابا عن النقاش والأجندة، وعن الأسئلة والأجوبة والحوارات في متن القمة، ولم يكن لهما ذكر أو أثر، في الفصول السبعة وفي 87 صفحة ضمت مجموع مقررات القمة ولوائحها، وهما الحريات والديمقراطية.
لا يحتاج الأمر إلى كثير من الاجتهاد لتلمّس أن مختلف الأنظمة العربية تقع في خصومة حادة مع الحريات، فتأتي حرية التعبير والضمير وحرية الصحافة والحق في التنظيم وما يتصل بذلك، ضمن آخر القضايا التي يمكن أن تشكل اهتمام المؤسسة الرسمية العربية.
ولذلك لا يرغب القادة العرب في أن تطرح هذه المسائل للنقاش في محفل عربي وعلى أي مستوى كان، بغض النظر عن كون المسألة بنظر صنّاع القرار العربي، ضمن القضايا السيادية والداخلية التي تخص كل دولة على حدة وفقاً لمنظومتها السياسية، ولمنظورها لتسيير الشأن العام.
وبالنسبة للقيادات العربية، فإن لا حرج في أن تقع بلداننا العربية ضمن آخر التصنيفات في مجال الحريات، لأن المئات من معتقلي الرأي والموقف هم في السجون العربية أو قيد الملاحقات السياسية.
ومثل ذلك، غابت دمقرطة الحياة السياسية في البلدان والمجتمعات العربية عن نقاشات القمة وحواراتها، بل من المنطقي تصور هذا الغياب السياسي، والتغييب القسري للمسألة الديمقراطية التي لم يعد يتسع لها الشارع العربي، على امتداده، بل لم تعد تتسع لها حتى استوديوهات القنوات التلفزيونية في عموم الدول العربية التي جثم عليها الرأي الواحد وغزاها التكفير السياسي، فما بالك بمنتظم في مقام القمة العربية.
وكل هذا عدا عن أن بعض الدول العربية التي تغيب فيها الدولة، بسبب الهشاشة السياسية وتبعات سقوط الدولة الوطنية، استُخدمت فيها الديمقراطية في المرحلة السابقة على نحو سيئ، فخسرت شعوبها معيشياً من دون أن تربح على صعيد الانتقال الديمقراطي، في العراق وليبيا وسورية واليمن ومصر وتونس، ما يجعل من الديمقراطية العربية معضلة بحد ذاتها.
حتى عندما اقتُرح ضمن مخرجات القمة (في ما له بعض العلاقة بالمسألة الديمقراطية)، إدراج المجتمع المدني في منظومات الجامعة العربية، لإعطاء بعد شعبي لمؤسسات الجامعة والعمل العربي المشترك، وُجب طرح سؤال عن طبيعة المجتمع المدني الذي يراد له أن يكون ضمن فعاليات الجامعة العربية، هل هو نفسه الذي يعبر عن مواقف الأنظمة، ويفسر خياراتها، ويدافع عن وجهات نظرها أم هو المجتمع المدني الذي يشكل السلطة المضادة والنقدية للحكومات، والذي يتبنى المسائل والقضايا من وجهة النظر غير الرسمية؟
حتى عندما يحدث تفاوت في المؤشرات الاقتصادية والرفاه الاجتماعي بين الدول العربية، تلتقي جميعها عند نفس المؤشر، على سلم الحريات والديمقراطية.