- يقترح وضع "سلم تصعيد" روسي يوضح الردود على التصعيد الغربي، مع تعديل العقيدة النووية لحماية بيلاروسيا واستبدال مفهوم التهديد بـ"المصالح الاستراتيجية".
- يعكس الكتاب آراء شخصية ويأتي في سياق اقتراحات بوتين لتوسيع استخدام السلاح النووي، مع رفع "الحصانة" عن القوى غير النووية المعتدية وتوسيع المظلة النووية الروسية.
أظهرت الحرب في أوكرانيا أن السياسات الروسية في مجال الردع النووي لم تؤثر على النخب الغربية وبصفة خاصة على الأميركية منها، ويتعرض كتاب "من الردع إلى التخويف"، الذي صدر في موسكو حديثاً، لهذه القضية ويحث على الارتقاء بفاعلية هذا الردع ومنع وقوع حرب كارثية عبر تدقيق عناصره وتشديدها، وفق ما نقلته صحيفة فيدوموستي الروسية اليوم الاثنين.
ويحدد مؤلفو الكتاب تسع فئات من الردع، مقرين بأن المشكلة الأكبر تكمن في الفشل الروسي في مجال الردع الجيوسياسي الذي كانت روسيا تنكر ضرورته في تسعينيات القرن الماضي، والنتيجة الجلية لذلك هي توسع حلف الناتو الذي أدى إلى النزاع في أوكرانيا، وفق المؤلفين، الذين اعتبروا أيضاً أن الردع النووي الروسي أتى بنتائجه خلال العملية العسكرية في أوكرانيا جزئياً فقط من جهة ثني الولايات المتحدة وحلفائها عن التدخل المباشر في النزاع. وأقر الخبراء بتراجع فاعلية الردع من فئة التخويف القاضية بإقناع الخصوم بحتمية وقوع خسائر فادحة في حال اندلاع حرب.
ويرى الكتاب أن الضمانات النووية الأميركية للدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو "خدعة"، معتبراً أنه لا وجود لنية أميركية منذ "الحرب الباردة" لشن ضربات نووية على الاتحاد السوفييتي رداً على حرب نووية في أوروبا، داعياً إلى وضع "سلم تصعيد" روسي يوضح بشكل مفصل الخطوات التي ستتخذ رداً على خطوات تصعيدية غربية، ويوضح أن شن ضربة نووية على العدو هي آخر إجراء قد تسبقه أعمال اعتراض مسيرات وهجمات سيبرانية وأخيراً ضربات نووية استعراضية مع تقليص تداعياتها السلبية لأقصى درجة ممكنة عبر استهداف أراض غير مأهولة مثلاً، مقترحاً إدراج ذلك على العقيدة النووية المعدلة. وكذلك يقترح استبدال المفهوم "الضعيف للغاية" بشأن استخدام السلاح النووي عند نشوب تهديد لـ"وجود الدولة" بـ"التهديد للمصالح الاستراتيجية الحيوية للدولة وسكانها"، ومنح ضمانات مباشرة لحماية بيلاروسيا بالسلاح النووي.
الكتاب من تأليف بضعة منظرين سياسيين روس بارزين، بمن فيهم المستشار المقرب من الكرملين سيرغي كاراغانوف، المعروف بدعواته المثيرة للجدل إلى استخدام السلاح النووي، وهو عبارة عن نسخة محررة من تقرير صادر عن معهد الاقتصاد العالمي الحربي والاستراتيجيا التابع للمدرسة العليا للاقتصاد، وقد جرى إرساله إلى وزارة الخارجية.
ومع ذلك، نقلت "فيدوموستي" عن مصدر بالخارجية الروسية قوله إن الدراسة تعكس "الآراء الشخصية حصراً لمؤلفيه حول العمليات الجيوسياسية" ولا يمكن اعتبارها مطابقة للموقف الرسمي الروسي، وأضاف المصدر: "في ما يتعلق بالتفاعل مع أوساط الخبراء الروس، فإنه يجري على أساس دائم، بما في ذلك في إطار ما يعرف بالتحليلات الظرفية. بعدها، يقوم الخبراء بصياغة استنتاجاتهم ومقترحاتهم التي تتطلع إليها الجهات الحكومية، بما فيها وزارة الخارجية والدوائر الاجتماعية الواسعة. يساعد مثل هذا العمل في تحفيز النقاشات حول القضايا السياسية الخارجية ولفت الأنظار إلى القضايا المعقدة والشائكة في بعض الأحيان للعلاقات الدولية".
ويأتي صدور الكتاب بموازاة اقتراح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، توسيع حالات استخدام السلاح النووي، وإدخال عدد من التعديلات على شروط استخدام السلاح النووي، من شأنها توسيع قائمة الدول والأحلاف العسكرية التي تُردع نووياً، وإكمال قائمة التهديدات العسكرية الجارية "فعاليات الردع النووي" من أجل تحييدها.
وتتعلق أبرز بنود العقيدة النووية المعدلة برفع "الحصانة" عن القوى غير النووية في حال اعتدت على روسيا بدعم من قوة نووية أو بمشاركتها، بما يطبق نظرياً على الهجوم الأوكراني الذي تشنّه كييف منذ أغسطس/آب الماضي على مقاطعة كورسك الحدودية، أو أي هجمات أوكرانية على منشآت حيوية روسية باستخدام الأسلحة الغربية. كما يتم توسيع نطاق مفعول المظلة النووية الروسية على مستوى دولة الاتحاد مع بيلاروسيا والتي يرجح أن موسكو نشرت عدداً من القطع من أسلحتها النووية التكتيكية على أراضيها في العام الماضي، وقد شاركت مينسك في الصيف الماضي في تدريبات مشتركة مع موسكو على الاستعداد لاستخدام السلاح النووي غير الاستراتيجي.
ويذكر أن العقيدة النووية الروسية بنسختها الحالية المراد تعديلها تحدد أربعة شروط لاستخدام السلاح النووي. الشرط الأول هو ورود معلومات موثوق بها بانطلاق صواريخ باليستية لمهاجمة أراضي روسيا أو حلفائها، والشرط الثاني هو استخدام العدو سلاحاً نووياً أو غيره من أسلحة الدمار الشامل بحق روسيا أو حلفائها. والشرط الثالث هو مهاجمة العدو منشآت حكومية أو عسكرية روسية حيوية بهدف تعطيل ردة فعل القوات النووية الروسية. أما الشرط الرابع فهو تعرّض روسيا لهجوم بأسلحة تقليدية يهدد وجود الدولة بحد ذاتها.