القرار 2254 يفقد مفعوله بعد سقوط نظام الأسد

17 ديسمبر 2024
الشرع وبيدرسن في دمشق، 15 ديسمبر 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بعد سقوط نظام الأسد وفراره إلى روسيا، بدأت الأمم المتحدة تحركاً لدفع عملية سياسية تستند إلى القرار 2254، لكن الإدارة الجديدة في سوريا تطالب بإعادة النظر فيه نظراً للتغيرات السياسية.

- المبعوث الأممي غير بيدرسن أكد على ضرورة الانتقال السياسي وفق القرار 2254، بينما ترى الإدارة الجديدة أن الحاجة للقرار انتفت، داعية إلى مؤتمر حوار وطني لتحديد خريطة المرحلة الانتقالية.

- هناك تخوف من تفرّد الإدارة الجديدة بالقرار واستبعاد المعارضة، مع تأكيدها على عدم إقصاء أي قوى سياسية، ودعوات لتعديل القرار ليصبح عملياً ومقبولاً.

بعد مضي نحو ثمانية أيام على إسقاط نظام بشار الأسد في سورية، بدأت الأمم المتحدة تحركاً من أجل الدفع بعملية سياسية توصل إلى "انتقال سياسي شامل وذي مصداقية"، وذلك وفق مضامين القرار الدولي 2254، لكن هذا الأمر قوبل بموقف مختلف من القائد العام للإدارة السياسية الجديدة في سورية أحمد الشرع، الذي طلب "إعادة النظر في القرار 2254 نظرا للتغيرات التي طرأت على المشهد" في البلاد وانهيار النظام الذي كان قائماً وفرار الأسد إلى روسيا.

وتدل المعطيات المستجدة على أن الأحداث تجاوزت فعلياً هذا القرار، ما يفقده قيمته السياسية بعد سيطرة فصائل المعارضة على مقاليد الأمور، فهذا القرار صدر بوجود نظام الأسد الذي عرقل تطبيقه طيلة أكثر من عقد، ومع سقوط النظام فإن الكثير من بنود الـ2254 فقدت مفعولها، بما في ذلك البند الثاني الذي "يطلب إلى الأمين العام أن يقوم، من خلال مساعيه الحميدة وجهود مبعوثه الخاص إلى سورية، دعوة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول على وجه السرعة في مفاوضات رسمية بشأن عملية انتقال سياسي... بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة"، إذ لم يعد هناك من معنى للتفاوض على نقل السلطة مع إمساك المعارضة بالوضع. لكن مع ذلك تتجه الأنظار لمعرفة ما إذا كانت القوى التي تدير المشهد اليوم ستتجه نحو وضع قواعد تنظّم المرحلة الانتقالية، وتحديد خريطة هذه المرحلة التي يرى مراقبون أن هناك حاجة لحوار وطني لذلك، وفق ترقب لحصول ذلك بمبادرة سورية بدون تدخّل جهات خارجية تعيد تدويل القضية السورية.

تشديد على تطبيق القرار 2254

وشدد المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، خلال لقائه أحمد الشرع أمس الأول الأحد في دمشق، "على الحاجة إلى انتقال سياسي شامل وذي مصداقية بقيادة وملكية سورية ومبني على المبادئ الواردة في قرار مجلس الأمن 2254". لكن الشرع في المقابل طالب بـ"إعادة النظر في القرار 2254 نظراً إلى التغيرات التي طرأت على المشهد السياسي، ما يجعل من الضروري تحديث القرار ليتلاءم مع الواقع الجديد".

وكان القرار 2254 الذي صدر عام 2015 يعتمد على وجود سلطة ومعارضة يتفاوضان معاً تحت رعاية وإشراف الأمم المتحدة لتنفيذ مضامينه التي تدعو إلى "تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية، وتشمل الجميع وغير طائفية"، و"اعتماد مسار صياغة دستور جديد لسورية"، وإجراء "انتخابات حرّة ونزيهة على أساس الدستور الجديد تحت إشراف الأمم المتحدة". ويدفع بيدرسن باتجاه عملية سياسية في سورية "شاملة ويقودها السوريون بأنفسهم"، وفق تصريحات له في العاصمة دمشق، التي باتت اليوم تحت إدارة سياسية جديدة تؤكد أنها ستنظر في تعديل الدستور الذي وضعه النظام المخلوع في عام 2012 وإجراء انتخابات على أساس التعديل، وهو ما يعني أن هذه الإدارة ترى أن الحاجة للقرار 2254 انتفت عملياً. كذلك دعا الاجتماع حول سورية الذي عقد في العقبة الأردنية السبت الماضي، وضم مجموعة الاتصال الوزارية العربية وممثلين عن بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة، إلى "عملية انتقالية سلمية سياسية سورية ـ سورية جامعة ترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية، تستند إلى قرار مجلس الأمن 2254، تلبي طموحات الشعب السوري الشقيق، وتضمن إعادة بناء مؤسسات الدولة".

أحمد القربي: اعتقد أن الحاجة للقرار 2254 انتفت إذا مضت الإدارة الجديدة ورئيسها أحمد الشرع بمسار سياسي واضح وفق مضامين بيان جنيف 1

ورأى الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "غالبية السوريين يعتبرون أن هذا القرار بات خلف ظهورهم في الوقت الراهن على ضوء ما حدث في الثامن من الشهر الحالي"، مضيفاً: "النظام المخلوع كان يرفض تشكيل هيئة حكم انتقالي. السلطة التي كانت قائمة رفضت التعاطي مع مطالب السوريين بالانتقال لنظام جديد". وتابع: "السلطة الحالية قالت إن المرحلة الحالية مؤقتة مدتها ثلاثة أشهر بعدها سيتم الانتقال إلى حكم انتقالي، لذا من المفترض الدعوة إلى مؤتمر حوار وطني لتحديد خريطة المرحلة الانتقالية. نتمنى أن تكون المبادرة سورية خالصة من دون تدخّل أي جهة إقليمية أو دولية والإعلان عن مسار واضح للبدء في مرحلة وفق معايير بيان جنيف 1 وهي مطالب السوريين". ورأى القربي أن عدم تطبيق هذه المعايير "سيعيد سورية إلى المربع الأول والتدويل"، مضيفاً: "اعتقد أن الحاجة للقرار 2254 انتفت إذا مضت الإدارة الجديدة ورئيسها أحمد الشرع بمسار سياسي واضح وفق مضامين بيان جنيف 1". وتابع: الإقصاء والتهميش للقوى السياسية الفاعلة في البلاد من قبل السلطة الجديدة في دمشق سيؤدي إلى تدخّل إقليمي ودولي في الشأن السوري الداخلي.

تخوّف من تفرّد الإدارة الجديدة

ويبدو أن أطيافاً واسعة من قوى المعارضة السورية على اختلاف منصاتها، خصوصاً تلك المعترف بها دولياً وفق القرار 2254 للقيام بالتفاوض مع النظام المخلوع، تتخوف من تفرّد الإدارة الجديدة في دمشق بالقرار ما يعني استبعادها بشكل نهائي عن رسم مستقبل البلاد. وفي هذا الصدد، قال بدر جاموس، رئيس هيئة التفاوض التي تضم هذه المنصات، في منشور له على "فيسبوك" الأحد الماضي، إن الهيئة "تسعى لحوار سوري ـ سوري بإشراف الأمم المتحدة في دمشق، تُشارك فيه السلطة المؤقتة في دمشق، وهيئة التفاوض السورية، والقوى الثورية، والمجتمع المدني، وبقية مكونات الشعب السوري، لتطبيق بنود القرار الدولي 2254". كما قال إن "روح القرار 2254 هي الأساس لتحقيق الحل بإشراف الأمم المتحدة وفي دمشق". وتضم هيئة التفاوض، الائتلاف الوطني السوري ومنصتي موسكو والقاهرة، وهيئة التنسيق الوطنية ومستقلين وممثلين عن فصائل المعارضة، وخاضت جولات تفاوض مع النظام على مدى سنوات ولكن من دون تحقيق أي نتيجة بسبب تعنت النظام المخلوع.

وتشير المعطيات السياسية إلى أن قوى المعارضة على اختلاف تياراتها وهيئاتها سواء في داخل البلاد أو خارجها، لا تملك أوراق ضغط على الإدارة الجديدة. ولم تكن هناك علاقات "طيّبة" تربط الإدارة الجديدة مع هذه التيارات قبل سقوط بشار الأسد، بل إن "هيئة تحرير الشام" التي تعد اليوم في قلب هذه الإدارة منعت الائتلاف الوطني المعارض من النشاط في مناطق سيطرتها بالشمال الغربي من سورية. ويبدو أن الأحداث التي تتابعت منذ 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مع بدء عملية "ردع العدوان" التي انتهت فجر الثامن من الشهر الحالي بإسقاط النظام، حيّدت إلى حد بعيد أغلب التيارات السياسية السورية عن المشهد السياسي على الأقل في الوقت الراهن.

وغيّرت 11 يوماً هي عمر عملية "ردع العدوان" كل المعادلات السياسية ليس في سورية فحسب بل في الإقليم كله، وهو ما ينعكس على مستقبل البلاد السياسي برمته. ولكن مصادر مقربة من الإدارة الجديدة في دمشق أكدت لـ"العربي الجديد" أنه "لن يتم إقصاء أحد من القوى السياسية"، موضحة أنه في الوقت نفسه "لن تسمح الإدارة الجديدة بأي سلوك يمكن أن يكون له تأثير سلبي على الأمن والاستقرار في البلاد". وتابعت: لم تمض سوى أيام على تحرير دمشق لذا من المبكر الحديث عن الإقصاء للقوى السياسية، ولكن القرار الدولي 2254 لم يعد له قيمة بعد سقوط النظام على يد الفصائل الثورية.

مصادر مقربة من الإدارة الجديدة لـ"العربي الجديد": لن يتم إقصاء أحد من القوى السياسية

وتعليقاً على تأكيد الإدارة الجديدة في دمشق أن الأحداث تجاوزت القرار الدولي 2254، بيّن السفير السوري السابق في السويد بسام العمادي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن القرار المذكور "بات في ذمة التاريخ"، مضيفاً: هناك قوى خارجية تريد أن تبقى سورية تحت سيطرتها وسطوتها لتحقيق مصالحها، وهي تستخدم أدوات داخلية لتحقيق هذا الهدف، وتريد أن تكون المرحلة الانتقالية بإشرافها وأدواتها لحشر من تريده لاستلام السلطة بدعوى المشاركة. وتابع: "ما يقولونه عن المشاركة الوطنية الشاملة كلام حق ولكن يراد به باطل. المرحلة الانتقالية يقوم بها أبناء الوطن وليس من تختارهم الدول، بحجة القرارات الدولية التي وضعتها على الرف منذ صدورها ولم تهتم بها، بل تركوا لروسيا وإيران حرية اختراع مسار بديل في أستانة". وأشار العمادي إلى أن "ما قاله الشرع للمبعوث بيدرسن كلام دبلوماسي سياسي صحيح بأن القرار يحتاج إلى تعديل"، مضيفاً: "التعديل مطلوب ليصبح قراراً عملياً مقبولاً من الشعب السوري صاحب المصلحة الحقيقية، ويجب أن يكون هناك تعاون مشترك بين القيادة الحالية والدول الفاعلة لرسم طريق جديد خارج القرارات القديمة، فالطرف الآخر الذي من المفروض أن يتم التفاوض معه لإنشاء هيئة انتقالية مشتركة من الطرفين هرب. المصطلح الصحيح لم يعد تفاوضاً، بل بات تشاركاً بين فئات الشعب المختلفة لوضع خطة عمل لسورية المستقبل".

المساهمون