دوّت انفجارات منتصف ليل السبت - الأحد في العاصمة السورية دمشق، نتيجة صواريخ إسرائيلية استهدفت منزلاً في حي كفرسوسة بالقرب من مبنى رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الخارجية، وليس بعيداً عن مدرسة إيرانية، موجودة في هذا الحي الحديث، وسط روايات متعددة بشأن طبيعة الأهداف التي قصفت، فيما طاول القصف هذه المرة مواقع في مناطق مدنية. وذكرت شبكة "صوت العاصمة"، أن البناء المستهدف في كفرسوسة تعود ملكيته لرجل الأعمال فاضل بلوي، مالك شركة الفاضل للحوالات المالية المرتبطة بـ"حزب الله" اللبناني، مشيرة إلى أن الضربة استهدفت بشكل رئيسي مرآب السيارات والغرف تحت الأرضية للبناء، ما تسبب في دمار كبير في المرآب والطوابق الأربعة الأولى. ورجحت الشبكة التي تنقل أنباء دمشق وريفها أن يكون البناء الذي تم استهدافه يُستخدم كمستودع ومركز دعم لوجستي للمليشيات الإيرانية.
من جهتها، نقلت وكالة "سانا" للأنباء التابعة للنظام عن "مصدر عسكري" قوله إن "العدو الإسرائيلي نفذ (فجر الأحد) عدواناً جوياً برشقات من الصواريخ من اتجاه الجولان السوري المحتل مستهدفاً بعض النقاط في مدينة دمشق ومحيطها"، مشيراً إلى أن القصف أدى إلى مقتل 5 أشخاص بينهم عسكري، وإصابة 15، بينهم حالات حرجة، بالإضافة إلى تدمير عدد من منازل المدنيين، وإلحاق أضرار مادية بعدد من الأحياء في دمشق ومحيطها".
وبيّنت الوكالة أن العدوان الإسرائيلي، خلّف أضراراً كبيرة في المعهد التقني للفنون التطبيقية بقلعة دمشق والمركز الثقافي في كفرسوسة. ورجحت مصادر محلية سقوط صواريخ من الدفاعات الجوية التابعة للنظام في جبل قاسيون شمال غربي دمشق ومطار المزة العسكري غربها، أثناء محاولتها التصدي للغارات بعشرات الصواريخ.
من جهتها، قالت وزارة الخارجية التابعة للنظام، في بيان، بحسب "سانا"، إنه "في الوقت الذي كانت فيه سورية تلملم جراحها وتدفن شهداءها وتتلقى الدعم الإنساني الدولي في مواجهة الزلزال المدمر الذي تعرضت له، شنّ كيان الاحتلال الإسرائيلي عدواناً جوياً استهدف أحياء سكنية في مدينة دمشق"، مشيرة إلى أن "العدوان يشكل تهديداً صريحاً للسلم والأمن في المنطقة ويستدعي تحركاً دولياً عاجلاً لوقف الاعتداءات الإسرائيلية".
قتل 15 شخصاً جراء الضربة الإسرائيلية، بحسب المرصد السوري
أما المرصد السوري لحقوق الإنسان، فتحدث عن مقتل 15 شخصاً، بالاستهداف الإسرائيلي الثاني لدمشق منذ بداية العام الحالي، وإصابة آخرين. وأشار المرصد على موقعه الإلكتروني، إلى أن "الصواريخ الإسرائيلية استهدفت مواقع تتواجد ضمنها مليشيات إيرانية و"حزب الله" اللبناني، في منطقة واقعة ما بين السيدة زينب والديابية بريف دمشق، ما نتج عنه حرائق وانفجارات في الأماكن المستهدفة، فضلاً عن استهداف منطقة ومدرسة إيرانية في كفرسوسة، ما أسفر عن تدمير مبنى وسقوط خسائر بشرية.
وتحدث المرصد عن سقوط صاروخ عند دوار المزرعة في العاصمة، وأن سيدتين هما ضمن قتلى الاستهداف. وأوضح المرصد أن حصيلة القتلى في قصف كفرسوسة "هي الأعلى جراء قصف إسرائيلي على مدينة دمشق". كما سمعت أصوات 5 انفجارات في مناطق عدة من ريف دمشق، منها مقر تابع للواء 75 وجبل المانع في ريف دمشق.
وذكرت شبكة "السويداء 24" أن الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت موقع رادار تل المسيح بالقرب من مدينة شهبا في ريف السويداء، جنوبي سورية، تزامناً مع القصف الجوي الذي استهدف العاصمة دمشق وريفها.
وقبل هذا الاستهداف، كان آخر قصف إسرائيلي تعرّض له محيط دمشق قد ضرب مطار دمشق الدولي في 2 يناير/كانون الثاني الماضي، وأدى إلى مقتل 7 أشخاص.
ورفض أمس متحدث باسم الجيش الإسرائيلي التعليق على "معلومات في الإعلام الأجنبي"، بحسب وكالة "فرانس برس". لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد خلال اجتماع لحكومته أمس، أنه "لن نسمح لإيران بالحصول على سلاح نووي، ولن نسمح لها بتثبيت تواجدها عند حدودنا الشمالية".
القائد العسكري في "حزب الله" اللبناني عماد مغنية قتل في حي كفرسوسة عام 2008
وفي هذا السياق، قال نتنياهو إن "جهودنا مقابل الجبهة الإيرانية لا تتوقف لسبب بسيط، لأن الاعتداءات الإيرانية لا تتوقف. الأسبوع الماضي، هاجمت إيران من جديد حاوية نفط في الخليج ومسّت بحرية الملاحة الدولية، وأمس هاجمت قاعدة أميركية في سورية. إيران تواصل إرسال السلاح الفتاك الذي يصيب كثيرا من المدنيين الأبرياء بعيداً عن حدودها. تحاول إيران بلا توقف المسّ بدولة إسرائيل ومواطنيها أينما كانوا في العالم. هجمات إيران لن تردعنا. لن نسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، ولن نسمح لها بالتموضع على حدودنا الشمالية، سنبذل كل ما في وسعنا للدفاع عن مواطنينا ونردّ بقوة على الهجمات ضدنا".
إسرائيل تعدّل استراتيجية الردع
وهذه المرة الأولى التي يستهدف فيها الاحتلال الإسرائيلي مواقع ضمن مناطق مأهولة بالمدنيين في قلب العاصمة السورية، ما يشير ربما إلى تغيير في استراتيجية الردع التي تمارسها تل أبيب حيال الوجود العسكري والأمني الإيراني في سورية.
ويضم حي كفرسوسة في جنوب غربي دمشق، مقرات عسكرية واستخبارية وفروعاً أمنية تابعة للنظام. وبيّنت مصادر مطلعة في دمشق لـ"العربي الجديد"، أن هناك مربعاً أمنياً للحرس الثوري الإيراني في حي كفرسوسة، مشيرة إلى أن القائد العسكري في "حزب الله" اللبناني عماد مغنية كان قتل في هذا الحي في عام 2008، في عملية تفجير من المرجح أن إسرائيل وقفت وراءها.
وأوضحت المصادر التي تقيم في المنطقة التي شهدت القصف أن "الحرس" الإيراني يتخذ من حي كفرسوسة مقر إقامة وتوجيه لبعض قياداته، نظراً لقرب الحي من مبان رسمية وسفارات أجنبية ومقرات لأجهزة استخبارية تابعة للنظام، وخصوصاً جهاز الأمن العسكري وجهاز أمن الدولة، إضافة إلى كونه مأهولاً بالمدنيين، ما يؤمّن حماية لقادة الحرس من الاستهداف الإسرائيلي.
نتنياهو: لن نسمح لإيران بالتموضع على حدودنا الشمالية
وأعربت المصادر عن اعتقادها بأن الصواريخ الإسرائيلية استهدفت شخصيات إيرانية عدة، وأخرى تابعة للنظام، أثناء اجتماع لها في المبنى، من دون أن تقدم أي معلومات إضافية بشأن هذه المعطيات. وأشارت إلى أن المربع الإيراني في كفرسوسة "شديد الحراسة". وأكدت المصادر أن "جدران المدرسة الإيرانية ملاصقة تماماً لجدران المبنى المستهدف"، موضحة أن "الصاروخ خلّف فجوة كبيرة في البناء".
لكن إيران نفت أمس سقوط قتلى إيرانيين بالاستهداف. ودان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني في بيان الضربات الإسرائيلية على دمشق ومحيطها "وضمنها بعض المباني السكنية"، والتي أدت إلى "استشهاد وإصابة عدد من المدنيين السوريين الأبرياء". ووصف كنعاني بـ"المخزي صمت الدول الغربية على الانتهاك المتكرر لسيادة الأراضي السورية". وقالت وكالة "تسنيم" الإيرانية للأنباء أن الغارة الإسرائيلية "لم تؤذ أي إيراني"، نافية تقارير تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي عن مقتل مسؤولين إيرانيين في الضربة.
كما دانت وزارة الخارجية الروسية أمس، بشدة، الضربة الإسرائيلية ووصفتها بأنها "انتهاك صارخ" للقانون الدولي. وحثّت المتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا "الجانب الإسرائيلي بشدة على وقف الاستفزازات المسلحة ضد الجمهورية العربية السورية، والامتناع عن خطوات قد تنطوي على عواقب وخيمة على المنطقة بأسرها". وأدانت كل من حركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي" الاستهداف الإسرائيلي.
تكهنات باستهداف اجتماع إيراني
ووصف الباحث السياسي في مركز "جسور" وائل علوان في حديث مع "العربي الجديد"، القصف الإسرائيلي الذي طاول دمشق ومحيطها بـ"الضربة الكبرى". وقال علوان إن "الضربة جاءت على قسمين"، لافتاً إلى أن المعلومات المتوافرة تفيد بأن "القسم الأول تضمن استهدافاً لشخصية أمنية إيرانية لا توجد حتى اللحظة معلومات كافية حولها أو عن دورها في سورية".
وتابع الباحث أن "الضربة جاءت في قلب دمشق، وتحديداً في حي كفرسوسة الذي يضم مربعات أمنية عدة فيها قيادات عسكرية وأمنية مهمة من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله والمليشيات الفلسطينية التي تقاتل إلى جانب النظام"، بحسب قوله.
أما "القسم الثاني من الأهداف"، بحسب معلوماته، فهي "قطع ومراكز عسكرية توجد فيها مجموعات من الحرس الثوري الإيراني وبطاريات للدفاع الجوي جنوب غربي دمشق". وأشار علوان إلى أن طهران "نقلت كميات كبيرة من الأسلحة إلى سورية من العراق تحت غطاء المساعدات الإنسانية بعد الزلزال الذي ضرب جنوب سورية وشمال وغرب سورية"، متحدثاً عن "معلومات مؤكدة بأن قوافل المساعدات التي دخلت من الجانب العراقي حملت كميات كبيرة من الذخيرة والسلاح".
من جهته، رأى المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الجانب الإسرائيلي ابتعد على خلفية الأزمة الأوكرانية عن التنسيق مع الجانب الروسي حيال استهداف مواقع إيرانية في سورية، إلا بما خصّ عدم الاصطدام".
ورجّح فرحات أن تكون إسرائيل قد استهدفت فجر أمس اجتماعاً بين قياديين إيرانيين وفلسطينيين في كفرسوسة. ورأى المحلل العسكري أن ذلك يشكّل "تطوراً لافتاً، إذ أنه للمرة الأولى التي يتم استهداف مواقع ضمن مناطق مدنية". ورجح أن ترفع الحكومة الإسرائيلية الحالية المتطرفة من وتيرة استهداف الوجود الإيراني في سورية.