لم يلتزم النظام السوري وداعموه الروس والإيرانيون بتفاهمات الجولة السادسة عشرة من مسار أستانة الخاص بالملف السوري وقبلها اتفاق موسكو مع الجانب التركي، والذي ينص صراحة على تهدئة في الشمال الغربي من سورية، إذ تكررت المجازر التي يرتكبها الطيران الروسي وقوات النظام في ريف إدلب بحق المدنيين ولا سيما الأطفال والنساء.
وشهد أمس الخميس مقتل وإصابة العشرات من المدنيين في بلدات عدة في محافظة إدلب. وذكر الناشط محمد المصطفى لـ"العربي الجديد"، أن قصف قوات النظام والمليشيات الموالية له على بلدة إبلين في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، أدى إلى مقتل سيدة وطفلين من أبنائها وإصابة ثلاثة آخرين، جميعهم أطفال، بجروح بعضها خطيرة. وأضاف أن ستة مدنيين آخرين بينهم طفل قُتلوا أيضاً جراء قصف قوات النظام لمسبح المنارة في محيط بلدة الفوعة في ريف إدلب الشمالي بعد وقت قصير من استهداف بلدة إبلين، مشيراً إلى أن أغلب الضحايا هم عمال يعملون بتكسير الحجر. وأوضح أن قصفاً مدفعياً مماثلاً استهدف أيضاً بلدات حميمات في سهل الغاب، والرامي، وأرنبة في جبل الزاوية جنوب إدلب وسط تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع الروسية في أجواء المنطقة.
من جهته، أكد الدفاع المدني في محافظة إدلب مقتل 6 مدنيين بينهم طفل، وإصابة 8 آخرين بينهم طفلان، في مجزرة ارتكبتها قوات النظام وروسيا، صباح أمس الخميس بقصف مدفعي على الأطراف الغربية لبلدة الفوعة شمال شرقي إدلب. وأشار إلى أن حصيلة حملة التصعيد العسكري على شمال غربي سورية أمس الخميس، ارتفعت إلى 9 مدنيين بينهم 3 أطفال وامرأة، فيما جرح 12 مدنياً بينهم 6 أطفال، وفق بيان.
قُتل تسعة مدنيين وأصيب أكثر من 12 في قصف للنظام وروسيا
وأحصى الدفاع المدني في آخر تقرير له، مقتل أكثر من 110 أشخاص، من بينهم 23 طفلاً و19 امرأة، ومتطوعون في الدفاع المدني، وإصابة أكثر من 296 آخرين بجروح متفاوتة، من بينهم 52 طفلاً تحت سن 14، و11 متطوعاً في الدفاع المدني، جراء قصف قوات النظام وروسيا منذ بداية العام الحالي.
وكان الثلاثي الضامن لتفاهمات مسار أستانة (تركيا، إيران، روسيا)، قد مدد التهدئة في شمال غربي سورية في الجولة السادسة عشرة من جولات هذا المسار، والتي انتهت قبل أسبوعين. ولكن الجانب الروسي والنظام لم يلتزما بمقررات هذه الجولة وعاودا التصعيد العسكري من خلال القصف الجوي والمدفعي، خصوصاً على ريف إدلب الجنوبي.
وتدل التطورات الأخيرة على أن تفاهمات مسار أستانة وقبلها اتفاق موسكو المبرم بين أنقرة وموسكو في مارس/آذار من العام الماضي، على وشك الانهيار، وهو ما من شأنه خلط أوراق الصراع في الشمال الغربي من سورية من جديد. والملاحظ أن القصف يستهدف المدنيين حصراً ولا يطاول مقرات أو معسكرات لـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) أو التنظيمات التي تدور في فلكها، ما يؤكد سعي الروس إلى ضرب الاستقرار في محافظة إدلب والضغط على نحو 4 ملايين مدني يعيشون ضمن ظروف إنسانية ومعيشية تكاد تصل إلى حدود الكارثة.
وفي هذا الصدد، أوضح المحلل العسكري العميد مصطفى الفرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الجانب الروسي لم يسبق له الالتزام بأي اتفاقات أو تفاهمات، ولن يلتزم في المستقبل". وأعرب عن قناعته بأن "أي خطوة تقارب بين تركيا مع خطها الأطلسي تغيظ الجانب الروسي"، مشيراً إلى أن موسكو "عينها على الطريق الدولي أم 4 وعلى المعابر الداخلية بين مناطق فصائل المعارضة والنظام السوري". وبيّن الفرحات أن "الضامن التركي يواجه ضامنين اثنين هما روسيا وإيران"، مضيفاً "من مصلحة الروس والإيرانيين التقدّم باتجاه الطريق الدولي أم 4 وفتح المعابر الداخلية، وموسكو تؤكد على الدوام أن الشمال الغربي برمته يجب أن يعود إلى سيطرة النظام". ومضى بالقول: "المجتمع الدولي يمنع الروس من خوض أعمال قتالية واسعة النطاق في محافظة إدلب كيلا تحدث أزمة إنسانية كبرى".
وأعرب الفرحات عن قناعته بأن الجانب التركي "لن يواجه الروس في محافظة إدلب إلا في حال نشوب أعمال قتالية كبيرة"، مشيراً إلى أنه "لا يوجد جنود روس على الأرض بل ما بقي من قوات النظام ومليشيات إيرانية، والدور الروسي ينحصر في تأمين غطاء جوي"، مضيفاً: "لذا لن يصطدم الأتراك والروس بشكل مباشر في شمال غربي سورية. كما أن الطرفين لا مصلحة لهما في الصدام وليست لديهما نيّة للتصعيد، أما التعامل التركي فسيكون عبر فصائل المعارضة السورية بالرد على مصادر النيران لا أكثر".
عين موسكو على الطريق الدولي أم 4 والمعابر الداخلية
من جهته، أشار المحلل السياسي التركي طه عودة، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى "أن تصعيد النظام السوري بدعم روسي يضع الهدنة الهشة بين تركيا وروسيا على المحك". ومضى بالقول: "لا شك أن التصعيد الأخير في إدلب يمثّل تطوراً خطيراً يهدد بشكل أساسي اتفاق وقف إطلاق النار وخفض التصعيد في المنطقة والذي تم إبرامه في مارس/آذار من العام الماضي برعاية روسيا وتركيا، ونشرت على أثره تركيا أكثر من 60 نقطة مراقبة عسكرية بين قوات النظام ومناطق الفصائل المعارضة". وأشار إلى أنه "على الرغم من الخروقات السابقة التي حدثت طيلة الأشهر الماضية، إلا أن اتفاق خفض التصعيد ظل صامداً بسبب التفاهمات الروسية التركية"، لكنه استدرك أن استمرار التصعيد من جديد هو إشارة واضحة على تعاظم الخلافات الخارجية بين البلدين (تركيا وروسيا).
وكانت موسكو وأنقرة قد أبرمتا اتفاق موسكو الذي أرسى دعائم تهدئة في الشمال الغربي من سورية بعد تقدّم كبير لقوات النظام في الربع الأول من العام الماضي في أرياف إدلب وحماة وحلب. ولكن هذه القوات لم تستطع بسط السيطرة على كامل الطريق الدولي أم 4 الذي يصل الساحل السوري بمدينة حلب في شمال البلاد، وهو ما قلّل من أهمية التقدّم الذي حققته بدعم جوي روسي مخالف لتفاهمات مسار أستانة الذي تثبت التطورات الميدانية أنه لم يعد ذا قيمة، إلا أن الثلاثي الضامن لن يعلن انتهاءه بشكل علني كيلا تدخل المنطقة التي تضم ملايين المدنيين جلهم نازحون في أتون صراع جديد ربما لن يتمكن الجانبان الروسي والتركي من ضبطه.