المغرب وأميركا: تعاون أمني يعكس التفاهم السياسي

08 مايو 2022
مناورات أميركية ـ مغربية، يونيو 2021 (فاضل سنّا/فرانس برس)
+ الخط -

يكشف إعلان الأمن المغربي، أول من أمس الجمعة، عن اعتقال شخص موالٍ لتنظيم داعش في مدينة بركان (شمال شرقي البلاد)، للاشتباه في تورّطه في "التحضير والإعداد لمشروع إرهابي بغرض المساس الخطير بالنظام العام"، عما تواجهه السلطات المغربية في حربها ضد الإرهاب من تحديات متزايدة بفعل تنامي التهديدات والجريمة المنظمة والتطور السريع الذي عرفه الإرهاب الإلكتروني.

ومع أنّ المغرب لم يتعرض سوى لهجوم كبير واحد خلال السنوات العشر الماضية (مقتل سائحتين اسكندنافيتين عام 2018) إلّا أنّ المسؤولين المغاربة يرون أنّ الجماعات المتشددة في منطقة الساحل المجاورة، والتي تجند وتدرّب أتباعها عبر الإنترنت، تمثل أكبر خطر على البلاد، وأن موقعه يجعله هدفاً للجماعات المتمركزة في تلك المنطقة.

كما يبدي المسؤولون المغاربة قلقاً لافتاً من انتقال بعض المغاربة الذين انضموا لتنظيم داعش في الشرق الأوسط إلى منطقة الساحل الأفريقي.

المخاطر الأمنية على المغرب

وفي وقت ترى فيه السلطات المغربية أن العملية الأمنية الجديدة تؤشر، مرة أخرى، على استمرار مخاطر التهديد الأمني التي تحدق بالمغرب، خصوصاً في سياق حرص التنظيمات العالمية والأقطاب المتفرعة منها على الرفع من محاولاتها التي تستهدف أمنه وسلامة مواطنيه، إلا أنها تلقي الضوء على الدور المتنامي للتعاون الثنائي المشترك والمتقدم مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.

وليست هذه المرة الأولى التي يفضي فيها التعاون بين المغرب والولايات المتحدة إلى إحباط اعتداء من تدبير موالين لتنظيم "داعش". ففي 26 مارس/آذار الماضي، مكّن التعاون الأمني بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في البلدين من اعتقال خلية إرهابية تتألف من 4 متشددين ينشطون في مدينة وجدة، شرقي المغرب، ويرتبطون بتنظيم "داعش".

وهو الاعتقال الذي اعتبره المكتب المركزي للأبحاث القضائية (جهاز مكافحة الإرهاب) في بيان، أنه "يؤكد مرة أخرى أهمية التعاون الدولي لمكافحة التهديدات الإرهابية، ويبرهن على نجاعة الشراكات المتميزة التي تلعب دوراً رئيسياً في ضمان نجاح عمليات مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف".


الولايات المتحدة تجد في المغرب شريكاً موثوقاً به قادراً على تأمين تحرك أميركي

وفي 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أفشلت الأجهزة الأمنية المغربية بالتعاون مع الاستخبارات الأميركية مشروعاً لهجمات إرهابية داخل المغرب باستعمال عبوات ناسفة خطط لتنفيذه شخص بايع "داعش"، بفضل "علاقات التعاون الثنائي والتنسيق الوثيق بين مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، وأجهزة الاستخبارات ووكالات إنفاذ القانون بالولايات المتحدة".

في المقابل، مكّنت المعلومات التي قدمتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (المخابرات الداخلية المغربية) إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، من اعتقال الجندي الأميركي كول بريدجز في 19 يناير/كانون الثاني 2021 بتهمة التخطيط لتفجير النصب التذكاري لأحداث سبتمبر/أيلول 2001، والهجوم على جنود أميركيين في الشرق الأوسط.

تاريخياً، خطا التنسيق الأمني بين الرباط وواشنطن لمحاربة الإرهاب خطواته الأولى، بإعلان المغرب، عقب 11 سبتمبر 2001، انخراطه في الحرب العالمية ضد الإرهاب من دون تردد.

ومنذ ذلك الحين كان هنالك تعاون أمني غير مشروط بينه وبين الولايات المتحدة، ولم يقتصر الأمر على تبادل المعلومات وفتح الملفات الأمنية أمام الأميركيين، وإنما شمل التنسيق كذلك إرسال بعثات أمنية مغربية إلى الولايات المتحدة لتدريبها على كيفية مجابهة الحركات المتشددة، على اعتبار الخبرات الأميركية التي اكتسبتها في حربها ضد الإرهاب.

وعلى امتداد السنوات التي تلت أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، احتل الجانب الأمني والعسكري على الدوام مكانة متميزة ضمن المجالات المتعددة للتعاون الاستراتيجي بين واشنطن والرباط، كما شكّل أحد مداخل التفاهمات السياسية بين البلدين الحليفين.

وبينما شكّلت آلية التعاون والتنسيق الأمني أحد محاور الشراكة الاستراتيجية التي تجمع المغرب بعدد من الدول الأوروبية (فرنسا، بريطانيا، إسبانيا، إيطاليا)، تنظر واشنطن باهتمام بالغ إلى التعاون الأمني مع الرباط لمحاربة الإرهاب.

فقد أعربت، خلال مباحثات الحوار الاستراتيجي الذي عُقد في 8 مارس الماضي بالعاصمة المغربية، عن تقديرها للمغرب كـ"شريك مستقر في تصدير الأمن"، وذلك لقيادته المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب ودوره المستدام في التحالف الدولي لدحر "داعش"، بما في ذلك من خلال المشاركة في رئاسة مجموعة التركيز الأفريقية للتحالف، واستضافة الاجتماع الوزاري المقبل للتحالف في مايو/أيار الحالي.

ومن اللافت للنظر في هذا الصدد، أن كلا الطرفين أبديا، خلال مباحثات الحوار الاستراتيجي الأخيرة، عن الرغبة المشتركة في مواصلة تعاونهما القوي لدحر الجماعات الإرهابية، ولاسيما تنظيمي "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و"داعش".

التعاون الأمني المغربي ـ الأميركي

ويرى الباحث المغربي في السياسة الأمنية إحسان الحافظي، أن التعاون الأمني المغربي الأميركي تزايد مع الحرب ضد الإرهاب، بسبب العرض الأمني المغربي الموثوق والدقيق استخباراتياً، لافتاً في حديثٍ مع "العربي الجديد" إلى أن هذا التعاون مبني على شراكة استراتيجية لتنسيق العمليات الأمنية وتحييد المخاطر التي تحملها المشاريع الإرهابية على البلدين.

ويوضح الحافظي، أن الولايات المتحدة تجد في المغرب شريكاً موثوقاً به قادراً على تأمين تحرك أميركي، عبر الدعم الاستخباراتي أساساً نحو منطقة الساحل، ضمن استراتيجية أميركية جديدة تقوم على الدعم والمواكبة بديلاً عن التحرك العسكري الميداني الذي شكل عقيدة عسكرية أميركية منذ سنوات.

ووفق الباحث المغربي، فإنه يمكن قياس التعاون بين الطرفين على ضوء التراكم المحقق في مجال مكافحة العمليات الإرهابية والتعاون الأمني، فبعد أن مكّنت المعلومات الاستخباراتية التي وفّرتها المصالح المغربية لوكالة الاستخبارات الاميركية في سبتمبر 2020 من اعتقال جندي أميركي كان ينوي تنفيذ هجمات إرهابية في نيويورك، جرت مباشرة عملية التسليم المراقب لأعضاء في شبكة دولية للاتجار الدولي في المخدرات تنشط في أميركا اللاتينية وكانت متوجهة إلى تركيا عبر المغرب.


أفشلت الرباط بالتعاون مع واشنطن مشروعاً لهجمات إرهابية داخل المغرب

وهي العملية التي تمت بتنسيق بين جهاز المخابرات المغربية ووكالة مكافحة المخدرات في مكتب التحقيقات الفيدرالي. في حين كان لافتاً بعدها إشادة تقرير الخارجية الأميركية بالمساهمة الأمنية المغربية في تفكيك شبكات تزوير الوثائق على مستوى النقاط الحدودية، خاصة الرحلات القادمة أو المتوجهة عبوراً من المغرب نحو الولايات المتحدة.

ويلفت الحافظي إلى أن التعاون الأمني المغربي الأميركي يأخذ، في المجمل، أبعاداً مختلفة تتقاطع كلها في مكافحة الجريمة المنظمة والعابرة للحدود، معتبراً أن قوة التعاون الأمني المغربي الأميركي تكمن في وجود آليات تعزيز هذا التعاون.

ويوضح أنه إلى جانب اتفاقيات التعاون القضائي، هناك أجهزة أمنية مهمتها التنسيق الأمني بين البلدين، منها مثلاً مكتب ضباط الاتصال ومقره السفارة المغربية في واشنطن، الذي يشكل آلية للتعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق العمليات الأمنية المشتركة.

كما يمكن الحديث أيضاً عن اجتماعات مشتركة دورية واجتماعات على أعلى مستوى في مقر مديرية مراقبة التراب الوطني (المخابرات الداخلية) من قبل مسؤولين أمنيين أميركيين، بالإضافة إلى دورات تدريب مشتركة بين المصالح الأمنية المغربية ونظيرتها الأميركية في مجال تحليل الآثار الجنائية الرقمية والجرائم السيبرانية وتزوير الوثائق الرقمية ومكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات.