شرع النظام السوري بما يُطلق عليها "التسوية" في غوطة دمشق الشرقية، والتي ارتكب في مدنها وبلداتها مجازر مروعة، من بينها مجزرتان بالأسلحة الكيميائية، وذلك في سياق محاولاته استقطاب المزيد من الشبان إلى قواته، وللترويج الإعلامي لاستقرار يبدو بعيد المنال في مناطق هذا النظام.
وذكرت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام أن التسوية في منطقة غوطة دمشق الشرقية، التي بدأت أول من أمس الإثنين انطلاقاً من مدينة دوما، كبرى المدن شرقي دمشق، تشمل العسكريين المنشقين عن قوات النظام والمتخلّفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية في هذه القوات من أبناء دوما وعدرا البلد والنشابية وعربين وكفر بطنا وسقبا وعين ترما وزملكا.
وفي السياق، أوضح الناشط الإعلامي أبو البراء الشامي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه لم تتوفر حتى يوم أمس الثلاثاء تفاصيل عن طبيعة التسوية في الغوطة، مضيفاً أنه يجرى الحديث عن انتهاء مرحلة التسوية الروسية في مدينة دوما، التي جرت في عام 2018، ما يعني انسحاب المكتب الروسي الموجود، ومن ثم يصبح بمقدور الأجهزة الأمنية التابعة للنظام اعتقال من تريد.
تسويات لرفد قوات النظام بالعناصر
وتأتي التسوية في الغوطة في سياق سلسلة من التسويات أجراها النظام في العامين الحالي والسابق في المناطق التي استعاد السيطرة عليها، في سياق محاولات لرفد قواته بعناصر جديدة. وتتعمد هذه القوات زج العناصر الذين أجروا التسويات على الجبهات الساخنة، خصوصاً مع تنظيم "داعش" في البادية أو مع فصائل المعارضة في ريف إدلب الجنوبي.
وأعرب المحلل السياسي وائل علوان (وهو من أبناء غوطة دمشق)، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن التسوية التي بدأت في الغوطة "تأتي استكمالاً لمسرحية الاستقرار التي يدّعيها النظام بتوجيهات وإدارة روسية"، مضيفاً: "عمدت روسيا إلى إماتة العملية السياسية والاستحقاقات المتعلقة بها بما توحيه للمجتمع الدولي من إجراءات المصالحة الوطنية".
علوان: روسيا تستغل تراجع الاهتمام الدولي بالمسألة السورية والضغوط الإقليمية في ملف اللاجئين لتمرير تعويم النظام
ورأى أن "روسيا تستغل تراجع الاهتمام الدولي بالمسألة السورية والضغوط الإقليمية في ملف اللاجئين لتمرير تعويم النظام ضمن عملية التطبيع على مستوى المنطقة". وأشار إلى أن التسويات التي يجريها النظام "مصيرها الفشل كالعادة"، مضيفاً: "ليست لدى النظام رغبة بتغيير سلوكه الأمني، وليست لديه قدرة على تقديم أي خطوة أو تقديم أي شيء مقنع حتى على مستوى دول المنطقة".
من جهته، بيّن الناشط السياسي نزار الصمادي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التسوية الجديدة تعني انتهاء حماية الروس للأهالي، بعدما كان الروس يتدخّلون أحياناً لإيقاف عمليات الاعتقال". وأشار إلى أن البعض من أهالي الغوطة "لم يذهبوا إلى الخدمة الإلزامية في قوات النظام طيلة السنوات الماضية، وهذه التسوية تتيح له سوق شباب المنطقة للخدمة في قواته".
الصمادي، وهو من أبناء الغوطة وكان رئيساً لتجمّع المجالس المحلية فيها قبل أن يسيطر عليها النظام، أوضح أن النظام "يهدف إلى ضبط الغوطة أمنياً من جديد، من خلال التسوية"، مضيفاً: "قبل عام 2011، كان كل فرع أمني مسؤول عن بلدة أو مدينة. كان جهاز أمن الدولة يسيطر على دوما والمخابرات الجوية تسيطر على حرستا".
وتوقع أن تشهد الغوطة "اعتقالات واسعة عقب التسوية، خصوصاً في صفوف المعارضين لأي تسوية مع النظام"، مشيراً إلى أن النظام "يتعمد الانتقام من مدينة دوما لأنها كانت مركز الثورة في الغوطة".
مجازر بحق أهالي الغوطة
وكانت الغوطة الشرقية، التي تضم عشرات المدن الصغيرة والبلدات، من أولى المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام بدءاً من عام 2011، وكانت أكثر المناطق السورية التي تشهد حراكاً ثورياً.
وتأسست في غوطة دمشق العديد من الفصائل العسكرية التي هددت النظام في قلب العاصمة دمشق، أبرزها: "جيش الإسلام"، و"فيلق الرحمن". وكادت فصائل المعارضة في الغوطة أن تحاصر العاصمة في عام 2015 لولا تدخّل الطيران الروسي. وارتكب النظام عشرات المجازر بحق سكان الغوطة على مدى ست سنوات، أبرزها مجزرة الكيميائي منتصف عام 2013، حين قُتل وأصيب آلاف المدنيين، جلّهم أطفال ونساء، بقصف بأسلحة محرمة دولياً، في محاولة لم تنجح لإخضاع غوطة دمشق عسكرياً.
وتزامنت التسوية التي يجريها النظام مع إعلان الولايات المتحدة إدراج ثلاثة ضباط من قوات النظام في دائرة الحظر لدورهم في ارتكاب مجزرة الكيميائي عام 2013، هم: العميد عدنان عبود حلوة واللواء غسان أحمد غنام واللواء جودت صليبي. ووصف بيان الخارجية الأميركية، الذي صدر مساء الإثنين، مجزرة الغوطة بأنها واحدة من بين الجرائم التي ارتكبها النظام، والتي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ناشط: النظام يمعن في عقاب سكان الغوطة لدورهم الكبير في الثورة ضده
وعاد النظام واستخدم الغازات السامة مرة أخرى في إبريل/نيسان 2018 في الغوطة الشرقية، من أجل إخضاع فصائل المعارضة التي رفضت، في ذلك العام، الخروج من مدينة دوما. وأدى القصف بغاز السارين إلى مقتل 78 مدنياً إضافة لتضرر المئات، أغلبهم من الأطفال والنساء، وهو ما دفع الفصائل إلى قبول الخروج مع عدد كبير من المدنيين إلى الشمال السوري. ومنذ ذلك الحين، يقع من بقي من سكان الغوطة الشرقية تحت وطأة أمنية خانقة، فضلاً عن غياب الخدمات بشكل شبه كامل.
واعتقل النظام بعد سيطرته على الغوطة عدداً غير محدد من السكان "أغلبهم مصيره مجهول"، وفق الناشط أبو علاء الغوطاني الذي أشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "الوضع في الغوطة مثله مثل باقي مناطق النظام لجهة غياب الخدمات"، مضيفاً: "لكن النظام يمعن في عقاب سكان الغوطة لدورهم الكبير في الثورة ضده". وتابع: انعدام فرص العمل، وارتفاع تكاليف الحياة، دفعا الأهالي إلى عدم إرسال أطفالهم إلى المدارس.