مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية المقررة في المغرب الأربعاء المقبل، ودخول الدعاية الانتخابية مراحلها الحاسمة، تسود حالة ترقب من قبل مختلف الفاعلين السياسيين لما ستسفر عنه من نتائج، وبشكل رئيس في ما يتعلق بنسبة المشاركة في ثالث انتخابات تجري في البلاد منذ تبني دستور جديد صيف 2011 عقب الحراك الذي قادته حركة "20 فبراير"، النسخة المغربية من "الربيع العربي".
وفي ظلّ واقع سياسي ضاغط يعززه وضع اقتصادي واجتماعي صعب فرضه تفشي فيروس كورونا في البلاد، واستحقاقات مستقبلية تتعلق على وجه الخصوص بتطبيق النموذج التنموي الجديد الذي وضعته لجنة عينها العاهل المغربي محمد السادس، تواجه الدولة والأحزاب السياسية مجتمعة تحديا أكبر، لناحية قدرتها على إقناع نحو 18 مليون مغربي بالتوجه إلى مكاتب الاقتراع.
الواقع السياسي يشير إلى استمرار السلوكيات والأسباب نفسها التي لا تغري الناخبين بالمشاركة
وإن كانت رهانات مختلف الفاعلين بمناسبة الاستحقاقات الحالية، تختلف بحسب موقعهم السياسي وطموحاتهم، إلا أن مصير الانتخابات، التي سيتم خلالها تجديد كافة المؤسسات المنتخبة الوطنية والمحلية، مرتبط بالتغلب على العديد من التحديات التي يفرضها المشهد الحزبي المغربي، وكذلك تبعات أزمة متعددة الأوجه خلّفها تفشي فيروس كورونا.
وتبقى نسبة المشاركة في رابع انتخابات تجرى في عهد العاهل المغربي محمد السادس، تحدياً صعباً للدولة وللأحزاب بمختلف تلويناتها، على اعتبار أن أي عزوف عن التوجه إلى صناديق الاقتراع سيعيد إلى الأذهان سيناريو انتخابات 2007 التي سجلت أدنى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات بالبلاد والتي بلغت 37 في المائة، بل سيوجه ذلك ضربة موجعة إلى المسار الإصلاحي الذي انتهجه المغرب منذ الربيع العربي. مع العلم أن نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية في 12 يونيو/حزيران 2009، بلغت على الصعيد الوطني 52.4 في المائة، في حين بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية التي شهدها المغرب في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2011، 45 في المائة.
وتبقى أعلى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات المغربية في الانتخابات التشريعية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1997، إذ بلغت حسب الإعلان الرسمي 85.30 في المائة، متفوقة على تشريعيات 1963 التي سجلت نسبة مشاركة بلغت 73 في المائة.
وصحيح أن لا أحد من مصلحته تكرار سيناريو 7 سبتمبر/أيلول 2007، في ظل التحديات التي تواجه الدولة والأحزاب مجتمعة، بيد أن الواقع السياسي المعاش منذ اعتماد دستور المملكة الجديد في 2011، يشير إلى استمرار السلوكيات والأسباب نفسها التي لا تغري الناخبين بالمشاركة.
وبحسب مدير "مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية"، خالد الشرقاوي السموني، فإن "أي عزوف عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، قد يؤثر على مسار الإصلاحات السياسية التي تنهجها الدولة"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "على الرغم من جودة القوانين الانتخابية وإرادة الدولة في ضمان حرية ونزاهة الانتخاب، فإن ذلك لن يعطي مدلولاً ديمقراطياً للانتخابات المقبلة إذا لم تكن هناك نسبة معقولة من المشاركة فيها من قبل الناخبين".
السموني: أي عزوف عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، قد يؤثر على مسار الإصلاحات السياسية التي تنهجها الدولة
ولفت السموني إلى أن "الاستحقاقات الانتخابية، سواء الجماعية أو البرلمانية التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة، كشفت عن واقع يثير مخاوف على مستقبل العمل الحزبي والسياسي عموماً، بسبب ظاهرة العزوف السياسي، الذي من المحتمل أن يتزايد بين فئات الناخبين وخصوصاً الشباب، ما قد يشكل مخاطر على التجربة الديمقراطية بالمغرب ما لم تتخذ الدولة والأحزاب والمجتمع المدني إجراءات ومبادرات للتشجيع على المشاركة السياسية بشكل عام، والمشاركة في العملية الانتخابية بشكل خاص". وتابع: "مما يؤسف له، أن الواقع يؤكد بالملموس، أن نسبة كبيرة من المواطنين عازفة عن العمل السياسي وعن المشاركة في الانتخابات، كتوجه تعبيري يعكس سخطاً مجتمعياً من الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد. علماً بأن هذه الفئة التي لا تشارك في العملية الانتخابية تؤثر في الخريطة السياسية التي لا تعكس إرادة الأمة والصورة الحقيقية للتمثيلية الحزبية داخل البرلمان". وأرجع السموني ارتفاع نسبة العزوف إلى تحول الأحزاب إلى "آلات انتخابية لا تقوم بوظيفتها الدستورية المتجلية في تأطير المواطنين وتشجيعهم على الانخراط في الحياة العامة الوطنية كما يجب، وكذا تمسك القيادات الحزبية بمواقعها على مستوى الأجهزة التنفيذية ورفضها أي تجديد على مستوى القيادة والتسيير، إلا استثناء".
وفي ظل هذا الواقع الحزبي المتسم بتغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة، وعدم القدرة على القيام بالأدوار الدستورية المتمثلة في تأطير المواطنين وتكوينهم سياسياً، رأى السموني أن "غالبية تلك الأحزاب وبوضعها الحالي تمثل عائقاً أمام انخراط فعّال للمواطنين في الحياة السياسية".
وفي الوقت الذي تراهن فيه الأحزاب السياسية المتنافسة على إقبال المغاربة على صناديق الاقتراع للرفع من حظوظها، تتضارب آراء المراقبين بشأن نسبة المشاركة، فهناك من يتوقع إمكانية ارتفاعها بفضل زيادة عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية الذي يناهز 18 مليون شخص، وقرار السلطات إجراء الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية في يوم واحد، خلافاً لما كان عليه الأمر في المحطات الانتخابية السابقة. في حين يرى فريق آخر أن نسبة المشاركة في المحطة الانتخابية المقبلة لن تتجاوز نسبة 43 في المائة، المسجلة في الانتخابات التشريعية الأخيرة في عام 2016، جراء الأوضاع السياسية القائمة، في ظل غياب أي تغيير على صعيد النخب وسيطرة الجمود على المشهد الحزبي، وكذا الظروف الوبائية غير المساعدة على الذهاب إلى مكاتب الاقتراع.
يصعب التكهن بنسبة المشاركة في الاستحقاقات المقبلة
وفي ظل غياب استطلاعات الرأي حول توجهات الناخبين، كانت نتائج دراسة حول مؤشر الثقة نشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات في فبراير/ شباط الماضي، أظهرت أن 64 في المائة من المستطلعة آراؤهم لا ينوون المشاركة في هذه الانتخابات، بينما صرح 98 في المائة من هؤلاء بعدم انتمائهم لأي حزب سياسي.
وبرأي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني بالمحمدية، محمد زين الدين، فإنه "يصعب التكهن بنسبة المشاركة في الاستحقاقات المقبلة، بالنظر إلى تزامن ثلاثة استحقاقات انتخابية في وقت واحد، وارتباطها برهانات متعددة وبدوافع مختلفة للإقبال على صناديق الاقتراع". ولفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "هناك مؤشرات تدفع في اتجاه رفع نسبة المشاركة، من قبيل العدد الكبير للترشيحات (بلغ 157 ألف ترشيح) الذي يعتبر عاملاً مشجعاً ومحفزاً لتسجيل ارتفاع على خلاف الاستحقاقات السابقة، على الرغم من ما تفرضه جائحة كورونا من أوضاع صحية صعب. كما أن الطبيعة الخاصة للاستحقاقات الثلاثة من شأنها الرفع من نسبة المشاركة مقارنة مع الانتخابات الماضية".
ووفق زين الدين، فإن "هناك مجهودات استثنائية بذلتها الدولة من أجل تحقيق حضور وازن للناخبين في الاستحقاقات، على اعتبار أن ارتفاع نسبة المشاركة مؤشر على الثقة في المؤسسات والعمل السياسي، وذلك من خلال تشجيع النساء والشباب على الدخول إلى المعترك الانتخابي، وتوفير الضمانات القانونية والسياسية لكي تكون الانتخابات نزيهة وشفافة. إلا أنه على الرغم من هذه المجهودات، يبقى سيناريو تراجع نسبة المشاركة حاضراً".