يبدأ الجيش الألماني، اليوم الثلاثاء، عملية انسحابه من أفغانستان، بعد أيام قليلة من مباشرة انسحاب القوات الأميركية، وباقي القوات الأخرى العاملة ضمن مهمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في البلاد منذ عام 2001، إذ من المتوقع أن تنتهي العمليات كافة بحلول شهر سبتمبر/ أيلول المقبل.
الانسحاب دفع خبراء ألماناً إلى التعبير عن خشيتهم من تصاعد أعمال العنف ووقوع المزيد من أعمال القتل مع تدهور الوضع الأمني وعدم استبعاد عودة حركة "طالبان" إلى السلطة، وهذا ما سيترجم تضييقاً على قوى الإصلاح والأفغانيات والإعلاميين الذين سيدفعون الثمن الأكبر من قرار "الناتو" بسحب جميع قواته، في ظل التخوف من تعرض القوات الأجنبية المنسحبة لهجمات من "طالبان".
وربطاً بما تقدم، أبرزت شبكة "إن تي في" الإخبارية أخيراً، أنه يعيش 80% على الأقل من السكان تحت خط الفقر في أفغانستان، وأن هناك حالة من عدم اليقين بسبب الوضع المعقد للغاية على أرض الواقع، مشيرة إلى أنه رغم استمرار محادثات السلام بين حركة "طالبان" المتشددة والحكومة، تزايد القتال خلال الثلاثة أشهر الأولى من هذا العام.
وأمام هذا، قال توماس روتينغ، المدير المشارك لمعهد الأبحاث في شبكة محللي أفغانستان، وأحد أفضل الخبراء الدوليين في الشأن الأفغاني مع الشبكة نفسها، إنه قبل كل شيء، فإن انسحاب القوات الغربية يقوي حركة "طالبان".
ورجح أن يصبح ميزان القوى في مصلحة الإسلاميين، محذراً من أن عودة "طالبان" إلى السلطة تعني تقييد الحريات الديمقراطية والمدنية والمزيد من إراقة الدماء.
ورأى روتينغ أنه يمكن طالبان الانتظار حتى انسحاب قوات "الناتو"، والدخول في محادثات مع الفصائل الأخرى، من موقع القوة المتزايدة وبشروطها الخاصة، لكون "طالبان" لا تريد أن تصبح جزءاً من الحكومة، بل تريد أن تحكم، وهذا يبدو واضحاً للغاية.
ويشير روتينغ إلى أن هناك تخوفاً من سيناريو انهيار الحكومة وانتشار حرب الفصائل الحاكمة إلى حرب أهلية أكبر.
ويوضح أن هناك قلقاً على النساء الأفغانيات بعد أن استفدن خلال وجود القوات التابعة للناتو من الكثير من الحقوق والامتيازات وفرص المشاركة الاجتماعية، ومن إغفال أنهن، وفي الظروف الحالية، ما زلن يتعرضن للكثير من التمييز والعنف ويجري قمعهن، والخوف الآن من أن يصبحن أكثر الخاسرات.
وشدد على أن الشريعة أحد مصادر القانون الأربعة السارية في أفغانستان، وأنه إذا ما سقطت السلطة القضائية بيد "طالبان"، فإن الإعدام خارج نطاق القانون أو التعذيب أو الرجم، مثلاً سيكون على النساء تحمله أكثر من أي وقت مضى.
وفي تأكيد لضبابية الوضع ومستقبل الحياة في أفغانستان، قال خبير الدفاع وينفريد ناختفاي الذي رافق بدء مهمة الجيش الألماني هناك بصفته حينها عضواً في "البوندستاغ"، ويقدم المشورة اليوم لوزارة الدفاع، بحكم عضويته في المجلس الاستشاري لمنع الأزمات المدنية، إن المجتمع الأفغاني لم يعد كما كان عام 2001.
وأوضح ناختفاي أن الفتيات الأفغانيات يُسمح لهن حالياً بالذهاب إلى المدارس ومراكز التدريب المهني في المناطق التي تسيطر عليها "طالبان"، لافتاً إلى أن هناك خشية على مستقبلهن ومخاطر واضحة تماماً مع انسحاب جميع القوات الدولية، وذلك في ضوء حملة الاغتيالات التي تشنها "طالبان" منذ عام 2020، وخاصة ضد قوى الإصلاح والإعلاميين وعلماء الدين المعتدلين في البلاد، علاوة على تراجع المستوى الصحي والتعليمي وحقوق المرأة والبنية التحتية.
وشكك في إمكانية تقدم عملية المفاوضات السياسية، لافتاً إلى أنه ليس من المستبعد بأي حال من الأحوال أن ينهار وضع الجيش والشرطة وبعض أمراء الحرب وقادة المليشيات الأقوياء، والبعض الآخر ينتقل إلى صفوف "طالبان، ومع هذا الخليط المعقد قد يكون هناك نذر حرب أهلية، الأمر الذي سينهي النجاحات الجزئية لمهمة الناتو التي استمرت 20 عاماً"، حسب تعبير ناختفاي.
وعليه، ووفقاً لتوقعات الخبراء، فإن ما ينتظر الأفغان مصير غير مؤكد النتائج، وبالنسبة إلى حلف الناتو والولايات المتحدة، الانسحاب يعني فشلاً سياسياً، لأن تقارير الأمم المتحدة لا تزال تعتبر أن هناك حضوراً للجماعات الإرهابية على الأرض، مع التشديد على أن الإرهاب والجهاد توسعا في جميع أنحاء العالم.
وفي الإطار، يلخص السياسي عن حزب الخضر ناختفاي، أن الحرب على الإرهاب كانت كارثية بشكل عام، والرئيس الأميركي جو بايدن يخدع نفسه عندما يقول إن أفغانستان لم تعد ملاذاً آمنا للجماعات الإرهابية الدولية، وهذا ليس هو الحال، وفق تعبير ناختفاي.
وفي السياق، يوضح روتينغ أن على الغرب أن يودع فكرة أنه سيظل قادراً على تحقيق الكثير في أفغانستان، مضيفاً: لقد أرادوا القضاء على "طالبان"، والآن يفتحون لها الأبواب، وهذا منعطف خطير.
وكانت صحيفة "دي فيلت" قد انتقدت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية هايكو ماس لكابول، الذي تعهد فيها بتقديم الحماية والمساعدة، لكنه لم يوزع تأشيرات على أولئك الذين تعاونوا مع الألمان خلال مهامهم من أجل إنقاذ أرواحهم، لأن حياتهم ستكون مهددة، وتعتبره وزيرة الدفاع واجباً أخلاقياً.
وأدى ماس دور المستشار، وراح يشرح للرئيس الأفغاني، أشرف غني، الذي يتوقع لنفسه نهاية سياسية قريبة، كيف له أن يتعامل مع "المتطرفين الإسلاميين"، لافتاً إلى أن المحادثات أفضل فرصة لمستقبل مستدام وآمن ومستقر للبلاد.