بدأت، اليوم السبت، أعمال الدورة الرابعة للمدرسة الشتوية الدولية، التي ينظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة بعنوان "إعادة النظر في الثقافة السياسية: عن العلاقة بين السياسة والقيم السائدة"، والتي تُعقد في الفترة من 7-17 من الشهر الجاري.
ويُعرض في الدورة الحالية 16 من الباحثين مشاريعهم البحثية التي تركز على جوانب مختلفة من الثقافة السياسية، من خلال ربطها بالنخب السياسية، والإصلاحات الدستورية، والمواقف السياسية والاجتماعية، والأشكال المختلفة للمشاركة السياسية، وذلك بحضور المشاركين والمحاضرين والمعقّبين في مقرّ المركز العربي في الدوحة.
وتتناول هذه الدورة من المدرسة الشتوية مفهوم "الثقافة السياسية". وتطرح عدّة أسئلة مركزية، منها: ما الثقافة السياسية؟ وما مدى راهنية دراسة الثقافة السياسية؟ وكيف تؤثر الثقافة السياسية في تفاعل المواطنين مع مؤسسات الدولة وثقتهم بها؟ وما العلاقة بين الثقافة السياسية والانتقال الديمقراطي؟
كما تطرح تساؤلات من قبيل ما الفرق بين الثقافات السياسية للديمقراطيات المتقدمة والديمقراطيات الهشة؟ وكيف تؤثر المشاركة الانتخابية والتصويت في العلاقة بين امتلاك القيم الديمقراطية والتأييد المُعلَن للديمقراطية؟ وما مدى تأثير التدين في الثقافة السياسية؟ وهل في إمكان الثقافة السياسية مَنْع صدام الحضارات؟ وهل يُمكن قياس الثقافة السياسية استناداً إلى استطلاعات الرأي؟
معرفة معمقة ونقدية
استُهلّ اليوم الأول بكلمة ترحيبية ألقاها هاني عواد، الباحث في المركز العربي، أشار فيها إلى مساهمة المدرسة الشتوية في إنتاج معرفة معمّقة ونقدية عن موضوعات مختارة في العلوم الاجتماعية والإنسانية، فضلاً عن إتاحة الفرصة للباحثين الشباب وطلبة الدكتوراه ليتعرّفوا إلى مقاربات مختلفة تساهم في تعميق المعرفة عن هذه الموضوعات.
وعرّج الباحث على النجاح الذي حققته الدورة الأولى للمدرسة الشتوية في موضوع الطائفية (2020)، والدورة الثانية في موضوع الدولة وتحوّلاتها (2021)، والدورة الثالثة في موضوع أنماط الشعبوية ونماذجها (2022).
وأشار عواد إلى أن اختيار "الثقافة السياسية" موضوعاً للمدرسة الشتوية، في دورتها الحالية، يرجع إلى أن الإطار النظري للثقافة السياسية بات ضرورياً لفهم تأثير الأيديولوجيات والأعراف والقيم وأنماط التدين والوعي السياسي في العلاقات المركّبة بين الفاعلين في العملية السياسية ومؤسسات السلطة.
ووفق ما أضاف فإن هذا الإطار جرى توظيفه في مجالات العلوم الاجتماعية، مثل دراسة الحركات الاجتماعية، والصراعات الاجتماعية، والتعبئة السياسية، والقومية، والتحول الديمقراطي، وغيرها من المجالات. ومع ذلك، لم تُدرَس الثقافة السياسية بعمق في المنطقة العربية أو من جانب الباحثين العرب، ما يجعل عقد الدورة الحالية للمدرسة الشتوية، فضلاً عن الدورة التاسعة من مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية الذي سينظمه المركز في مارس/ آذار 2023 في الموضوع ذاته، خطوةً مهمّة لمعالجة هذه الفجوة.
الثقافة السياسية والانتقال الديمقراطي
أعقب ذلك تقديم الباحثة أماني محرز ورقة عنوانها "عندما يستحيل اليمين يساراً: القيم والسلوك الانتخابي في تونس"، جادلت فيها بأن نظريات الاختلافات الأيديولوجية التي تتوقع أن يكون الأفراد المؤيدون لقيم الحرية والعدالة والمساواة يساريين، مقابل أن يكون الأفراد المؤيدون للقيم السلطوية يمينيين، لا تُفسّر الحالة في العالم العربي، موضحًة - بناءً على بحثٍ ميداني أُنجز بعد الانتخابات التونسية لعام 2019 مباشرةً - أن الأشخاص الذين يؤيدون قيم الحرية والعدالة هم أكثر عرضةً للتصويت للأحزاب الإسلامية اليمينية، في حين يميل أولئك المؤيدون للقيم السلطوية القومية إلى التصويت للأحزاب اليسارية. ثمّ قدم مارك تيسلر ونارمين بت ملاحظات تعقيبية متعلقة بورقة الباحثة.
سياسة يومية للتراجع الديمقراطي
وقدّمت الباحثة هيفاء سليمي الورقة الثانية بعنوان "حكاية "استثناءين": السياسة اليومية للتراجع الديمقراطي ووجهات النظر المتضاربة للنخب حول الديمقراطية في تونس"، سعت خلالها للإجابة عن سؤالين رئيسَين، هما: لماذا قد يدعم المواطنون التراجع الديمقراطي؟ وكيف يؤثر فهمُ النخب المتباين للديمقراطية في الديمقراطيات الناشئة في القدرة على منع التراجع الديمقراطي ومعارضته؟ وذلك انطلاقاً من دراسة السلوك الانتخابي لشريحة من السكان التونسيين في المجتمع الريفي في باجة. وقد عقّب على هذه الورقة إيلين لست وكارمن فولكو.
وتستمرّ أعمال المدرسة الشتوية بنسقٍ مشابه، أي محاضرة عامة يتبعها تقديم باحثَين مشاركين لورقتَين بحثيتين. وتشمل أعمالها، إلى جانب محاضرة وورقتَين خلال هذا اليوم الأول، عروضاً لأربع عشرة ورقة بحثية، وسبع محاضرات عامة يقدّمها باحثون بارزون متخصصون في الثقافة السياسية، إضافةً إلى حلقتَين نقاشيتين وورشة عمل.