لو أنك سألت أكثر الناس تشاؤماً صبيحة يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، عما ستؤول إليه الأوضاع في السودان عقب انقلاب قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في ذلك اليوم الأسود، لن تجد في إجاباتهم أي توقع بوصول الأمور إلى ما هي عليه الآن بعد عام كامل من الانقلاب.
لم يكن أحد يتصور مثلاً، أن تبقى البلاد بلا حكومة لمدة 12 شهراً، وتتداخل السلطات ويضطرب القرار، وتضعف مؤسسات الدولة، فتعيث بطانة الانقلاب فساداً بفساد.
خلال هذا العام، لم يدر بخلد المتشائمين، أن يُقتل أكثر من ألفي شخص في صراعات قبلية تغذيها أطماع سياسية بأطراف السودان المختلفة، وتكتفي سلطة الانقلاب، التي تدعي حرصها على الأمن والاستقرار، بالفُرجة على ذلك الموت المجاني الذي يتحول هذه الأيام إلى مشروع إبادة جماعية في إقليم النيل الأزرق، فيما لم تسلم العاصمة الخرطوم من عمليات السلب والنهب عبر عصابات يبدو تماماً أنها تتحرك بـ"الريموت كونترول". يحدث كل ذلك، والسلطات الأمنية تقدم فقط أداء "ممتازاً" أثناء تعاملها مع التظاهرات السلمية لتضمن، كما تظن، بقاءها في السلطة، ولو كانت نتيجة فعلها إزهاق 118 من الأنفس البريئة.
في هذا العام، نما الإحساس بعدم الإنتماء للدولة السودانية، وتعمّق عدم الثقة في مفهوم قوميتها، لم لا؟ قادة الانقلاب يضربون على دفوف القبلية والجهوية، لأنها خط الدفاع الوحيد عنهم، بعد أن فقدوا السند الشعبي والسياسي، لذا ليس بمستغرب أن يخرج زعيم قبلي ليحدث الرأي العام عن أن ابنهم "فلان" في مجلس السيادة أو الموظف الرفيع في الانقلاب، بمثابة خط أحمر لا يجوز المساس به.
خلال هذا العام، تردت الأوضاع المعيشية وارتفعت أسعار السلع والخدمات أضعاف ما كانت عليه قبل الانقلاب، وتواصل تهريب الذهب وغيره من موارد البلاد تحت سمع وبصر مؤسسات الانقلاب، ولا يتردد لحظة وزير مالية الانقلاب جبريل إبراهيم في زيادة الضرائب والرسوم الجمركية يوماً بعد يوم ليلقي على المواطن عبئاً على عبء، ويرغمه على دفع ثمن الانقلاب وفشله.
في هذا العام، عاد السودان لعزلته الدولية، والاتحاد الأفريقي جمّد عضويته، والمجتمع الإقليمي والدولي يحاصره من كل الجبهات، ومؤسسات التمويل الدولية حرمت البلاد من أي دعم، وحتى دول المحاور التي شجعت العسكر على تنفيذ انقلابهم نفضت يدها لأكثر من سبب.
في هذا العام، سمح انقلاب البرهان بعودة فلول النظام السابق لمفاصل السلطة، وأعاد لهم ممتلكات منهوبة صودرت منهم بعد الثورة وأطلق سراح كثير منهم، فدشن بقايا النظام حملاتهم لإجهاض الثورة التي نبذتهم.
وللحديث عن سوءات الانقلاب تتمة وتتمات، يدركها قادة الانقلاب قبل غيرهم لأنهم ببساطة "لم يستبينوا نصحاً إلا في ضحى الغد".