بعد أن طوى صفحة الحرب في أفغانستان، يواجه الرئيس الأميركي جو بايدن، قرارات صعبة في منطقة شرقيّ سورية والعراق. فالهجمات الصاروخية والجوية المسيَّرة التي تعرضت لها القوات الأميركية في البلدين، تعاملت معها إدارته، وما زالت، بصورة مرتبكة.
في إبريل/ نيسان الماضي، ردّت عليها بقصف جوي محدود. ثم كررت الرد بالحجم نفسه في يونيو/ حزيران الفائت، متوعدة بمعاقبة قاسية في حال تواصُل الهجمات. لكنها في الأسبوع الماضي تضاعفت. بلغت ستّ عمليات، منها 14 قذيفة على قوات أميركية في قواعد عسكرية عراقية، من غير رد، الأمر الذي أعاد فتح باب الجدل والنقاش في الكونغرس حول الجواب المطلوب، كما حول ما يسمح به "قانون الحرب" ويمنحه من صلاحيات حربية للرئيس.
الجمهوريون في مجلس الشيوخ، مثل السيناتور جيم إنهوف وغيره، يطالبون البيت الأبيض بالقيام بعمليات عسكرية رادعة تكون بحدود "عمليات عدائية" يبررها القانون، وبما يمنع تكرار هجمات المليشيات المدعومة من إيران. ويشكل ذلك عملياً دعوة إلى المواجهة، وهذا خيار محرج للرئيس.
أما الديمقراطيون، يمانعون إجمالاً التوسع في استخدام الرئيس لصلاحياته العسكرية، وينادون بضرورة الحصول على موافقة الكونغرس المسبقة لأي عمل عسكري خارجي في الحالات الطارئة، باعتباره المفوض الوحيد بإعلان الحرب حسب الدستور. ومن المعروف أن هذا النص الغامض سمح للرؤساء بالدخول في حروب طويلة ومواجهات واجتياحات منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية من دون تفويض الكونغرس.
وفق ذلك، يبدو البيت الأبيض وكأنه محشور بين الضغوط والقيود. ويزيد من دقة الوضع أن مفاوضات فيينا بلغت مرحلة دقيقة يمكن أن تكون هي الأخرى قد أدت دور الكابح الإضافي للإدارة. والمرجح أن التصعيد مرتبط بها. فالجولة السابعة لم يتحدد موعدها بعد، والفريق الأميركي "جاهز للسفر إلى فيينا" حسب المتحدث في الخارجية، الذي وضع الكرة اليوم خلال مؤتمره الصحافي، في الملعب الإيراني.
حرص الإدارة المعروف على استئناف المحادثات يحمل على الاستنتاج بأن واشنطن تميل إلى التريث في الرد بالمثل، حسب ما توعدت، حتى لا تتعقد المفاوضات أكثر. يضاف وفق بعض القراءات كابح آخر يتعلق بحرص الإدارة على "عدم تأزيم الوضع العراقي"، لو نفذت ضربات موسعة على المليشيات في الداخل العراقي. ثم هناك الحذر من احتمالات التورط في وقت حسم فيه الرئيس بايدن خياره بالابتعاد عن حروب الخارج، ودشنه بالانسحاب من أفغانستان، رغم المجازفة التي انطوى عليها قراره، وفق ما يرى معظم المراقبين في واشنطن.
بين هذا وذاك، يُشار إلى مخارج أخرى محتملة تُطبَخ بعيداً عن الأضواء. منها أن يدفع الوضع هناك الروس إلى إنشاء مناطق خالية من المسلحين الموالين لإيران، تجنباً لسلبيات التصعيد الذي تسببه الهجمات على القوات الأميركية والردود عليها. وحسب هذا التحليل، تريد موسكو أن تتحاشى "مخاطر وجود وحدات حرس ثوري إيراني شرق الفرات". ويؤشر على ذلك "دعمها للتشكيلات المحلية المسلحة التي تعمل كقوة موازية للقوات التي تدعمها إيران، ومنها قوات من العشائر تعمل هناك مع الوحدات الموالية لروسيا"، بما قد يؤدي في النهاية إلى إقامة المناطق الخالية. لكن هذا قد يتحقق على المدى الأبعد إذا صحّت حساباته، ولا يقدم المخرج الآني لحلّ إشكالية الخليط العسكري المتنوع والمتضارب في المنطقة.
قد تكون الإدارة قد أخذت ببعض هذه الاعتبارات أو كلها في حساباتها إزاء التحدي المزدوج، الدبلوماسي والعسكري الذي تشكله الهجمات. والتساؤل الآن: كيف ترد لو تجددت هذه الهجمات قبل استئناف مفاوضات فيينا أو خلالها؟ ثمة اعتقاد أن إيران توظف ورقة مزدوجة لتحقيق اختراق في فيينا؛ التأخير في العودة إلى الطاولة لغاية اقتراب تسلّم الرئيس الجديد المتشدد إبراهيم رئيسي، وفي الوقت ذاته الاستمرار في مثل هذه الهجمات، مراهنةً على امتناع بايدن عن القيام برد قوي، لئلا يخرّب المفاوضات.
الخطر أن لعبة عضّ الأصابع هذه قد تتفلت في لحظة ما من قواعدها.