الواضح في واشنطن أن الرئيس الأميركي جو بايدن فشل في النهاية في حمل شريكه بنيامين نتنياهو على فرملة العملية العسكرية في قطاع غزة، التي بدأ تزايد كلفتها السياسية والخارجية يربكه ويفاقم متاعبه وعزلته في عام انتخابي حاسم.
كانت حساباته بعدما أعطى إسرائيل التفويض المطلق للانتقام أنه يمكن تغيير المسار إذا تعذر الحسم العسكري بعد فترة محدودة، لكن نتنياهو كانت له دائماً حسابات أخرى، جعلته "الشريك الأصعب بشكل لا مثيل له"، كما قال السيناتور الديمقراطي كريس كونز، الصديق المقرّب جداً من بايدن، والذي يمثل ولايتهما ديلاوير. فهو يعرف "ضعف" بايدن تجاه إسرائيل، وأنه بالتالي لن يقدم على استخدام عصا الدعم والمساعدات لإجبارها على الانصياع وخفض حرارة الحرب على غزة، ويدرك أيضاً أن الرئيس ليس في وارد التراجع عن معارضته لوقف إطلاق النار، على الأقل في المدى القريب، ولذلك حصل التمادي الذي أحرج البيت الأبيض ودفعه للعودة مجدداً إلى قضية الرهائن، علّها تنتهي إلى هدنة أخرى مفتوحة على التمديد، وما يمكن أن تؤدي إليه من معطيات وانفراجات قابلة للتطوير باتجاه حلحلة ما.
فإعادة تكليف مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز بتولي المفاوضات في هذا الموضوع عزّز التوقعات بالتوصل إلى دفعة جديدة من تبادل الأسرى، خصوصاً أن نتنياهو بحاجة إلى صفقة من هذا النوع لتخفيف ضغوط عائلات المحتجزين، والتي تزايدت وتيرتها بعد مقتل ثلاثة من الأسرى برصاص القوات الإسرائيلية قبل يومين.
بالإضافة إلى ذلك، هناك تطور في هذا الاتجاه قد تشهده الأمم المتحدة، اليوم الثلاثاء، بعد تغيير متوقع في موقف الإدارة من نتنياهو وتجاهله لرغبة البيت الأبيض في وقف المجزرة التي بدأت تظهره كشريك مساهم فيها. فقد كان من المقرّر أن يصوّت مجلس الأمن، أمس الاثنين، على مشروع قرار عربي إسلامي بوقف إطلاق النار، لكن التصويت جرى تأجيله إلى اليوم، بعدما طلبت واشنطن ذلك على ما بدا. وذكرت المعلومات أن ذلك جاء في أعقاب نقاشات وتباينات داخل الإدارة، أدت على الأرجح إما إلى التصويت بنعم أو الامتناع عن التصويت، وبالتالي عدم استخدام "الفيتو"، بما يسمح بتمرير القرار، شرط أن يأتي بصيغة "تعليق" القتال، أو ربما "خفض حدته" وليس وقفه، وبذلك تكون الإدارة قد توسلت مجلس الأمن "لإجبار" إسرائيل على العمل بموجبه، لكن يبقى هذا الإخراج رمزياً أكثر منه إلزامياً في غياب إصداره تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. مع ذلك، تبقى أهميته أنه يؤدي إلى عزلة كاملة لإسرائيل.
لكن هذا الاحتمال يبقى في دائرة الترجيح وليس التأكيد. وفي هذا السياق، تردّد أن السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد لعبت دوراً هاماً في هذا التحول، بالاستناد إلى خلفية محاولات الإدارة التي فشلت في زحزحة إسرائيل عن موقفها. وذُكر أنها تغيبت في الأسبوع الماضي عمداً بداعي السفر كي لا تشارك في جلسة مجلس الأمن التي استخدمت فيها واشنطن حق النقض، والذي أدلى به نائب غرينفيلد، الدبلوماسي روبرت وود، بيد أن هناك من سارع للتذكير بأن الرئيس الأميركي "لا يحبذ الدخول في مواجهة مباشرة مع رئيس حكومة إسرائيل"، لكن ليس بالضرورة. إدارة الرئيس باراك أوباما في أواخر أيامها صوتت في مجلس الأمن ضد شرعية المستوطنات الإسرائيلية، وقد يتكرر ذلك مع إدارة بايدن التي تجاهلها نتنياهو، بعدما حصل على دعم غير مشروط منها، وظّفه لخوض حرب مصيره السياسي من خلال التمادي في حصد المدنيين، وتجويع الغزاويين، والعمل على تهجيرهم، فضلاً عن التلويح بتوسيع رقعة حرب غزة.
في هذا المشهد، تبدو إدارة بايدن وكأنها في مأزق، بحيث أنها لا تريد التراجع عن دعم حرب غزة، وفي الوقت ذاته لا تقوى على الوقوف بوجهها، وبذلك يبدو أنها انتهت ضحية لجهلها بأن إسرائيل لا تصغي لأحد في الحرب، لأنها لا تأمن في مثل هذه الحالة حتى للحليف الأقرب إليها، وحادثة سفينة ليبرتي في حرب 1967 تشهد على ذلك، وكذلك مشاكسات غولدا مائير مع الإدارة أثناء مفاوضات فك الاشتباك في 1974.