يشكّل إعلان وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، عن تصنيف حركة "حماس"، وليس فقط جناحها العسكري، حركة إرهابية ومحظورة، مع تغريم كل من يتضامن معها أو يرفع علمها، بالسجن لغاية عشر سنوات، نصراً سياسياً كبيراً لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وتحديداً للحكومة الإسرائيلية الجديدة التي لا تزال تتلقى ضربات من المعارضة اليمينية بقيادة رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، واتهامه للحكومة الحالية بأنها ليست من اليمين بشيء.
في هذا السياق، فإن الإعلان البريطاني هو هدية لا تُقدّر بثمن لرئيس الحكومة نفتالي بينت، المعروف بتطرفه اليميني الديني في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ورؤياه للصراع المأخوذة من الوعود التوراتية الدينية ووجوب "استيطان الأرض وتعميرها"، لكنه يؤكد أيضاً في الوقت نفسه حجم تغلغل الصهيونية في المؤسسة البريطانية السياسية ممثلة ليس فقط بحزب المحافظين الحاكم بقيادة بوريس جونسون، وإنما أيضاً بما يحدث في حزب العمال البريطاني، وفي قدرة الصهيونية على وصم كل من يؤيد حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، بالعداء للسامية.
لا حاجة للعودة إلى التاريخ لتأكيد العداء البريطاني الرسمي للشعب الفلسطيني، منذ إطلاق وعد بلفور وحتى يومنا، لكن لا يمكن أيضاً الاستسلام للإعلان البريطاني أمس، خصوصاً أن إسرائيل ركزت في السنوات الأخيرة في نشاطها ضد حركة المقاطعة الدولية على نشاط المنظمة في بريطانيا، ومارست ضغوطاً هائلة على حزب العمال للتخلص من زعيمه جيريمي كوربين بفعل مواقفه المناصرة للشعب الفلسطيني، حتى بات الحزب يخشى من أي انتقاد مهما كان طفيفاً للسياسة الإسرائيلية كي لا يُرمى بالعداء للسامية.
مع ذلك يبقى القرار البريطاني الرسمي، في حال أقره مجلس النواب البريطاني، تصعيداً خطيراً ضد الشعب الفلسطيني، لا يوازيه إلا التصعيد الذي كان إبان ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. ومثلما كانت خطة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية سياسياً وفعلياً عبر ما سماه بـ"صفقة القرن"، من وحي وصياغة نتنياهو، فإن أوجه الشبه بارزة أيضاً في القرار البريطاني، مع إعلان الصحف الإسرائيلية، الجمعة، أن الخطوة البريطانية كانت استجابة لطلب من إسرائيل الرسمية ممثلة ببينت، لنظيره البريطاني بوريس جونسون خلال قمة غلاسكو للمناخ، وهو أيضاً يصفي عملياً حق مقاومة الاحتلال المنصوص عليه في القانون الدولي، ليكمل مخطط تصفية القضية الذي كان بدأه ترامب.