قال مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسن، الأربعاء، إن "السلام والحل الشامل للصراع في سورية ما زال بعيد المنال"، عازياً ذلك لعدد من الأسباب، من ضمنها "نقص الإرادة السياسية، وفجوة في مواقف الأطراف، وانعدام الثقة العميق، وتحديات يطرحها المناخ الدولي الصعب".
وتوقف بيدرسن خلال إحاطته الشهرية أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك حول مستجدات الملف السوري عند استمرار معاناة السوريين وشعورهم باليأس، قائلاً "لا يمكننا أن نقبل الوضع الراهن ببساطة، لأنه سوف يزداد سوءاً ونحن بحاجة إلى أن تحقق العملية السياسية نتائج ملموسة على الأرض لكي نعزز الأمل".
الصراع والوضع الاقتصادي والفساد
وأشار بيدرسن إلى عدد من العوامل التي أدت إلى تدهور الوضع الاقتصادي، من بينها "أكثر من عشر سنوات من الصراع، والفساد، وسوء الإدارة، والصدمات الاقتصادية الخارجية، وتهريب المخدرات، والعقوبات".
وتابع "هذا العام انخفضت قيمة الليرة السورية إلى النصف بينما تضاعفت أسعار المواد الغذائية. يعاني نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي. ويعاني أكثر من 600 ألف طفل دون سن الخامسة من نقص في النمو".
وحذر المبعوث الأممي من استمرار نزوح ومغادرة العاملين في مجال الرعاية الصحية، حيث "يكسب الطبيب أو الممرض أقل من 20 دولارًا أميركيًا شهريًا، وهذا لا يكفي تكاليف النقل".
عودة شبح الصراع لبعض المناطق بعد فترة من "الهدوء"
وفيما حذر من استمرار مقتل المدنيين بسبب أعمال العنف ونزوح عشرات الآلاف خلال الشهر الماضي وحده، لفت بيدرسن لعودة المواجهات في عدد المناطق وإلى استمرار بعضها الآخر، وقال "من أخطر التهديدات للهدوء النسبي الذي شهدناه منذ عام 2020، اشتباكات مسلحة بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية في دير الزور، ومحاولة جماعات المعارضة المسلحة التقدم إلى الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، ما أدى إلى مزيد من الاشتباكات وتبادل إطلاق النار بين قوات سوريا الديمقراطية والمعارضة المسلحة وتركيا".
وتحدث عن غارات وهجمات لـ"هيئة تحرير الشام"، وهي جماعة إرهابية مدرجة على لائحة مجلس الأمن، وجماعات موالية لها عبر خطوط التماس في شمال غرب سورية ومحاولة السيطرة على مناطق تحت سيطرة الحكومة في تحد للاتفاق الروسي التركي لعام 2020 وخطوط وقف إطلاق النار.
كما تطرق إلى تصعيد كبير في عمليات القصف والغارات الجوية لقوات موالية للحكومة (النظام السوري) على شمال غرب سورية، كما تحدث عن تقارير حول غارات جوية إسرائيلية، وتقارير عن غارات جوية أردنية، ومزيد من الأحداث الأمنية بين قوات موالية للحكومة في الشمال الشرقي وبين قوات المعارضة المسلحة في الشمال الغربي، وتقارير عن هجمات يشنها "داعش".
وأشار أيضاً إلى ما سماه "مظاهر جديدة للإحباط الشعبي في سورية. استمرت الاحتجاجات في محافظة السويداء لأكثر من شهر، حيث هناك مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية. وشهدنا نداءات ولافتات تطالب بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 (المتعلق بالحل السياسي)".
معالجة القضايا المتعلقة بانعدام الثقة وتقديم التنازلات
وتحدث بيدرسن عن ضرورة أن تقدم جميع الأطراف التنازلات وأن تتخد الخطوات التي تساعد على كسب بعض الثقة، مضيفاً "من الممكن إطلاق سراح أولئك الذين تم احتجازهم تعسفياً.. والسماح لعدد أكبر من السوريين بالوصول إلى ممتلكاتهم، أو شهادات الميلاد والزواج والوفاة وغيرها من الوثائق التي هم في أمس الحاجة إليها، وأن تتم معالجة مخاوف السوريين الذين فروا خشية من التجنيد الإجباري".
وأضاف "يمكن للسوريين في الخارج إيجاد المزيد من الطرق للوصول إلى الخدمات القنصلية التي يحتاجون إليها، ويمكن معالجة انقطاع التيار الكهربائي، وتوفير المياه النظيفة بشكل أكبر، ومحاولة توفير الأدوية للمرضى غير المتوفرة حاليا، ويمكن للمزارعين استيراد المزيد من الإمدادات اللازمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي مرة أخرى. ويمكن لأولئك الذين دمر الزلزال منازلهم الحصول على الإمدادات اللازمة للتعافي، ومن الممكن أن تتدفق المدفوعات مقابل الأنشطة الإنسانية المشروعة إلى سورية بسهولة أكبر".
وتحدث عن رغبة الأطراف السورية بإعادة عقد واستئناف المحادثات الدستورية دون أن يعطي أي تفاصيل إضافية حول إمكانية عقد اجتماعات قريباً بهذا الشأن، مؤكداً في الوقت ذاته أنه سيوجه الدعوات قبل نهاية العام للأطراف المختلفة.
الوضع الإنساني
من جهتها، تحدثت مديرة العمليات في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة يديم ووسورنو عن استئناف عمليات المساعدات الإنسانية العابرة للحدود عبر معبر باب الهوى لأول مرة منذ يوليو/تموز الماضي، وأشارت إلى دخول 65 شاحنة مساعدات إنسانية إلى الشمال الغربي بالإضافة إلى تقديم المساعدات العابرة للحدود عبر باب الراعي والسلام. ولفتت المسؤولة الأممية إلى وجود قرابة مليوني شخص في شمال غرب سورية بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية.
وأشارت في الوقت ذاته إلى أن تلك المساعدات لا تشمل فقط الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية، بل تشمل أيضاً "تحسين أداء المدارس والمرافق الصحية وأنظمة الصرف الصحي، وتحسين الوصول إلى مياه الشرب الآمنة ومساعدات الحماية المنقذة للحياة، وتشمل تقديم المساعدات النقدية".
ثم توقفت عند "تجدد الأعمال العدائية في الأسابيع الأخيرة في شمال وشمال شرق حلب والتي أدت إلى نزوح مؤقت لعشرات الآلاف من الأشخاص"، مشيرة إلى أنه "اضطر العديد منهم إلى النوم في العراء بسبب الاكتظاظ في مخيمات النازحين. كما تم الإبلاغ عن سقوط ضحايا من المدنيين، بينهم نساء وأطفال".
وكشفت في هذا السياق عن "اضطرار 32 مدرسة إلى وقف أنشطتها التعليمية، وتم استخدام 14 منها كملاجئ مؤقتة. بالإضافة إلى ذلك، أدى القتال في الشمال الشرقي إلى مقتل 23 مدنياً وإصابة عدد أكبر في محافظة دير الزور في أواخر الشهر الماضي.. ونزح عشرات الآلاف، بينما واجه من بقوا نقصاً في الغذاء والأدوية".
نقص حاد في الأمن الغذائي
وقالت ووسورنو "في بداية هذا العام كان نصف السكان، نحو 12 مليون شخص، يعانون من انعدام الأمن الغذائي.. وإذا استمر الوضع الاقتصادي في التدهور، فمن المرجح أن يزداد العدد بالملايين"، محذرة من الانخفاض الحاد في تمويل خطة الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية لسورية حيث تم تمويلها للعام الحالي بأقل من ثلاثين بالمائة.
وأشارت المسؤولة الأممية إلى اضطرار الكثير من المنظمات الإنسانية، بسبب نقص التمويل، إلى تقليص خدماتها بما فيها خدمات أساسية، وقالت "كما أفادت التقارير في شهر يوليو/تموز، حيث اضطر برنامج الأغذية العالمي إلى خفض المساعدات المقدمة إلى 2.5 مليون شخص، كما خفض الحصص الغذائية للآخرين إلى النصف.. وفي الشمال الغربي، تم إغلاق حوالي 17 ملجأ آمناً للنساء والأطفال في الأشهر القليلة الماضية، وسيتم إغلاق 24 ملجأ آخر بحلول نهاية العام إذا لم يتم تلقي تمويل إضافي".
وأضافت "تشمل تلك التقليصات برامج تعمل على الاستجابة ومعالجة الأضرار والصدمات الناجمة عن العنف الجندري". كما يشمل ذلك، وفق ووسورنو، تقليصا في الخدمات التربوية والتعليم للأطفال وخدمات الصرف الصحي الضرورية لمنع انتشار الأمراض مثل الكوليرا وتطعيم الأطفال وغيرها من الخدمات الأساسية.