يحط المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، اليوم الأحد، في دمشق، لمقابلة مسؤولين في النظام السوري، وفي جعبته ملف واحد، وهو تحريك التفاوض حول الدستور، والذي عطّله وفد النظام في الجولة الخامسة من اجتماعات لجنة شكّلتها الأمم المتحدة منوط بها وضع دستور جديد للبلاد، يأمل المجتمع الدولي أن يكون خطوة واسعة في طريق الحل السياسي للقضية السورية.
وقبيل توجهه إلى العاصمة السورية، التقى بيدرسن بعدد من المسؤولين الروس في موسكو لحثهم، كما يبدو، على الضغط أكثر على النظام السوري لتحديد موعد للجولة السادسة من مفاوضات اللجنة الدستورية، على أن يدخل وفد النظام في مناقشة المبادئ الدستورية، وهو ما كان يرفضه هذا الوفد، الذي يحاول حرف اللجنة عن غايتها من خلال الحديث عن "المبادئ الوطنية"، خلال 5 جولات من أعمال اللجنة. وتأتي زيارة المبعوث الأممي إلى دمشق، عقب اتصال هاتفي جرى بعد انتهاء أعمال الجولة 15 من مسار أستانة، الأربعاء الماضي، بين وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، ووزير خارجية النظام فيصل المقداد. وذكرت وسائل إعلام تابعة للنظام أن لافروف أكد دعم بلاده للعملية السياسية، وعمل لجنة مناقشة الدستور في جنيف بقيادة سورية ومن دون أي تدخّل خارجي.
تأتي زيارة بيدرسن لدمشق بعد تلميح روسي عن مسؤولية النظام السوري عن تعطيل أعمال اللجنة الدستورية
كما تأتي الزيارة بعد تلميح روسي عن مسؤولية النظام السوري عن تعطيل أعمال اللجنة الدستورية، في تطور ربما يدفع النظام إلى مراجعة مواقفه منها، والاتجاه نحو تفعيل أعمالها. وفي تصريحات تحمل تحذيرات مبطنة، قال المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، في تصريحات عقب محادثات "أستانة 15" في مدينة سوتشي الروسية، "حان الوقت فعلاً للعمل الدستوري". وحذّر من "عملية دستورية بديلة في دمشق"، مشيراً إلى أنها لن تحظى بقبول دولي. وبيّن أنه أجرى مباحثات وصفها بـ"المفيدة والمطولة" مع بيدرسن في سوتشي، مشيراً إلى وجود "تطورات إيجابية" رافضاً الكشف عنها. وزعم أن موسكو ليس لديها "كل أدوات التأثير على دمشق"، معتبراً أن "الدور الروسي يقتصر على تقديم التوصيات للنظام، والقرار يجب أن تتخذه الحكومة السورية".
ويأمل المبعوث الأممي أن يقنع النظام السوري باستكمال أعمال اللجنة الدستورية، وتحديد آليات جديدة تمكنها من البدء، خلال الجولة المقبلة، بمناقشة بنود هذا الدستور وتوثيق ذلك. ومن الواضح أن النظام يجهد للوصول إلى منتصف العام الحالي لتنظيم انتخابات رئاسية وفق دستور عام 2012، لضمان بقاء بشار الأسد في السلطة لمدة 7 سنوات مقبلة. وأشار مدير المكتب الإعلامي في هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، إبراهيم الجباوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "زيارة بيدرسن إلى دمشق تأتي في سياق زيارات متلاحقة لعدة عواصم من أجل الدفع بالعملية الدستورية إلى الأمام إذا استطاع ذلك". وأعرب عن قناعته بأن المبعوث الأممي "تلقّى ضوءا أخضر من الجانب الروسي حول موعد الجولة المقبلة من أعمال اللجنة الدستورية خلال زيارته موسكو، عقب مشاركته في مباحثات الجولة 15 من مسار أستانة".
وتوقّع الجباوي أن يحدد المبعوث الأممي في دمشق موعد الجولة السادسة من أعمال اللجنة الدستورية، مشيراً إلى أن جدول أعمال هذه الجولة، في حال انعقادها، "سيكون نفس جدول أعمال الجولة الخامسة التي عطلها النظام"، موضحاً أن مهمة الجولة المقبلة ستكون البحث في المبادئ الدستورية. وأعرب عن قناعته بأن النظام "حتى لو وافق على عقد الجولة السادسة فإنه سيفشلها كما جرت عادته"، مضيفاً: "سوف يماطل (النظام) ويسوّف، ويذهب بعيداً عن الصيغ الدستورية والمضامين التي يجب أن تُبحث في الجولة المقبلة". وأوضح أن النظام يريد كسب الوقت ليس أكثر، حتى يصل إلى منتصف العام الحالي لإجراء انتخابات رئاسية، أشبه بـ"الاستفتاء الوهمي على استمرار بشار الأسد في السلطة". وأمِل أن ينجح بيدرسن في "فتح سلال التفاوض الأخرى، وأبرزها الانتقال السياسي والانتخابات، من خلال تحرك دولي واسع"، لكنه استدرك أنه "للأسف، لم تحسم الإدارة الأميركية الجديدة موقفها بعد من المسألة السورية، وروسيا مرتاحة لهذا الوضع، وهي تسعى إلى ديمومة اللجنة الدستورية بعيداً عن السلال التفاوضية الأخرى التي أقرتها الأمم المتحدة من خلال المبعوث الأممي السابق ستيفان دي ميستورا".
إبراهيم الجباوي: النظام حتى لو وافق على عقد الجولة السادسة فإنه سيفشلها كما جرت عادته
وتصر المعارضة السورية على أن تبدأ اللجنة بمناقشة المبادئ الدستورية، وأبرزها حقوق المواطنة المتساوية، وفصل السلطات، واستقلال القضاء، والتداول السلمي للسلطة، وحظر التمييز، وإقامة دولة مدنية ديمقراطية تقوم على المواطنة وسيادة القانون وتحترم التعددية، وتكفل الحرية والعدل والمساواة، وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين من دون أي تمييز أو تفرقة. بينما يصر وفد النظام على مناقشة ما يسمّيه بـ"الثوابت الوطنية" وأهمها "سيادة سورية ووحدتها وسلامة أراضيها ومواصلة مكافحة الإرهاب"، وفق رئيس وفد النظام إلى اللجنة الدستورية، أحمد الكزبري. كما لا يزال النظام مصراً على أن مهمة اللجنة تنحصر في مناقشة الدستور الذي وضعه في 2012، والذي يعطي منصب الرئيس سلطات مطلقة في إدارة البلاد، بينما تريد المعارضة السورية دستوراً جديداً يقلص صلاحيات الرئيس ويقطع الطريق أمام بشار الأسد للترشح لدورة جديدة.
وفي السياق، لا يتوقع الباحث السياسي في "مركز الحوار السوري"، محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أي انفراجة في أعمال اللجنة الدستورية. وقال "هي حتى الآن مجرد إضاعة للوقت. يحاول النظام وحلفاؤه من خلالها كسب الشرعية السياسية والادعاء بأنهم يسيرون في طريق الحل السياسي". وأضاف: "قد يقوم الروس بالضغط على النظام لإبداء نوع من المرونة الشكلية في بعض القضايا التفصيلية، مثل قبول ما يطرحه بيدرسن، ولكن هذا النظام لن يعدم وسيلة للتعطيل بطرق أخرى، وإن قبل كل المقترحات شكلياً".