وصف مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية، غير بيدرسون، عدم تحقيق تقدم في العملية السياسية هناك بـ"المأساوي"، وقال: "السوريون هم من يعانون من الجمود الاستراتيجي في الوقت الذي يستمر فيه العنف والصراع في جميع أنحاء سورية".
وأشار بيدرسون، في إحاطة عبر الفيديو أمام مجلس الأمن، اليوم الثلاثاء، إلى استمرار "الاقتتال الداخلي بين جماعات المعارضة المسلحة في الأسابيع الأخيرة، كما نشرت هيئة تحرير الشام، المدرجة على قائمة مجلس الأمن جماعة إرهابية، مقاتلين في عفرين ووصلت إلى أطراف أعزاز. مع وجود تقارير بانسحابهم من عفرين بعد التوصل لوقف إطلاق النار". ولفت الانتباه كذلك إلى "استمرار تشكيل داعش خطراً، كما أن لديه القدرة على شن الهجمات، حيث اكتشف مؤخراً أحد أكبر مخابئ الأسلحة".
وتحدث عن تقارير تشير إلى شن النظام السوري غارات جوية في شمال غرب سورية، في إدلب ومشارف أعزاز، و"هذا لأول مرة منذ مدة طويلة".
وتطرق المسؤول الأممي إلى استمرار العنف والمواجهات في عدد من المناطق الإضافية، من بينها الشمال الشرقي، بين مليشيات "قوات سورية الديمقراطية" وتركيا، وكذلك ضربات في محيط المناطق التي توجد فيها القوات الأميركية في دير الزور، ناهيك عن الهجمات في الجنوب الغربي، بما فيها هجمات بعبوات ناسفة واغتيالات، كذلك استمرار الهجمات التي تشنها إسرائيل على أهداف مختلفة في دمشق ومطار حلب".
وتوقف عند الوضع الاقتصادي واستمرار تدهوره، معبراً عن قلقه بشأن المعاناة الإنسانية. وتحدث عن زيادة الضغط بسبب فقدان الليرة السورية "قدراً هائلاً من قيمتها في الأسابيع الأخيرة، كما وصل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود إلى مستويات قياسية. يعاني السوريون من أسوأ أزمة اقتصادية منذ بدء الحرب. وسيزداد الأمر سوءاً هذا الشتاء بالنسبة للغالبية العظمى"، وشدد على ضرورة وصول المساعدات الإنسانية عبر جميع الطرق، بما فيها عبر الآلية العابرة للحدود وعبر خطوط التماس.
وعبر عن أسفه لاستمرار وجود "تقارير عن اعتقالات تعسفية في جميع أنحاء البلاد. في غضون ذلك، بعد ستة أشهر من صدور مرسوم العفو الرئاسي، لا يوجد أي جديد يُذكر. على الرغم من انخراطنا المستمر لكن لم تصلنا معلومات رسمية، كما لم يجر تسهيل المراقبة المستقلة".
وقال بيدرسون إنه مستمر في العمل على تذليل العقبات التي تحول دون انعقاد اللجنة الدستورية. وذكّر الحضور بقرار ممثلي النظام السوري بعدم الحضور لاعتراضات روسية حول عقد اللقاءات في جنيف.
وأشار إلى استمراره في التواصل مع جميع الأطراف، بما فيها الروس "لتذليل تلك العقبة". ولفت الانتباه كذلك إلى أنه "حتى لو استؤنفت الجلسات في جنيف، إلا أن ذلك لن يكون كافياً لاستعادة مصداقية اللجنة في نظر معظم السوريين وأصحاب المصلحة الدوليين. ولهذا السبب أسعى إلى العمل مع الأطراف والرؤساء المشاركين حتى تكون هناك إرادة سياسية، عند استئناف الاجتماعات، بروح التوافق، بوتيرة أسرع وأساليب عمل أفضل ومضمون أكبر".
"مأساة" الكوليرا في سورية
من جانبها، رسمت مديرة شعبة التنسيق والاستجابة في سورية، التابعة لمكتب الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، رينا غيلاني، صورة قاتمة للوضع الإنساني في البلاد. وجاء ذلك خلال إحاطة لها أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك، عبر تقنية الفيديو، خلال اجتماع دوري له حول الوضع الإنساني والسياسي في سورية.
وتحدثت عن "انتشار وباء الكوليرا بسرعة في جميع أنحاء سورية، وتفاقم الأوضاع بسبب النقص الحاد للمياه في البلاد". وأكدت أنه جرى "الإبلاغ عن 24 ألف حالة كوليرا مشتبه بها، مع تأكيد ظهورها في جميع المحافظات، ووفاة ما لا يقل عن 80 شخصاً حتى الآن. هذه مأساة، لكن لا ينبغي أن تكون مفاجئة".
وتوقفت عند قضية المياه وشحها في العديد من المناطق السورية، وافتقار ملايين السوريين لإمكانية الحصول عليها. وقالت إنّ هناك تقارير "تشير إلى أنّ منسوب هطول الأمطار، حتى شهر ديسمبر/ كانون الأول، سيكون دون المستوى مع توقعات بارتفاع درجات الحرارة لمستويات تفوق معدلها. وإن صدقت تلك التوقعات فإنّ ذلك سيؤدي إلى تفاقم أزمة المياه المتأزمة أصلاً".
وتوقفت المسؤولة الأممية كذلك عند التأثير السلبي لندرة المياه على قطاع الزراعة والمحاصيل وسبل عيش المزارعين. وخلصت إلى أنّ ذلك "أدى إلى ارتفاع الأسعار وجعل الغذاء بعيداً عن متناول ملايين السوريين. تشهد سورية الآن أدنى معدل محصول للقمح منذ بدء الأزمة، بعد موسمين متتاليين من ظروف شبيهة بالجفاف. إن انعدام الأمن الغذائي يخرج عن نطاق السيطرة ومعدلات سوء التغذية آخذة في الارتفاع".
وحول قدرة السوريين الشرائية والفقر المنتشر على نطاق واسع، قالت "يمكن للسوريين اليوم شراء 15% فقط من الطعام الذي كانوا قادرين على شرائه قبل ثلاث سنوات". وقالت إنّ نقص المياه يزيد من الضرر اللاحق بالكثير من شرائح المجتمع السوري، ولا سيما النساء والفتيات، حيث أصبحن أكثر عرضة للاستغلال والاعتداء الجنسيين.
كما حذرت من تبعات الشتاء القارس في عدد من المناطق، وقالت "نحن على بعد أسابيع فقط من شتاء آخر في سورية وسيناريو مؤلم ومألوف، حيث من المتوقع أن تضرب العواصف الثلجية والرياح القوية والأمطار والفيضانات قريباً. وتهبط درجات الحرارة دون الصفر، وحذرت من عواقب ذلك على العائلات التي تعيش في الخيام والملاجئ المؤقتة، حيث يزيد النقص الحاد في الوقود والكهرباء من الصعوبات التي تواجهها، بما فيها الحفاظ على الدفء والخدمات الأساسية". وأشارت إلى زيادة بنسبة 30% للعائلات المحتاجة لمساعدات إنسانية على أبواب الشتاء.
وقالت: "يعتمد حوالي مليوني شخص على المساعدات الشتوية لتلبية احتياجاتهم الأساسية. معظمهم من النساء والأطفال الذين يعيشون في المخيمات مع وصول محدود، أو معدوم للتدفئة، أو الكهرباء أو المياه أو الصرف الصحي". وفي هذا السياق أشارت إلى نقص حاد في التمويل للحملة التي جرى إطلاقها للاستجابة الإنسانية لفصل الشتاء، بما فيها الغذاء والمأوى، حيث جرى تمويلها حتى الآن بنسبة 10% فقط.
وأشارت غيلاني إلى استمرار وقوع الضحايا بين المدنيين، في ظل استمرار النزاع والاقتتال. وتحدثت عن مقتل "ما لا يقل عن 92 مدنياً وإصابة 80 آخرين بين أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول. وقتل 27 من هؤلاء المدنيين بسبب المتفجرات من مخلفات الحرب". ولفتت الانتباه إلى "وجود أكبر عدد من ضحايا الذخائر المتفجرة ومخلفات الحرب في العالم في سورية، كما أنّ اثنين من كل ثلاث ضحايا هم من الأطفال".