تبون في ولايته الثانية: أولويات غابت عن خطاب القسم

19 سبتمبر 2024
تبون خلال أدائه اليمين الدستورية في الجزائر، 17 سبتمبر 2024 (حمزة زايت/الأناضول)
+ الخط -

بدأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ولايته الرئاسية الثانية رسمياً، بعد أدائه اليمين الدستورية أول من أمس الثلاثاء، في أعقاب فوزه بانتخابات السابع من سبتمبر/أيلول الحالي. وإذا كان تبون قد أعلن في خطاب القسم، الثلاثاء، أنه سيسعى إلى استكمال خططه السياسية والاقتصادية، فإنه يواجه حزمة من التحديات الداخلية والإقليمية والقضايا التي تطرح نفسها في الجزائر، بينها مشكلات تعثّر الإصلاح السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد، ناهيك بالمحيط المتوتر في جوار الجزائر. واختار الرئيس الجزائري "عهدة اقتصادية"، و"حواراً وطنياً" ليكونا العنوانين الأبرز لولايته الرئاسية الجديدة، ما يعطي مؤشراً على رغبة واضحة بتركيز تبون في ولايته الثانية على معالجة التحديات السياسية والاقتصادية الداخلية التي تطرح نفسها بشدة.

ويُنتظر من تبون في ولايته الثانية أن يبادر إلى إجراء مراجعة لحزمة تشريعات تخص القطاع السياسي، وقانون البلدية والولاية، وقانون الجمعيات، وقانون الأحزاب السياسية، وقانون الانتخابات، التي ستجرى على قاعدتها ثاني انتخابات نيابية ومحلية بعد الحراك الشعبي في 2019، والمقررة في منتصف عام 2026. يأتي ذلك بالإضافة إلى إعادة تنظيم إداري جديد، تُستحدَث بموجبه ولايات جديدة، قال وزير الداخلية إبراهيم مراد إنها قد تصل إلى حدود مائة ولاية. وإذا كان إعلان تبون رغبته في إطلاق حوار وطني و"التخطيط معاً" للمستقبل، خلال خطاب القسم، ما يعني نظرياً الرغبة في شراكة في الخيارات مع ما وصفها بالقوى الحية، فإن الأمر ما زال غير واضح في المضمون والغايات، خصوصاً أن التأثيرات السياسية للانتخابات الرئاسية الأخيرة أظهرت الحاجة إلى إصلاح سياسي يعيد ترميم فجوة الثقة بين الشارع والسلطة والمجتمع السياسي والانتخابات. وربما يكون ذلك ما دفع تبون إلى الإعلان عن فتح الحوار الوطني، فيما دفع بعض التقديرات السياسية، إلى التوقع على أساس ذلك، أن يبادر تبون في ولايته الثانية إلى مراجعة الأوضاع في علاقة بالممارسة السياسية والحريات.

المُتوقع من تبون في ولايته الثانية

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة المسيلة وسط الجزائر عبد الله بوهادف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه من المتوقع أن يبدي تبون في ولايته الثانية "بعض المؤشرات في اتجاه تحريك الفعل السياسي، على الأقل استجابة للمطالب المتزايدة بضرورة إعادة الاعتبار للحريات السياسية والإعلامية، خصوصاً من طرف منافسيه في الرئاسيات (عبد العالي حساني شريف ويوسف أوشيش)". وأضاف: "كما يمكن أن يتحرك الرئيس لتصحيح الاختلالات التي ظهرت في عمل بعض الهيئات الدستورية مثل السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات ومرصد المجتمع المدني والمجلس الأعلى للشباب". وقد يحرص تبون في ولايته الثانية، وفق بوهادف، على "توسيع التمثيل في الحكومة ليشمل أطيافاً سياسية محسوبة حالياً على المعارضة مثل حركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية، غير أن هذا يبقى متوقفاً على موقف هذه الأحزاب".

عبد الله بوهادف: الرئيس يبدو راضياً عن الإصلاحات السياسية التي قام بها في ولايته الأولى

في المقابل، لا يتوقع بوهادف أن يحدث اختراق كبير في المسائل السياسية، "فالرئيس يبدو راضياً عن الإصلاحات السياسية التي قام بها في ولايته الأولى، كما أن حالة الموت السريري التي تعانيها الساحة السياسية في البلاد لن تكون عامل ضغط على تبون في ولايته الثانية للمضي في إصلاحات أعمق". وأضاف أنه "من جهة أخرى، لا يوجد أي شكل من الضغوط الخارجية نحو تعزيز الحكم الديمقراطي واحترام الحقوق المدنية، وهذا راجع للتحول الذي يشهده النظام الدولي وتمدد الحكم التسلطي وتراجع مؤشرات الديمقراطية على المستوى العالمي". ولفت إلى أن "هناك المعطى الأهم في المسألة، وهو مقدار الهامش المتاح للرئيس في صنع القرار السياسي الداخلي ومكانة الفاعلين الآخرين في تقرير أي نوع من الإجراءات التي يمكن تبنيها عندما يتعلق الأمر بالمسائل السياسية في البلاد".

ملفات حساسة

وتوازياً مع قضايا الإصلاح الداخلي وضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي والحفاظ على استقلالية القرار الوطني، هناك حزمة ملفات اقتصادية حساسة على طاولة الرئيس تبون في ولايته الثانية الحالية، خصوصاً أن المنجز الذي تحقق في الولاية الأولى ما زال غير مكتمل في تقدير البعض، أو لم تنعكس تأثيراته الإيجابية على الاقتصاد الداخلي والوضع المعيشي للجزائريين بعد. وإذا كان جزء من هذا البطء ناتج عن الأخطاء والمشكلات التي ورثها تبون، وما اعتبره في خطابات سابقة، وجود مقاومة من لوبيات ومجموعات المصالح، فإن جزءاً آخر مرتبط في الوقت نفسه بمشكلات في طريقة التسيير والتعثر في اختيار الوزراء وسرعة تغييرهم وعدم الاستقرار على تصور واحد. فقد شهدت وزارة الصناعة على سبيل المثال ترأس ثلاث وزراء وثلاثة في قطاع التجارة وخمسة في قطاع النقل، في ظرف أقل من خمس سنوات.

سيف الدين قداش: ستتعين على تبون معالجة اختلالات ومشاكل التجارة الخارجية 

واعتبر الخبير الجزائري في الشؤون الاقتصادية سيف الدين قداش أن تبون يواجه رهانات اقتصادية وسياسية معقّدة، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي. وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد" أن "أبرز التحديات هي في تنويع مصادر الدخل بعيداً عن الاعتماد على المحروقات والموارد الطبيعية، وتعزيز الاستثمار المحلي والأجنبي، مع التركيز على تطوير قطاعات الزراعة والصناعة ونقل التكنولوجية وتحسين مناخ الأعمال، إلى جانب مراجعة التشريعات ومكافحة البيروقراطية المرتبطة بالجهاز الإداري الموازي الذي لا يطبق تعليمات الحكومة، أو ينفذها بشكل أعرج". وأشار إلى أن "محاربة الفساد تُعد أيضاً من الأولويات لتحفيز النمو المستدام للاقتصاد الوطني، فضلاً عن السير بالسرعة القصوى، لأن كشف الحساب بشأن التزامات الرئيس سيبدأ عامي 2026 و2027، إذ وعد بالوصول إلى ناتج قومي بـ400 مليار دولار". ولفت قداش إلى أنه ستتعين على تبون في ولايته الثانية "معالجة اختلالات ومشاكل التجارة الخارجية التي أصبحت جهازاً بيروقراطياً موازياً يهدد السلم المجتمعي ويحرم المواطن من سلع جد جوهرية". كما سيتعيّن على تبون، وفق قداش، "إبداء مرونة وفاعلية أكبر من خلال إدماج الإنتاج الوطني الذي يغطي الاستهلاك المحلي ثم الحد من الاستيراد تدريجياً بأساليب أخرى، منها الضرائب والخدمات والتعقيدات الإدارية مع توفير ميكانيزمات لحماية المستهلك المحلي من رداءة الإنتاج الوطني". في سياق التحديات القائمة، كان لافتاً عدم تطرق تبون إلى تصوراته لإدارة القضايا الإقليمية والعلاقات الدولية للجزائر في الولاية الثانية، وهذا يعني أنه فضّل عدم توجيه أي رسائل سياسية إلى الأطراف الشريكة للجزائر سياسياً أو جغرافياً.

لكن محللين رأوا أن الأوضاع في الجوار الجنوبي في مالي والنيجر وفي ليبيا، والتطورات في تونس، والأزمة مع المغرب وفرنسا، كلها تفرض نفسها على طاولة تبون في ولايته الثانية. وقبل ذلك، طرح هؤلاء المحللون ضرورة أن يبادر الرئيس في بداية ولايته الثانية إلى إعادة إجراء تقييم جدي لحصيلة المجهود الدبلوماسي وما إذا كانت طريقة إدارة علاقات الجزائر، في المرحلة الماضية ناجعة بالقدر الذي يحقق المصالح الحيوية للجزائر، خصوصاً أن تلك المرحلة كانت شهدت سلسلة أزمات للجزائر مع دول الجوار، كمالي والنيجر. كما طرحوا التركيز على استقرار الجوار، خصوصاً في ليبيا ومالي وتونس والنيجر، وحسم عدد من الملفات الإقليمية بآليات أكثر فاعلية على الأرض، لتعزيز مكانة الجزائر قوةً إقليمية.وذهبت تقديرات سياسية إلى أن الجزائر ملزمة بتعدد الشراكات مع روسيا والصين ومجموعة الشرق وسط رفض أكبر كتله الاقتصادية "بريكس" عضوية الجزائر فيها، في حين هناك جفاء مع المجموعة الغربية، لا سيما في ظل عدم اكتمال المشهد الدولي الراهن وعدم اكتمال الأقطاب المؤثرة فيه. ويوجب ذلك، على الجزائر أن تحقق، وفق تلك التقديرات، توزاناً في العلاقات وتوازناً في الشراكة في أبعادها الأفريقية والمتوسطية والاقتصادية، بما يحتم على صانع القرار في الجزائر أن يكون في الصورة المطلوبة والموقع المطلوب، إضافة إلى تفعيل دور البلاد ولعب دور الدبلوماسية الاقتصادية وبكل أبعادها التي تعود بالفائدة للجزائر.

عمار سيغة: المطلوب من تبون بلورة مفاهيم متجدّدة لرسم السياسة الجزائرية لا سيما مع الدول الشريكة

وفي هذا السياق، رأى الكاتب الجزائري والمحلل السياسي عمار سيغة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الشق الدبلوماسي والسياسة الخارجية يجب أن يحظيا بتقييم بكل موضوعية، إذ إن هناك عديداً من المربعات بقيت شاغرة للسياسة الخارجية، وهو مؤسف إذ بقيت الجزائر تتفرج على العديد من الملفات منها ذات البعد الإقليمي في الساحل الأفريقي والليبي ومعطيات أخرى". وشدّد سيغة على أن ما هو مطلوب من تبون في ولايته الثانية "هو بلورة مفاهيم متجدّدة لرسم السياسة الجزائرية في ظل تشنج العلاقات مع العديد من الدول التي لها شراكة تقليدية على غرار فرنسا وإسبانيا وبعض الدول من المجموعة الأوروبية، بالإضافة إلى ضرورة إعادة ترتيب أوراقها وفتح قنوات جديدة لكشف وتشخيص مجمل القضايا ذات الخلاف خصوصاً مع فرنسا وإسبانيا". واعتبر أن المطلوب أيضاً "الذهاب إلى تغليب البراغماتية ومصالح الجزائر، إذ إن كل هذه التشنجات تضع الجزائر في حيز العزلة، خصوصاً في ما يدور في الساحة الدولية، وهناك العديد من القضايا التي يجب أن تحرك الجزائر فيها المياه الراكدة كالملف الليبي والساحل الأفريقي".

المساهمون