هيمنت التحديات التي تواجه المنطقة المغاربية والاستقرار والأمن الإقليميين، وملفات التعاون والشراكة الاقتصادية، على نقاشات اللجنة العليا المشتركة المغربية – الموريتانية، التي انطلقت أشغالها اليوم الجمعة في العاصمة الرباط، بعد نحو تسع سنوات على توقفها.
وكشفت رئاسة الحكومة المغربية عن أن اجتماع اللجنة العليا، التي ترأسها كلّ من رئيس الحكومة المغربي عزيز أخنوش، والوزير الأول الموريتاني محمد ولد بلال مسعود، مع وفد يضم وزراء ومسؤولين كباراً ورجال أعمال، عرف تشديد الجانبين على "أهمية تقوية العلاقات المغربية الموريتانية، التي أضحت ضرورة بالنظر للتحديات التي تواجه المنطقة المغاربية، ولإبراز الدور المهم الذي يضطلع به البلدان في تعزيز الاستقرار والأمن الإقليميين".
كما أعرب الجانبان، وفق بيان أصدرته رئاسة الحكومة المغربية، عن "ارتياحهما للتطور المتسارع الذي عرفته مسيرة التعاون الثنائي في السنوات الأخيرة"، وشددا، خلال اللقاء الذي جرى بحضور وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة، على أهمية عقد الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة بعد حوالي تسع سنوات من انعقاد آخر دورة لها في نواكشوط يومي 23 و24 إبريل/ نيسان 2013، باعتبارها آلية لترسيخ تعاون استراتيجي شامل، تنفيذاً لتعليمات قائدي البلدين.
وتشكل الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة المغربية الموريتانية فرصة لـ"إعطاء دفعة جديدة للعلاقات الثنائية المغربية الموريتانية، وتعزيز التعاون على مختلف المستويات، حيث من المنتظر أن تتوج أشغال هذه الدورة بالتوقيع على حزمة من الاتفاقيات المهمة في مجالات مختلفة"، بحسب رئاسة الحكومة المغربية.
كذلك تعكس هذه القمة "ما يتمتع به البلدان من رصيد مشترك، بحكم أن المغرب وموريتانيا تجمعهما علاقات مميزة وأخوية على أعلى مستوى".
وكانت أشغال الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة المغربية - الموريتانية على مستوى كبار الموظفين، بمشاركة ممثلين عن مختلف القطاعات الوزارية بالبلدين، قد انطلقت أول من أمس الأربعاء بالرباط.
وكشفت تلك الأشغال عن "ارتياح البلدين لما شهدته العلاقات القائمة بينهما من تطور ملموس، وزخم كبير في السنوات الأخيرة"، في حين تم الاتفاق حول مجموعة من المحاور المرتبطة بتعزيز التعاون الثنائي وتوسيع آفاقه وتنويع مجالاته.
وعلى مستوى التشاور السياسي، سجلت الاجتماعات "توافق الجانبين بشأن مجموعة من القضايا الجهوية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، ويتعلق الأمر بالأساس بالفضاء المغاربي والعمل العربي المشترك، والقضية الفلسطينية، ونزاعات ليبيا واليمن وسورية، إلى جانب منطقة الساحل والصحراء، والتنمية في القارة الأفريقية".
أما على مستوى التعاون القطاعي، فاستعرضت اللجنة "أوجه التعاون في عدد من المجالات الاقتصادية والثقافية والتعليمية والتقنية، وثمنت الحصيلة المسجلة بشأنها، كما تدارست سبل تعزيز آليات التعاون الثنائي في القطاعات ذات الأولوية بالنسبة للبلدين، وأدرجت جملة من التوصيات والاقتراحات في هذا الصدد".
وتوجت الأشغال بالتوافق حول 13 نصاً قانونياً، تشمل اتفاقيات ومذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية وبرتوكول، بالإضافة إلى محضر الدورة الثامنة، تهم قطاعات التجارة والاستثمار، الصناعة والسياحة، والإسكان، البيئة والتنمية المستدامة، الأمن، الصحة، الثقافة، الزراعة والصيد البحري، الإيداع والتدبير، والتكوين المهني.
وشهدت العلاقات بين الجارين طيلة العقد الماضي، وحتى مع وصول الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني للسلطة، حالة من الفتور والتوتر بسبب ارتباطات "البوليساريو" بالنظام والقوى السياسية في هذا البلد.
غير أن إعلان الملك محمد السادس، في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الموريتاني ولد الشيخ الغزواني، عن استعداده لزيارة نواكشوط، اعتُبر من قبل مراقبين انعطافة جديدة في العلاقات، ومدخلاً لتقارب بين الرباط ونواكشوط سيكون له أثر إيجابي على النزاع في الصحراء، وكذلك على انعكاسات التوتر الصامت بين البلدين، رغم تأكيد الجانب المغربي، منذ وصول ولد الشيخ الغزواني إلى الرئاسة، على "ألا تكون العلاقة مع موريتانيا علاقة عادية، وإنما علاقة استثنائية، بحكم ما يميزها من تاريخ ووشائج إنسانية وجوار جغرافي".
وعاشت موريتانيا، خلال الأشهر الماضية بعد أزمة الكركرات، جدلاً ونقاشاً حول علاقاتها بـ"البوليساريو"، نتيجة ما لحق مصالحها من أضرار، وما ترتب من انعكاسات على أسواق الاستهلاك الموريتانية المعتمدة على معبر الكركرات، الذي يعتبر حيوياً، سواء للتصدير أو الاستيراد، ليس فقط مع المغرب، وإنما مع أوروبا من جهة، وباقي بلدان غرب أفريقيا من جهة أخرى.