يرتقب أن يحل في العاصمة المغربية الرباط، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية والمكلف ملف شمال أفريقيا في مكتب الشرق الأدنى، جوشوا هاريس، في زيارة تحمل عنواناً بارزاً هو مناقشة ملف الصحراء مع المسؤولين المغاربة، وذلك في ظلّ وضع إقليمي مضطرب، وزيادة الهوة بين المغرب والجزائر واتساع دائرة الخلاف بينهما. وتعتبر الزيارة المرتقبة لنائب مساعد وزير الخارجية الأميركي إلى العاصمة المغربية، المحطة الثالثة في تحركات المسؤول الأميركي التي بدأت يوم الجمعة الماضية، بعد محطتي مخيمات تندوف (جنوب الجزائر) والعاصمة الجزائرية.
وكانت الخارجية الأميركية قد أعلنت، في تغريدة على حسابها على موقع "إكس" (تويتر سابقا)، أن نائب مساعد وزير الخارجية "سيسافر إلى المغرب والجزائر للتشاور بشأن الأمن الإقليمي، وإعادة التأكيد على دعم الولايات المتحدة الكامل للعملية السياسية للصحراء".
زار هاريس مخيمات تندوف والعاصمة الجزائرية
وتأتي زيارة هاريس إلى المنطقة، تزامناً مع زيارة للمبعوث الأممي إلى الصحراء ستيفان دي ميستورا، إلى المنطقة أيضا. كما تأتي بعد أيام قليلة على المباحثات التي أجرتها مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في 29 أغسطس/آب الماضي، في إطار زيارة رسمية قامت بها إلى المملكة. وتركز تلك المباحثات على القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك الاستقرار والأمن والتنمية في جميع أنحاء المنطقة والقارة الأفريقية، فضلاً عن مسألة الأمن في منطقة الساحل وقضية الصحراء، إذ أكد الطرفان على دعمهما لدي ميستورا، في السعي إلى إيجاد حل سياسي دائم ومرض للنزاع في الصحراء.
علامات استفهام حول التحركات الأميركية
وتثير التحركات الأميركية، خلال الأيام الماضية، في اتجاه المغرب والجزائر وجبهة "البوليساريو" أكثر من علامة استفهام حول توقيتها ودواعيها. وفي السياق، رأت مصادر صحراوية متابعة للملف أن زيارة مسؤولين أميركيين إلى المنطقة تدخل في سياق عملية استكشاف الأفق للدفع في اتجاه تسوية ملف الصحراء، لافتة إلى أن واشنطن تحاول جرّ جبهة "البوليساريو" والجزائر بدرجة أولى في اتجاه أن تخطو خطوة إلى الأمام في الاتجاه المؤدي للتسوية مع المغرب.
وربطت المصادر ذاتها، في حديث مع "العربي الجديد"، التحركات الأميركية الحالية، بمخرجات الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في شهر أغسطس الماضي إلى واشنطن، ولقائه نظيره الأميركي أنتوني بلينكن ومسؤولين كبار في الوزارة ومجلس الأمن القومي. وبرأيها فإنّ "ما تمّت مناقشته خلال تلك الزيارة والتحركات الدبلوماسية الأميركية حالياً، يشير إلى وجود خطوات تهدف إلى إعادة ترتيب العلاقات المغربية الجزائرية وإيجاد حل لنزاع الصحراء".
حفاظ على مصالح المغرب وعدم خسارة الجزائر
وأوضحت المصادر، التي طلبت عدم ذكر هويتها لأنه غير مخول لها الحديث إلى الصحافة، أن القرار الرئاسي الذي أصدره الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والقاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء لم يتغير قيد أنملة مع إدارة جو بايدن، وأن هذه الأخيرة تسعى من خلال تحركاتها الحالية المرتبطة بتدبير مصالحها، إلى الحفاظ على مصالح حليفها المغرب من دون خسارة الجزائر لفائدة خصومها، وأنه من أجل تحقيق هذه المعادلة تحاول التقريب بين الرباط والجزائر لإيجاد حل لملف الصحراء في إطار تدبير أممي.
من جهته، رأى الباحث في تاريخ العلاقات الدولية والمتخصص في الشأن الأفريقي، بوبكر أونغير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن زيارة المسؤول الأميركي إلى المغرب والجزائر في هذه الظرفية تحمل أكثر من رسالة، موضحاً أنه "في ظل الظروف السياسية المتقلبة ومصير مجموعة من دول الساحل والصحراء (الانقلابات العسكرية في أكثر من بلد) خصوصاً مع تنامي الدورين الروسي والصيني في المنطقة، تحاول الولايات المتحدة عبر الزيارة الضغط على جميع الأطراف من أجل حلّ سريع ومتفاوض عليه لقضية الصحراء المغربية قبل أن تتدخل روسيا والصين لاستغلال الموقف وتهميش الدور الأميركي في الشمال الأفريقي".
بوبكر أونغير: موقع المغرب الجيوستراتيجي يجعل الرهان الأميركي على استقراره مسألة أساسية
وذهب أونغير إلى أن واشنطن تسعى بقوة لإطلاق مفاوضات مباشرة بين المغرب و الجزائر من أجل تحقيق اختراق إيجابي في العلاقات بين البلدين، لا سيما أن المغرب في شخص العاهل المغربي الملك محمد السادس قد أبان عن استعداده لفتح القنوات الدبلوماسية والسياسية بين البلدين والعمل على إعادة إحياء العمل المغاربي المشترك.
ووفق أونغير، فإن الوضع المستجد في أفريقيا يفرض على السياسة الأميركية أن تولي اهتماماً متزايداً بالقضايا الأفريقية ومحاولة التوسط لحل نزاعاتها ومنها قضية الصحراء التي ظلت منذ عقود عقدة في العلاقات المغربية الجزائرية وعثرة أمام اتحاد مغاربي قوي.
من جهة أخرى، لفت الباحث إلى أن الموقع الجيوستراتيجي للمغرب باعتباره حلقة وصل بين أفريقيا وبقية العالم، يجعل الرهان الأميركي على استقرار المغرب مسألة أساسية، خصوصاً أن استثمارات أميركية كبيرة باتت أمراً قريباً في المغرب لا سيما في الأقاليم الجنوبية.
وتعيش العلاقات المغربية الجزائرية، منذ أكثر من عامين، على وقع أزمة غير مسبوقة، كان أبرز فصولها الإعلان في 24 أغسطس 2021 من قبل وزير الخارجية الجزائري في ذلك الحين رمطان لعمامرة، قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، جراء "استفزاز المملكة المغربية (للجزائر) الذي بلغ ذروته"، و"تخليها عن الالتزامات الأساسية للعلاقات مع الجزائر"، بحسب بيان صادر عن الوزارة.
في المقابل، وصفت الخارجية المغربية قرار السلطات الجزائرية قطع العلاقات الدبلوماسية يومها بأنه بـ"أحادي الجانب" و"غير مبرر تماماً"، معبرة عن "رفض المملكة القاطع للمبررات الزائفة، بل العبثية التي بني عليها" القرار.