شهد محيط قصر العدل في العاصمة اللبنانية بيروت، اليوم الخميس، تحركاً لمجموعة من المحتجين على مسار التحقيقات في انفجار المرفأ، واستمرار السلطة القضائية في المماطلة وإهدار الوقت بأسلوبٍ يخدم أهل السلطة ويحصّنهم من المساءلة ويترك المسؤولين السياسيين في منأى عن العقاب بعد مرور مئة يوم على الجريمة المدمّرة.
من التجمع أمام قصر العدل_بيروت، للمطالبة بإعلان الحقيقة بتحقيقات المرفأ.#القرار_للشعب #لبنان_ينتفض pic.twitter.com/ZdbfCj8vuO
— الثورة News (@thawranewslb) November 12, 2020
ورفع المحتجون صور الشخصيات السياسية والأمنية المسؤولة إدارياً عن مرفأ بيروت، وطالبوا القضاء بالكشف عن الحقيقة ومحاسبة الرؤوس الكبيرة التي أقرّت علناً بأنها كانت تعلم بوجود مواد نترات الأمونيوم، ولم تقم بما يلزم لإتلافها أو إزالتها من العنبر تفادياً للمجزرة التي وقعت، لا بل وقفت تتفرّج على عناصر فوج الإطفاء وهم يحاولون إخماد حريقٍ من دون أن تنبّههم أو تدعو العاملين وسكان العاصمة إلى مغادرة المكان ومحيطه سريعاً، لأن في داخله ما هو أشبه بـ"قنبلة نووية".
وعبّر المحتجون عن تخوّفهم من حصر المسؤولية ببعض الشخصيات الأمنية وبعاملين في المرفأ من دون أن تطاول سياسيي الصفّ الأوّل.
ويستمرّ الناشطون وأهالي الضحايا والمتضرّرون من انفجار مرفأ بيروت، الذي وقع في الرابع من أغسطس/ آب الماضي، بتنفيذ تحرّكات شملت في أوقات سابقة منزل المحقق العدلي في انفجار المرفأ القاضي فادي صوّان، مشددين على أنهم لن يتركوا قضيتهم تموت وتُنسى قبل محاسبة جميع المسؤولين.
في هذا الشأن، يوضح المحامي هيثم عزو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه من الناحية القانونية يلعب المحقق العدلي دور قاضي التحقيق والهيئة الاتهامية في آنٍ واحد، وبالتالي، فإنّ الإجراءات والأصول المتبعة أمامه هي نفسها المتبعة أمام التحقيق العادي، ما خلا حريّته الواسعة بإصدار ما شاءَ من المذكرات اللازمة، بما فيها التوقيف، دونَ تعقيبٍ عليها من أحد والتي لا يمكن الطعن فيها، بحسب أحكام القانون الناظم لأصول المحاكمات الجزائية.
وعلى المحقق العدلي قانوناً، بعد أن ينهي تحقيقاته واستجواباته، أن يخلص إلى أحد أمرين، يقول عزو، "إما منع المحاكمة عن الأشخاص الذين تمّ الاشتباه بتورّطهم بالجريمة، وذلك إذا ما تبيّن له أنهم أبرياء ولكنّه لا يمكنه كقاضي ظنّ وتحقيق أن يلفظ البراءة فيمنع بالتالي إحالتهم على المحاكمة أمام قضاء الحكم الذي هو في هذه الحالة المجلس العدلي، وإما اتهام من ثبت لديه تورطه ومسؤوليته بالجريمة، وبالتالي إحالته على المجلس العدلي لمحاكمته بالجناية المنسوبة إليه، بعد أن يصدر في هذه الحالة مذكرة إلقاء قبض بحق المتهم التي يكون لها مفعول مذكرة التوقيف ذاته، وتكون الكلمة الفصل بعد ذلك للمجلس العدلي كقضاء حكم نهائي في تثبيت التهمة عليه أو نفيها، وهو يتّبع في ذلك الأصول القانونية ذاتها المعمول بها أمام محكمة الجنايات".
وتعقيباً على الناحية الإجرائية المُتَّبعة لغاية الآن في التحقيقات، يفيد عزو بأنها "تتسم بالبطء، وخصوصاً أنّ التحقيقات لم تطل رؤوساً كبيرة مشتبهاً في تورطها عن قصدٍ أو عن غير قصدٍ في هذه الجريمة المروّعة، التي ضربت في الصميم قلب العاصمة اللبنانية. وكان من الأجدى الاستماع إلى الوزراء بصفة مدّعى عليهم لا بصفة شهودٍ، لإثبات جدية التحقيقات والإثبات للرأي العام اللبناني أن لا وجود لمظلّة حماية فوق أحد في هذا الملف الذي هو بحجم وطن، ولكن هذا الأمر لم يحصل، وهو ما يثير بالتالي الشكوك حول مساءلة أشخاص الصفّ الأول وبشكلٍ يؤول إلى الاستنتاج أن التحقيق ذاهبٌ إلى اختصار المساءلة بأشخاص الصف الثاني والثالث، وهو ما يناقض مفهوم العدالة التي هي كأسنان المشط لا تميّز في جوهرها بين متهمٍ ضعيف ومتهم قوي".
ويضيف عزو أنه "لا يمكن التلطي في هذا الشأن تحت ذريعة خضوع الوزراء للمحاكمة أمام المجلس الأعلى في ظل تكريس اجتهاد الهيئة العامة لمحكمة التمييز العليا للقضاء العدلي، وبالتالي للمحقق العدلي حق ملاحقة الوزراء مباشرة أمامه، وخصوصاً في ظل سقوط الحصانات بتحرّك الحق العام ضد كل من يظهره التحقيق قبل انقضاء أربع وعشرين ساعة على وقوع الجريمة المشهودة".
ويشير إلى أن نقابة المحامين في بيروت كانت قد تقدّمت بمئات الشكاوى نيابة عن المتضررين بانفجار بيروت أمام المحقق العدلي، طالبةً بذلك وبالوكالة عن هؤلاء الانضمام إلى الدعوى العامة بموجب الشكاوى التي تمّ فيها اتخاذ صفة الادعاء الشخصي من المتضررين. ويخلص المحامي عزو إلى القول إنّ "القضاء في هذا الملف بالذات أمام امتحانٍ، فإما أن يثبتَ تبعيّته السياسية أو استقلاليته القضائية".
وعرض مجلس القضاء الأعلى، يوم السبت الماضي، في بيان أصدره المكتب الإعلامي، مسار التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت، بحيث أعلن أنّ القاضي فادي صوان تبلغ شفهياً من دبلوماسي في السفارة البريطانية أنّ "وكالة اسكتلانديارد لن تتمكن من الإجابة عن الاستنابة اللبنانية قبل أسابيع عدة"، وأنه "لم يتم لغاية تاريخه ورود أي جواب بالنسبة إلى الاستنابة اللبنانية الصادرة إلى الجهة الفرنسية".
وأكد صوان أن التحقيق "يتم بالسرعة الممكنة، إنما من دون تسرع، مع ما يتطلبه من دقةٍ وتأنٍّ، بهدف الوصول إلى تحديد الأسباب التي أدت إلى وقوع الانفجار، والتي يبقى كل احتمال وارداً فيها حتى استكمال كامل التحقيقات، ولا سيما في الشق المتعلق بالتقارير الفنية، التي تم تنظيم استنابات قضائية لبنانية بها إلى الجهات المعنية الأميركية والفرنسية والبريطانية".
وأوضح أنه يعمل الآن وفقاً للآتي: متابعة التحقيقات في مسار الباخرة "روسوس"، من نقطة الانطلاق إلى نقطة الوصول النهائية، وفي مصدر حمولتها وهوية مالكها، وهوية مالك المواد التي كانت محملة عليها، وقد أفضت التحقيقات التي جرت في هذا الإطار لغاية تاريخه، إلى إصدار مذكرات توقيف غيابية بحق عدد من الأشخاص، مشيراً إلى أنّه جرى الاستماع إلى 26 مدعياً شخصياً، تقدموا بطلبات انضمام إلى دعوى الحق العام التي حركها ادعاء النيابة العامة التمييزية، كما تم تسليم حوالى 681 شكوى من قبل نقابة المحامين في بيروت، اتخذ بموجبها المتضررون من انفجار مرفأ بيروت صفة الادعاء الشخصي تبعاً للدعوى العامة، وسيصار إلى الاستماع إلى كل من هؤلاء أو إلى وكلائهم وفقاً للأصول.
ولفت صوّان إلى أنه "جرى توقيف 3 مدعى عليهم بالصورة الغيابية، إضافة إلى الموقوفين وجاهياً في الملف وعددهم 25، كما أن عدد الشهود المستمع إليهم بلغ لغاية تاريخه 51 شاهداً"، مضيفاً: "تم إيداع التقارير الفنية والمخبرية المنظمة محلياً، كما أرسل المحقق العدلي كتباً تأكيدية إلى السفارات الفرنسية والأميركية والبريطانية، لحثها على إيداعه التقارير المطلوبة بأسرع وقت ممكن، وقد وصله بتاريخ 12/10/2020 التقرير الفني والمخبري النهائي المنظم من قبل وكالة FBI الأميركية".
ولا يحظى التحقيق المحلي بالثقة الدولية، وقد عبّرت عن ذلك أكثر من دولة ومنظمة، ومنها "هيومن رايتس ووتش"، التي أصدرت تقارير عدّة في ما خصّ انفجار المرفأ، ورأت أنه لم تنتج عن التحقيق المحلي أي نتائج موثوق بها، حيث يبدو أن التدخلات السياسية المرفقة بالتقصير المتجذّر في النظام القضائي جعلت على ما يبدو من المستحيل إجراء تحقيق محلي موثوق به ومحايد.