مع بقاء 10 أيام على انتهاء ولايته، واصل الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترامب التخندق في البيت الأبيض، وسط تزايد عزلته والضغوط عليه، إذ لم يكتف بعض الجمهوريين بالانشقاق عنه، عبر استقالة وزراء ومساعدين، بل إن بعضهم انضم إلى الديمقراطيين في الدعوة إلى تطبيق التعديل 25 في الدستور، والذي يسمح بإطاحته، خصوصاً منعه من الترشح مجدداً. كما دعت السيناتورة الجمهورية ليزا مركاوسكي، للمرة الأولى، ترامب إلى الاستقالة فوراً.
وليس انفضاض أعضاء في الحزب الجمهوري عنه هو الأمر الوحيد الذي يعاني منه الرئيس، إذ إن رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي استطاعت تكبيل يديه عسكرياً، عبر تواصلها مع رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي لاتخاذ إجراءات احترازية لمنع الرئيس الخاسر من القيام بأعمال عسكرية عدائية أو إطلاق أسلحة نووية. وبعد أيام على أعمال العنف التي اجتاحت مبنى الكابيتول، وهزّت أميركا وأثارت صدمة في العالم، تراجع ترامب عن "ندمه" لإدانة اقتحام أتباعه الكونغرس. وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أمس السبت، أن "ترامب أعرب عن ندمه للكلمة التي ألقاها الخميس الماضي، وتعهد فيها بانتقال سلمي للسلطة". وأشارت إلى أنه "أوضح خلف الأبواب الموصدة أنه لن يستقيل". وكانت عزلة ترامب تزايدت بعد أن أوقفت شركة "تويتر" حسابه الشخصي نهائياً وحرمته من التواصل مع متابعيه الذين يصل عددهم إلى قرابة 90 مليون شخص. وذكر ترامب أنه يفكر في تأسيس منصة تواصل اجتماعي خاصة به، في تعبير عن حجم الاستياء الذي يشعر به والذي وضعه في حالة حصار متعددة الاتجاه.
وفي ظل هذه الأجواء، أعلنت بيلوسي ليل الجمعة - السبت، أنها تحدثت مع رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي عن اتخاذ إجراءات احترازية لمنع ترامب من القيام بأعمال عسكرية عدائية أو إطلاق أسلحة نووية. وقال مصدر مطلع، لوكالة "رويترز" إن بيلوسي أبلغت أعضاء في مؤتمر عبر الهاتف مع الديمقراطيين، أنها تلقت تطمينات من ميلي بأن هناك إجراءات حماية متبعة لاستخدام الأسلحة النووية. وقالت بيلوسي إن "الموقف مع هذا الرئيس المختل لا يمكن أن يكون أكثر خطورة، وعلينا أن نفعل كل ما بوسعنا لحماية الشعب الأميركي من اعتدائه غير المتزن على بلادنا وديمقراطيتنا".
أوضح ترامب خلف الأبواب الموصدة أنه لن يستقيل
يشار إلى أن الرئيس الأميركي هو الوحيد الذي يمكن له إصدار أمر بإطلاق الصواريخ النووية، إلا أن مجموعة من القادة العسكريين يمكن لهم رفض هذا الأمر، إذا قرروا أن الأمر غير قانوني. وفيما أثارت خطوة بيلوسي، والتي تهدف عملياً إلى جعل ترامب شبه منزوع الصلاحيات في أيامه الأخيرة في الحكم، نقاشاً واسعاً حولها، إلا أنها لم تكن الخطوة الوحيدة لتضييق الخناق عليه. والديمقراطيون، الذين سرعوا من عملية مساءلة ترامب في مجلس النواب بهدف إطاحته، يهدفون من وراء هذا الأمر لإغلاق الباب أمامه نهائياً للعودة إلى الحكم في عام 2024، إذ إن عزله بهذه الطريقة قد ينهي مستقبله السياسي.
في موازاة ذلك، أعلنت بيلوسي، أمس السبت، أنه في حالة عدم تنحي ترامب، فإنها أصدرت تعليمات للجنة القواعد في المجلس بالمضي قدماً في تحرك لمساءلته بغرض العزل، استناداً إلى التعديل رقم 25 في الدستور الأميركي، والذي ينص على عزل الرئيس عندما يكون غير قادر على القيام بواجباته الرسمية. ويأمل الديمقراطيون، الذين قالوا إن المساءلة قد تطرح في مجلس النواب غداً الإثنين، أن تؤدي التهديدات بها لتكثيف الضغوط على نائب الرئيس مايك بنس والحكومة لتفعيل التعديل الخامس والعشرين لإطاحة ترامب قبل انتهاء ولايته.
واتهمت نسخة من مسودة بنود المساءلة، يتداولها أعضاء الكونغرس فيما بينهم، ترامب "بالتحريض على العنف ضد حكومة الولايات المتحدة"، في محاولة لقلب نتيجة الانتخابات التي خسرها أمام بايدن. وصاغ المواد، التي تشكل مجموعة من الاتهامات الرسمية بسوء الإدارة، نواب ديمقراطيون، هم ديفيد تشيتشيلن وتيد ليو وجايمي راسكين. كما استندت المواد إلى مكالمة دامت نحو ساعة أجراها ترامب الأسبوع الماضي مع سكرتير ولاية جورجيا الجمهوري براد رافينسبرجر التي طلب منه فيها "إيجاد" أصوات كافية لإبطال فوز بايدن في الولاية. وقال مصدران مطلعان إن الديمقراطيين بمجلس النواب يعتزمون طرح المواد الاثنين للمطالبة بعزله من منصبه، على أن يتم التصويت الأربعاء المقبل.
من جهته، أرسل زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل مذكرة إلى أعضاء المجلس الجمهوريين، تتضمن جدولاً زمنياً مفصلاً لعقد محاكمة بغرض العزل. وأشار إلى أن المجلس سيَعقد في 19 يناير/كانون الثاني الحالي، أول جلسة عمل له، وأنه يحتاج إلى موافقة كل الأعضاء البالغ عددهم 100 للاجتماع في موعد سابق لهذا (وهو أمر غير مرجح حدوثه)، ما يعني أن المحاكمة لن تبدأ قبل أن يخرج ترامب من المنصب، وذلك حسب ما قال مصدر اطلع على الوثيقة لوكالة "رويترز".
وأجرى مجلس النواب مساءلة لترامب في ديسمبر/كانون الأول 2019، لأنه ضغط على أوكرانيا لإجراء تحقيق بشأن نجل بايدن، لكن مجلس الشيوخ برأ ساحته في فبراير/شباط 2020.
وأشارت وكالة "أسوشييتد برس" إلى أنه عندما عرض موضوع مساءلة ترامب في العام 2019، لم تدعم بيلوسي هذا الأمر إلا بعد مرور 5 أشهر، لكنها اليوم سارعت إلى دعم هذا الموضوع بعد ساعات من اقتحام الكونغرس. لكن الوكالة أشارت إلى أن فرصة إطاحة ترامب خلال ما تبقى له من ولايته الرئاسية قد تكون ضئيلة. وأوضحت أن العملية ستؤدي، إذا نجحت، إلى أن يكون ترامب أول رئيس أميركي تتم إطاحته مرتين في مجلس النواب، وهذا يعني أنه لن يستطيع الترشح في انتخابات 2024. وأشارت إلى أن العملية تتم على الشكل التالي: في البداية يكون هناك تحقيق، وترسل الأدلة إلى اللجنة القضائية في مجلس النواب، التي ستعقد جلسات استماع، وتصوغ المواد وترسلها إلى المجلس بكامل هيئته. هذا ما حدث في عام 2019، عندما نال قرار عزل ترامب غالبية في مجلس النواب بسبب ضغطه على أوكرانيا. لكن هذا الأمر استغرق ثلاثة أشهر. هذه المرة، مع أيام قليلة للتحرك، وشعور بين الديمقراطيين أن هناك حاجة ضئيلة للتحقيق في ما حدث، لأن معظم أعضاء الكونغرس كانوا في مبنى الكابيتول عندما تم اقتحامه، فإنه يمكن لبيلوسي إجراء تصويت، من دون الحاجة إلى جلسات استماع أو عمل اللجنة. وبمجرد تصويت مجلس النواب على الإقالة، يتم إرسال المواد والأدلة إلى مجلس الشيوخ حيث تجرى المحاكمة، ويتم التصويت بالإدانة أو التبرئة.
وتسبب دور ترامب في التشجيع على مهاجمة الكونغرس الأربعاء الماضي في صدع آخذ في الاتساع داخل الحزب الجمهوري. وقال بن ساس، وهو سيناتور من ولاية نبراسكا ينتقد ترامب كثيراً، لقناة "سي بي إس نيوز"، إنه سيفكر "حتماً" في العزل، لأن الرئيس لم يحترم يمين توليه المنصب. وأعلنت السيناتورة الجمهورية ليزا مركاوسكي أنه ينبغي على ترامب التنحي فوراً، وأنه إذا لم يكن بمقدور الحزب الجمهوري النأي بنفسه عنه فإنها غير متأكدة من استمرارها بالحزب. وأضافت، في تصريح لصحيفة "آنكوريدج ديلي نيوز" نشر أمس الأول، "لقد تسبب في ما يكفي من الضرر". وكان النائب الجمهوري آدم كينزينجر أعلن أن على ترامب ترك منصبه على الفور. واستقال كثيرون من كبار المسؤولين في إدارة ترامب، بمن فيهم وزيرة النقل إيلين تشاو ووزيرة التعليم بيتسي بالتزامن مع بحث احتمالات عزله الأمر الذي يعارضه نائب الرئيس مايك بنس. ولتفعيل التعديل رقم 25، يتعين على بنس وأغلبية الحكومة الإعلان أن ترامب غير قادر على أداء واجبات الرئاسة. وقال أحد المستشارين إن بنس يعارض فكرة استخدام التعديل.
في هذه الأثناء، حذر المتحدث باسم البيت الأبيض جود دير من أن "عزل الرئيس دونالد ترامب قبل 12 يوماً من انتهاء رئاسته، لن يؤدي إلا لزيادة الانقسام في البلاد". كما أن حلفاء ترامب، ومن بينهم السيناتور ليندسي غراهام وزعيم الجمهوريين في مجلس النواب كيفن مكارثي، حثوا الديمقراطيين على التخلي عن المساءلة لتجنب إثارة المزيد من الانقسامات. وأظهر استطلاع للرأي، أجرته "رويترز/إبسوس"، يومي الخميس والجمعة الماضيين أن 57 في المائة من الأميركيين يرغبون في إزاحة ترامب عن المنصب فوراً في أعقاب العنف.
من جهته، نأى بايدن بنفسه عن مساءلة ترامب. وعلى الرغم من اعتباره أن ترامب لا يصلح لتولي السلطة، رمى كرة مساءلته في ملعب الكونغرس. وقال، أمس السبت، إنّ "الطريقة الأسرع" لخروج ترامب من الرئاسة هي "أداء اليمين في 20 يناير/كانون الثاني". وأضاف أن "ما يحصل قبل أو بعد، هو قرار يتعيّن على الكونغرس اتّخاذه. لكنّ ما أتطلّع إليه هو مغادرته المنصب". وأشار إلى أن العقبة الرئيسية أمام إزاحة ترامب تتمثل في أنه لم يتبق له سوى أقل من أسبوعين في فترة ولايته. وأوضح "إذا كان أمامنا ستة أشهر من فترة ولايته، كان يجب أن نفعل كل شيء لإقصائه من منصبه. لمساءلته مرة أخرى ومحاولة استحضار التعديل الخامس والعشرين من الدستور مهما تطلب الأمر". وأضاف "لكني الآن أركز على تولينا زمام الأمور كرئيس ونائبة الرئيس في اليوم العشرين من الشهر الحالي والمضي في جدول أعمالنا قدماً بأسرع ما يمكن".
بايدن: يتعين على الكونغرس اتّخاذ قرار بشأن ترامب
وكان بايدن أشاد بقرار ترامب أول من أمس عدم حضور حفل تنصيبه رئيساً في 20 يناير/كانون الثاني الحالي. وقال بايدن، من ويلمينغتون في ولاية ديلاوير، "قيلَ لي أثناء مجيئي إلى هنا إنّه أشار (ترامب) إلى أنّه لن يحضر التنصيب. إنّها إحدى النقاط القليلة التي نتوافق بشأنها". واعتبر أن "عدم حضوره أمر جيّد"، إذ إنّ ترامب "شكّل إحراجًا للبلاد". وقال "إنّه فاقد لأهليّة الحكم. إنّه أحد أكثر الرؤساء عديمي الكفاءة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركيّة". لكنّ الرئيس المنتخب أكّد أنّ حضور بنس أمر "مرحّب به".
وفي إطار عملية الانتقال بين الإدارتين، التقى وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو، للمرّة الأولى، أنتوني بلينكن الذي اختاره بايدن وزيراً للخارجية. وقال مسؤول في وزارة الخارجيّة إنّ "اجتماعهما كان مثمراً جداً"، لافتاً إلى أنّ غايته كانت "تسهيل انتقال منظّم والتأكّد من حماية المصالح الأميركيّة في الخارج". وأشار إلى أنّ الرجلين "وكذلك فريقيهما سيواصلون العمل معًا لصالح الأميركيّين خلال (الفترة) الانتقاليّة".
إلى ذلك، أعلنت وزارة العدل الاميركية أنه تم توجيه الاتهام الى 15 شخصاً في أعمال العنف التي وقعت في مبنى الكابيتول، بينهم الشخص الذي التقطت له صور في مكتب بيلوسي. وقال كين كول، من مكتب المدعي الفيدرالي في واشنطن، "نعلن أن القضاء الفيدرالي وجه اتهامات الى 15 شخصاً". وأوضح أن بين المتهمين شخصاً كان ينقل 11 قنبلة حارقة شديدة التأثير في سيارة ركنت قرب الكونغرس، وآخر اعتدى بالضرب على عنصر من شرطة الكابيتول، وثالثاً دخل حرم الكونغرس مزوداً سلاحاً نارياً ملقماً. وأضاف كول أن ريتشارد بارنت، الذي اقتحم مكتب رئيسة مجلس النواب حيث التقطت صور له قبل أن يترك رسالة مهينة، أوقف في ليتل روك بأركنساو ووجهت إليه تهمة "الاقتحام العنيف" لحرم الكونغرس. وأكد أن توقيفات أخرى ستتم مع توجيه مزيد من الاتهامات.
وأعلن درو هاميل، مساعد بيلوسي، أن جهاز كمبيوتر محمولاً سرق من مكتبها خلال اقتحام مبنى الكونغرس. وأضاف، في تغريدة، أن الكمبيوتر المحمول كان مخصصاً لغرفة المؤتمرات وكان يستخدم للعروض فيها. وأحجم عن تقديم مزيد من التفاصيل. وسرقة الأجهزة الإلكترونية من مكاتب الكونغرس تشكل مصدر قلق مستمر منذ اقتحام أنصار ترامب للمبنى. وقال السيناتور الديمقراطي جيف ميركلي، من جهته، إن جهاز كمبيوتر محمولاً اختفى أيضاً من مكتبه. وقال القائم بأعمال المدعي العام مايكل شيروين، الخميس الماضي، إن بعض السرقات قد تعرض ما وصفه بجوانب متعلقة بالأمن القومي للخطر.