سيكون البريطانيون، مساء اليوم الخميس، على موعد مع المناظرة التلفزيونية الثانية بين المرشّحين ليز تراس وريشي سوناك المتنافسين على زعامة حزب "المحافظين" وتولي رئاسة الحكومة البريطانية إثر ذلك، على قناة "سكاي نيوز"، في وقت الذروة، بعد عشرة أيام من المواجهة الأولى التي بثّتها شبكة "بي بي سي".
ولا تزال وزيرة الخارجية تراس متقدّمة على منافسها وزير المالية المستقيل على الرغم من الضجّة والانتقادات التي أثارتها قبل يومين، بعد أن أعلنت عن نيّتها خفض أجور القطاع العام في المناطق الأكثر فقراً في المملكة المتحدة. ومع أن مناصريها سارعوا بالردّ معتبرين أن الإعلام أساء فهم الخطة و"حرّفها"، إلا أن تراس تراجعت عنها سريعاً وسط انتقادات قاسية من أعضاء حزب "المحافظين"، المقرّبين منهم قبل البعيدين.
في تصريح لـ"العربي الجديد"، قال السياسي المحافظ والعضو السابق في البرلمان الأوروبي عن شرق إنكلترا، ديفيد بانرمان، إن الخطوة التي اتّخذتها تراس في الإعلان عن خفض أجور القطاع العام غير مفيدة ربما، رافضاً ما قال إنها "ادّعاءات الصحافة" بأنها تمثّل تحوّلاً دراماتيكياً في سياستها، لا سيما أن سوناك، بحسب بانرمان، هو الذي يقدم تنازلات كبيرة ويتراجع عن خططه الأولية بطريقة جذرية.
كما أنه يرى أن تراس بريئة تماماً من الاتهامات المتعلّقة بتضييق الخناق على ملايين الممرضات وضباط الشرطة والقوات المسلحة عبر خطتها تلك، لأنها "رائعة ووحدها قادرة على اتخاذ قرارات صعبة"، إضافة إلى أن هذه الاتهامات لا تتناسب مع سياسة "حزب المحافظين" المناصر للممرضات والمدرسين، بحسب بانرمان.
يصعب على المتابع لمجريات السباق إلى زعامة الحزب ورئاسة الحكومة أن يتجاهل مخاوف الناخبين البريطانيين من المستقبل، هم المستقرّون والهادئون، الذين اعتادوا على حجز رحلاتهم الصيفية وإجازاتهم قبل سنة أو سنتين أو حتى ثلاث، يجهلون اليوم مصيرهم بعد عام وسط أزمة اقتصادية خانقة. يصعب تجاهل أحاديثهم عن الفراغ الذي أحدثه حزب "المحافظين" في السلطة، وعن الإفلاس والعجز وعن تراجع كبير في شعبية الحزب، وسط شكوك في قدرته على النجاة في الانتخابات العامة المقبلة المقرّرة في يناير/ كانون الثاني 2024 على أبعد تقدير.
يعتبر بانرمان من أشدّ المدافعين عن تراس في سباقها إلى "داونينغ ستريت" ضدّ سوناك. واللافت أنه ينطلق في دعمه تراس بشكل أساسي من دعمه لرئيس الحكومة المستقيل بوريس جونسون. أي أن تراس بالفعل تمثّل جونسون بالنسبة للجناح الأكثر تشدّداً في الحزب، ذلك الجناح الذي كان عدده كافياً لإنقاذ جونسون أكثر من مرة، ولاستبقائه في منصبه رغم كل المطبّات التي مرّ بها، ولا يزال عدده كافياً للمجيء بتراس، حليفة جونسون والأقرب إلى الحزب.
واللافت أيضاً أن بانرمان ينطلق من "عدائه" لسوناك بشكل أساسي من حادثة "الطعن في الظهر"، التي أقدم عليها عندما استقال من منصبه وزيراً للمالية متسبّباً باستقالات إضافية، وتالياً بتنحّي زعيم المحافظين.
مقترح عودة جونسون
وكشف بانرمان لـ"العربي الجديد"، أنه قدّم اقتراحاً خلال الأسابيع الماضية للتصويت على عودة جونسون إلى منصبه، إلا أن الأمر فشل على ما يبدو، وبات المرشّحان تراس وسوناك الخيارين الوحيدين أمام أعضاء الحزب. وأوضح أن هذا الواقع حتّم عليه أن يختار بين أحد المرشّحين، فاختار تراس على الفور لأن "سوناك تصرّف بشكلٍ مخزِ، كما أنه لم يتخذ قرارات حكومية مهمة خلال الأشهر الستة الماضية". واتهم سوناك بأنه "تعامل بخفة مع بروتوكول أيرلندا الشمالية ولم يبتّ فيه، علماً أن تسوية هذا الملف مهمة للغاية لتجنب العنف بعد عملية السلام". وكان بانرمان من بين السياسيين المشاركين في عملية السلام في التسعينيات وتوقيع اتفاقية الجمعة العظيمة. كما أنه يرى في سوناك مجرد "مصرفي عولمي".
وإلى جانب اتّهامهما بالابتعاد عن الشارع وعن تطلّعات الناخبين، يواجه اليوم المرشّحان تراس وسوناك تهمة جدية بتدمير فرص الحزب للفوز في الانتخابات المقبلة، بسبب انتهاجهما سياسة متشدّدة ويمينية متطرّفة وانصرافهما عن الهموم اليومية لملايين البريطانيين. إلا أن بانرمان يرى أن أزمة الحزب أبعد من سوناك وتراس أو حتى جونسون. فالمحافظون "موجودون في السلطة منذ ما يقارب 13 عاماً، أي لفترة أطول من ولاية توني بلير"، مذكّراً بأنهم أجروا انتخابات في الأعوام 2010 و2015 و2017 و2019، وهم يبحثون اليوم عن ولاية خامسة للحكومة. واعتبر بانرمان أن تململ الناخبين أمر مفهوم بعد كل هذه السنوات، ومن الطبيعي أن يطرح السؤال حول ضرورة التغيير. إلا أن "حزب العمال" لم ينجح بعد في تقديم البديل ولا يزال تقدّمه في استطلاعات الرأي ضئيلاً حتى هذه اللحظة. ومع أن السعي إلى ولاية خامسة بعد فترة طويلة في السلطة هو أمر معقد وصعب على حد تعبير بانرمان، إلا أنه يرجّح قدرة الحزب على الفوز مرة خامسة، خاصة بوجود "ليز تراس وسياساتها الرائعة في تخفيض الضرائب وجلب المزيد من الاستثمارات إلى بريطانيا، إضافة إلى أنها تماشي الحزب وتمثّل تطلّعاته".
الطموحات الشخصية
وأظهر استطلاع للرأي، أجرته "يوغوف" لصالح صحيفة "ذا تايمز"، أن أعضاء حزب "المحافظين" ما زالوا يعتقدون أن بوريس جونسون أفضل من تراس وسوناك لزعامة الحزب وقيادة الحكومة. وفي حين تتقدّم تراس على سوناك وفقاً للاستطلاع بنسبة 58 بالمئة، يتقدّم جونسون على المرشّحين، تراس بنسبة 28 بالمئة وسوناك بنسبة 23 بالمئة.
يعلّق بانرمان على معاني هذا الاستطلاع بالقول إن "شعوراً حقيقياً بالغضب يطغى على أغلبية أعضاء الحزب بسبب عزل بوريس أو الاستغناء عنه من قبل نوابه"، منتقداً الطموحات الشخصية التي دفعت البعض إلى الاعتقاد بأن "تغيير القائد فقط سيمنحهم وظيفة". إلا أن هذا الاعتقاد بحسب بانرمان هو مجرّد "حماقة". ويشبّه بانرمان قضية إجبار جونسون على التنحّي والتهافت على منصبه بطقس الانتحار "هارا كاري" المعروف لدى مقاتلي الساموراي. لكنه يعتقد أن على "المحافظين" في الوقت نفسه أن يقرؤوا ما تقدّمه استطلاعات الرأي من مؤشرات، مؤكّداً "ما زلنا متخلفين، لكن باستطاعتنا أن نغيّر المعادلة ونحقّق تقدّماً مع زعيم جديد بعد بضعة أشهر". ويختم حديثه بالقول "إن بوريس جونسون شخصية غير عادية، وسنشتاق إليه وقد تفاجئنا عودته زعيماً للحزب ورئيساً للوزراء بعد أقلّ مما نتخيّل، بعد عام تقريباً"!.