شاركت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في قمة دول العشرين وقمة المناخ كرئيسة تنفيذية لحكومتها بعد أربع ولايات على مدى 16 عامًا. يأتي ذلك بعد أن كانت تسلمت هي ووزراء حكومتها هذا الأسبوع كتب إعفائهم رسميا وفقا للدستور، وذلك بعد انعقاد الجلسة الأولى لـ"البوندستاغ" الألماني الثلاثاء الماضي وانتخاب رئيسة جديدة له.
ودخلت ميركل التي اتخذت قرار اعتزال العمل السياسي مرحلة تصريف الأعمال لحين تشكيل ائتلاف حكومي جديد، فيما يرجح أن يكون الائتلاف الجديد بزعامة الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" إضافة إلى حزبي "الخضر" و"الليبرالي الحر" الذي بات بيضة القبان في أي تحالف مقبل.
ويسود قلق وحذر لدى الدول المؤثرة في العالم من غياب ميركل عن الساحة السياسية الألمانية والأوروبية والمسرح العالمي بشكل عام، وذلك ليس فقط لما تمتلكه من إمكانيات قيادية وحنكة ودبلوماسية في مقاربة الملفات العالقة، وإنما للحضور الألماني وما يمثله داخل الاتحاد الأوروبي، إذ يعتبر القاطرة الأساسية لأي توازنات غربية.
وفي ترجمة لذلك، آثرت ميركل التي حملت لقب "المرأة الحديدية"، وبخطوة جريئة منها أن يرافقها إلى اجتماع القوى الاقتصادية الرئيسية الكبرى في روما، المستشار المحتمل لخلافتها من الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" أولاف شولز وذلك كإشارة إلى استمرارية السياسة الخارجية لبرلين.
وفي هذا السياق، قال موقع "تي أونلاين" إن حلفاء ألمانيا وخصومها ينظرون إلى تغير الحكومة وغياب ميركل بارتياب وحذر، خاصة الجانب الأميركي الذي يعتمد على القدرات الألمانية ويحملها المسؤولية في أوروبا وحلف شمال الأطلسي والمجتمع الدولي.
كما أكدت أن هناك اهتماما أميركيا خاصا بموقف الحكومة الألمانية المستقبلية من الصين، لا سيما أن الولايات المتحدة الأميركية تولي اهتماما خاصا بالعلاقة مع بكين وتسعى لاتباع نهج أكثر صرامة وتصادما مع منافستها الاستراتيجية، في حين أن ألمانيا وحكومة ميركل ركزتا بشكل أكبر على الحوار والعلاقات التجارية الجيدة، وفق وكالة الأنباء الألمانية.
أما على صعيد التعاملات المستقبلية مع روسيا، حيث تطالب الإدارة الأميركية بأن تفي القيادة الألمانية الجديدة بالتزاماتها باتفاق التسوية مع الولايات المتحدة حول خط أنابيب الغاز الطبيعي "نورد ستريم 2"، وإلا فإن الرئيس بايدن يواجه في الكونغرس من قبل العديد من نواب حزبه كما والجمهوريين ضغوطا بهذا الخصوص.
ويواجه مشروع "نورد ستريم 2" الذي انتهى العمل به أخيرًا، عقوبات أميركية في حال لم تظهر برلين أي تقدم في التزامها باتفاق التسوية.
وعلاوة على ذلك، يبرز أيضا الخلاف الروسي الألماني الذي لا يمكن التحكم به بعد أن كانت ميركل وبما لها من تقدير لدى القيصر الروسي تعمل على التخفيف من حدة الأزمات، وسط تصاعد المخاوف من تبدل الوضع بعد رحيل ميركل خاصة أن العديد من الملفات الأساسية عالقة ومن أهمها ما يتعلق بشبه جزيرة القرم، إضافة إلى الاعتداءات على الحدود الأوكرانية، والهجوم السيبراني على "البوندستاغ".
ورغم أن ألمانيا شريك تجاري واستثماري واقتصادي مع موسكو، إلا أن التوقعات تشير إلى احتمالية تزايد الانتقادات لنظام بوتين وسياسته، خاصة إذا ما تسلم "الخضر" وزارة الخارجية الألمانية، وذلك لأن الحزب البيئي يعارض خط الغاز "نورد ستريم 2".
وعلى صعيد العلاقة مع تركيا وأردوغان، يفترض المراقبون أن تتخذ الحكومة الجديدة مسارًا أكثر صرامة ضد أنقرة، فيما أكدوا أن التعاون سيكون أصعب، إذ يهاجم "الخضر" بشكل دائم سياسة الرئيس أردوغان بسبب قضايا حقوق الإنسان والمطالب بإنهاء اتفاقية اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي عام 2016.
وكانت ميركل قد أوضحت في مقابلة نشرت يوم الأحد، مع صحيفة "فرانكفورترالغماينه تسايتونغ"، أن اتفاقية تنظيم الهجرة مع تركيا نجحت، مؤكدة في الوقت نفسه أن ألمانيا لا يمكنها تنظيم قضية الهجرة المستدامة من تلقاء نفسها.
إلى ذلك تبرز طريقة التعاطي المستقبلية مع الجيران الأوروبيين، وفي مقدمتهم القطبان الأساسيان فرنسا وبريطانيا، لا سيما أن الأخيرة باتت خارج التكتل وتفكر بمصالحها الخاصة، وهي التي تعاني من نقص السلع وسائقي الشاحنات والوقود وغيرها.
أما فرنسا، فتبدو أكثر اهتماما بمستقبل ألمانيا السياسي بعد ميركل، حيث تتحضر باريس لتسلم الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي مطلع شهر يناير/ كانون الثاني 2022، حيث تحتل برلين موقعا وأهمية في السياسة الأوروبية الداخلية والخارجية.
وتأمل باريس استمرار برلين في السياسات السابقة بحسب ما أشار أريك أندريه مارتين من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية لـ "تي أونلاين"، فيما أكد أن باريس تنظر إلى شولز على أنه الشريك المفضل رغم الخشية من حلفائه المحتملين في الحكومة حول قضايا المناخ وسياسة الديون الصارمة.
أما بكين فتأمل أن يبقي الائتلاف الحكومي الألماني المستقبلي على التعاون الاقتصادي معها، وسط حذر من المستشار المحتمل ووزير المالية الحالي شولز، لأنه يبحث عن موقف مشترك في الاتحاد الأوروبي حول التعامل مع بكين، إضافة إلى التخوفات المتعلقة من "الليبرالي الحر" والخضر" اللذين يعارضان مسار حقوق الإنسان واضطهاد الأيغور والتيبتيين، فضلًا عن المطالبة بالتجارة الحرة والوصول العادل إلى الأسواق.