تتواصل في محافظة دير الزور شرقي سورية ما تسمّى بـ"عملية التسوية" التي يجريها النظام لما يقول إنهم مدنيون مطلوبون لأجهزته الأمنية ومنشقون عن قواته، في خطوة لها غايات إعلامية، لا أكثر، كون المناطق التي تشملها التسوية خاضعة للنظام ولمليشيات إيرانية تساند قواته، ولم يبقَ فيها مطلوبون للأجهزة الأمنية، وفق ما تقول مصادر محلية.
التسويات تنتقل إلى الميادين
وانتقلت خلال الأيام القليلة الماضية لجان التسوية إلى مدينة الميادين جنوب شرقي مدينة دير الزور، مركز المحافظة التي تحمل الاسم نفسه. وزعمت وسائل إعلام النظام أن هناك إقبالاً من قِبل أبناء هذه المدينة، الخاضعة كليا للمليشيات الإيرانية، لإجراء تسويات. كما ادعت "أن المتوافدين على مركز التسوية في وسط المدينة لا يقتصرون على أبناء الميادين، إنما هناك توافد من أبناء المناطق المجاورة، رغبة منهم في تسوية أوضاعهم"، مشيرة إلى أن "عدد من تمت تسوية أوضاعهم منذ انطلاق العملية يوم الخميس الماضي وحتى الآن يقدر بنحو 3 آلاف". ووفق صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، تمت تسوية أوضاع أكثر من 6 آلاف شخص داخل مدينة دير الزور منذ الرابع عشر من الشهر الحالي وحتى الأربعاء الماضي. لكن مصادر محلية أكدت أن عملية التسوية فشلت وهو ما دفع الأجهزة الأمنية إلى جلب عناصر من مليشيات محلية تابعة لها إلى مراكز التسويات لتصدير صورة مغايرة تماماً للواقع.
النظام كان يريد استقطاب شبان من ريف دير الزور الشرقي الخاضع لـ"قسد"، إلا أنه فشل
ويخضع جانب كبير من جغرافيا محافظة دير الزور، وهو الواقع جنوب نهر الفرات، لسيطرة النظام والمليشيات الإيرانية، ما يعني أن الهدف من عمليات التسوية إعلامي لا أكثر، إذ لم يبقَ في مناطق النظام أو المليشيات الإيرانية مطلوبون للأجهزة الأمنية، وفق مصادر محلية أكدت أن عدداً من المنشقين عن قوات النظام انضووا في هذه المليشيات. وبيّنت أن النظام "كان يريد استقطاب شبان من ريف دير الزور الشرقي الخاضع لقوات سورية الديمقراطية، إلا أن الخديعة لم تنطل هذه المرة على أحد من المطلوبين للأجهزة الأمنية".
وقال الناشط الإعلامي في ريف دير الزور، أبو عمر البوكمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن النظام "بدأ عملية التسوية في مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية أيضاً"، موضحاً أن "الأجهزة الأمنية استدعت وجهاء محليين مرتبطين بها، وطلبت منهم دفع السكان إلى مراكز التسويات"، مضيفاً: "أغلب الذين يتوجهون إلى هذه المراكز هم موالون للنظام بل بينهم عناصر من مليشيات الدفاع الوطني". وأشار إلى أن "هدف النظام إظهار محافظة دير الزور منطقة آمنة". ولفت البوكمالي إلى أن الأجهزة الأمنية "اعتقلت أربعة اشخاص في مدينة الميادين ونقلتهم إلى العاصمة دمشق، اثنان من بلدة ديبان في ريف دير الزور واثنان من ريف البوكمال"، مبيّناً أن البعض من كبار السن اضطروا للعودة إلى مناطق سيطرة النظام خلال عملية التسوية للمحافظة على بيوتهم وأراضيهم خشية سطو عناصر أجهزة النظام عليها، مضيفاً: "لم يعد أي شاب إلى مناطق سيطرة النظام سواء من مناطق قوات سورية الديمقراطية أو الجيش الوطني".
تنافس روسي إيراني في دير الزور
من جهته، أوضح الباحث السياسي سعد الشارع، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التسويات في محافظة دير الزور "مختلفة تماماً عن مثيلاتها في المناطق السورية الأخرى"، مضيفاً: "المصالحات السابقة كانت مع مناطق تحت سيطرة الجيش الحر، أما دير الزور فكانت تحت سيطرة تنظيم داعش، لذلك الإقبال على تسويات دير الزور محدود للغاية لأنه لا يوجد عناصر من فصائل المعارضة، وما يجري في دير الزور بروباغندا إعلامية". وأشار الشارع إلى أن الروس "يريدون من خلال هذه التسويات ترسيخ وجودهم وحضورهم في محافظة دير الزور"، مضيفاً: "هناك منافسة محتدمة بين الروس والإيرانيين في هذه المحافظة الاستراتيجية".
منافسة محتدمة لتثبيت الوجود بين الروس والإيرانيين في محافظة دير الزور الاستراتيجية
وتعد محافظة دير الزور ثاني أكبر المحافظات السورية لجهة المساحة، والتي تبلغ نحو 33 ألف كيلومتر مربع، تسيطر عليها ثلاث قوى هي النظام، وإيران، و"قسد" التي يشكّل المقاتلون الأكراد نواتها الصلبة. ويحتفظ النظام بحضور إداري وخدمي في مدينة دير الزور، بينما يسيطر الإيرانيون على مدينتي الميادين والبوكمال بشكل كامل. وتنتشر العديد من المليشيات الإيرانية في ريف دير الزور الشرقي ما بين مدينتي البوكمال والميادين، منها "لواء فاطميون" و"لواء زينبيون" و"لواء الباقر" و"لواء 47" و"لواء ذو الفقار" و"فيلق أسود عشائر سورية" و"كتائب الإمام علي" و"كتائب عصائب أهل الحق" وحركة "النجباء"، بالإضافة إلى "حزب الله" اللبناني.
ويحاول الإيرانيون منذ سيطرتهم على المنطقة أواخر عام 2017 تغيير هوية محافظة دير الزور، خصوصاً الميادين والبوكمال من خلال تغيير أسماء الشوارع لتحمل أسماء شخصيات إيرانية أو دينية. وتولي طهران أهمية خاصة لمحافظة دير الزور كونها تقع في منتصف الممر البري الذي يربط إيران بسواحل المتوسط. وتنشط إيران في المجال الدعوي لدفع سكان المحافظة للتحوّل إلى المذهب الشيعي وهي افتتحت مراكز لهذه الغاية في مدن المحافظة الثلاث: دير الزور، الميادين، البوكمال.
وتضم دير الزور كبريات آبار وحقول النفط والغاز، خصوصاً في القسم الذي تسيطر عليه "قسد"، التي تضع يدها على حقل العمر والذي ينتج حالياً نحو 45 ألف برميل يومياً، بينما كان ينتج سابقاً ضعف هذا الرقم. وتسيطر هذه القوات أيضاً على حقل التنك الذي قُدّر إنتاجه قبل 2013 بنحو 40 ألف برميل يومياً، بينما يُقدّر إنتاجه حالياً بما بين 10 آلاف و15 ألف برميل، فضلاً عن حقل ومعمل كونيكو للغاز. ويقيم التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، قاعدة ضمن حقل العمر النفطي، كما تنتشر قوات أميركية في عدة نقاط أخرى لحماية آبار وحقول النفط في المنطقة. وتتعرض المليشيات الإيرانية، التي أقامت قواعد كبرى لها في ريف دير الزور الشرقي أبرزها قاعدة "الإمام علي"، لقصف دائم من طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.