تصعيد عسكري في لبنان مع تأرجح الحراك الدبلوماسي

14 نوفمبر 2024
مبنى مدمر في منطقة الغبيري، ضاحية بيروت الجنوبية، 14 نوفمبر 2024 (حسام شبارو/الأناضول)
+ الخط -

وسّع الاحتلال من قصف مناطق يستهدفها للمرة الأولى في لبنان

أعلن حزب الله بدوره عن "استمرار عمليات خيبر بوتيرة مرتفعة"

أوساط وزارية لبنانية: نترقب المساعي لكن لا يمكن بناء أي تفاؤل

بالتزامن مع الحراك الدولي لوقف الحرب على لبنان يشهد الميدان تطورات عسكرية لافتة؛ سواء من جهة تصعيد إسرائيل غاراتها الجوية الدامية والتدميرية على مناطق لبنانية عدة وإعلانها بدء العملية الثانية من التوغل البري في الجنوب، أو لناحية تنفيذ حزب الله سلسلة عمليات نوعية، أبرزها ضرب قلب تل أبيب وأهداف عسكرية حسّاسة، بما يُنذر بمرحلة جديدة من المواجهات أكثر عنفاً وتوسعاً.

وفي وقتٍ وسّع الاحتلال من قصف مناطق يستهدفها للمرة الأولى في محافظة جبل لبنان والشمال، إلى جانب تكثيف غاراته على البقاع وبعلبك الهرمل والضاحية الجنوبية لبيروت، مرتكباً سلسلة مجازر بحق المدنيين والنازحين، نفّذ حزب الله أمس الأربعاء هجوماً جوياً بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة النوعيّة على قاعدة الكرياه (مقرّ وزارة الحرب وهيئة الأركان العامّة الإسرائيليّة، وغرفة إدارة الحرب، وهيئة الرقابة والسيطرة الحربيّة لسلاح الجو) تبعد عن الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة 120 كم، في مدينة تل أبيب، وعاد لاستهدافها مرة ثانية بصواريخ باليستية من نوع "قادر 2".

"الحرب الحقيقية بدأت بين حزب الله والاحتلال"

كذلك، شنّ حزب الله هجوماً جويّاً بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة على قاعدة عاموس (قاعدة تشكيل النقل في المنطقة الشماليّة، ومحور مركزي في جهوزيّة شعبة التكنولوجيا)، تبعد عن الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة 55 كلم، غرب مدينة العفولة، إلى جانب استهدافه قاعدة غليلوت (مقر وحدة الاستخبارات العسكرية 8200) في ‏ضواحي تل أبيب، تبعد عن الحدود اللبنانية الفلسطينية 110 كلم، بصليةٍ من الصواريخ النوعية. كما استهدف حزب الله للمرّة الأولى شركة صناعات الأسلحة العسكريّة "IWI"، تبعد عن الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة 110 كلم، في رمات هشارون في ضواحي مدينة تل أبيب بصلية من الصواريخ النوعيّة.

ويأتي ذلك بعد ساعاتٍ من إعلان غرفة العمليات في حزب الله عن "استمرار عمليات خيبر بوتيرة مرتفعة"، مؤكدة أن الاحتلال لن يستطيع رغم "كل الإطباق الاستعلامي والحملات الجويّة التي يشنّها" أن يوقف "هذه العمليّات التي تصل إلى أهدافها العسكريّة وتُحقق إصابات مؤكدة، وتُدخل مع كل صاروخ ومُسيّرة تُطلق، مئات آلاف المستوطنين إلى الملاجئ". وأدخل حزب الله إلى عملياته صاروخ "فادي 6" يوم الثلاثاء الماضي، والذي يبلغ مداه 225 كم وقطره الدقيق 302 مليمتر، مع رأس حربي زنة 140 كغ، بينما يصل الوزن الكلي للصاروخ إلى 650 كغ.

ويؤكد حزب الله أنّ نتائج العملية البرية الثانية ستكون مخيبة، خصوصاً أن إسرائيل عجزت عن تحقيق أي هدف من أهدافها في المرحلة الأولى التي بدأت مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في ظلّ تصدّيه لجميع محاولات التسلّل والتقدّم والسيطرة على قرى الحدودية في الحافة الأمامية، منها الخيام، وكفركلا، وعيتا الشعب ومارون الراس، وغيرها.

في الإطار، يقول الكاتب والباحث العسكري والاستراتيجي علي حمية لـ"العربي الجديد" إن "العدو الإسرائيلي يحاول توسعة عملياته بعد فشله في المرحلة الأولى البرية، في حين بدأ حزب الله بالردّ الموجع على الكيان، مستهدفاً قلب تل أبيب، وتحديداً وزارة الحرب إلى قيادة الأركان إلى الوحدة 8200 وبصواريخ ومسيّرات جديدة الاستخدام، إذاً الحرب اليوم مع غوش دان بالتحديد". ويلفت حمية إلى أن "حزب الله استهدف أمس قلب تل أبيب وليس ضواحيها، ما يعني أن الحرب الحقيقية بدأت، وتحديداً على غوش دان، بحيث انطلقت عشرات الصواريخ النوعية إلى المواقع الإسرائيلية الحسّاسة"، متوقفاً عند الضربة على وزارة الحرب وقيادة الأركان والوحدة 8200 للقول بأنّ "المعركة الموسّعة قد بدأت بكامل أوصافها، ونرى أن حزب الله بدأ استخدام الصواريخ الثقيلة جداً ومسيّرات معقّدة وشديدة التقنية والحداثة لم يستخدمها من قبل".

وأضاف حمية أن "حزب الله بدأ يستخدم صواريخ نوعية للمرة الأولى، بينما كان يدخل إلى الميدان أسلحة من تصنيع محلي مثل فادي 1 إلى فادي 4 ونصر 1 و2 وملاك 1 و2، وغيرها"، لافتاً إلى أنّ أهم ما حصل في العمليات أنّ المسيّرات وجدت طريقها وحقّقت أهدافها بدقة، ولم تلتقطها الرادارات. مشيراً إلى أن "حزب الله كما أعلن مراراً قادر على الوصول إلى العمق الإسرائيلي وضرب الأهداف الحساسة عند العدو"، مشيراً إلى أنّ "من أهم القواعد التي يمكن ضربها قاعدة تيروش (تقع داخل مستوطنة تحمل الاسم نفسه بالقرب من مدينة القدس المحتلة)، وتضم مستودعات لتخزين الرؤوس الحربية النووية، وضربها يعني إنهاء إسرائيل".

لا تفاؤل في لبنان بقرب الحل

وفي المشهد السياسي الدبلوماسي، يتكثف الحراك الدولي من أجل التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، خصوصاً من الجانب الأميركي "الطامح" إلى إنهاء الحرب قبل تسليم الرئيس جو بايدن منصبه إلى خليفته دونالد ترامب، وعمدت وسائل إعلام إسرائيلية وأميركية إلى الترويج لأيام عن أخبار إيجابية حول قرب الحل وتسريب معلومات بشأن مسودة تسوية، بيد أن الجانب اللبناني نفى تسلمه أي مشروع خطي أو رسمي، مؤكداً أيضاً أنه لم يتبلغ حتى الساعة بأي زيارة للوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين إلى بيروت. ونقل موقع أكسيوس قبل أيام عن هوكشتاين قوله إن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان قريباً ونحن مفعمون بالأمل.

وعلى وقع التناقضات في المواقف الإسرائيلية أيضاً، أتى تصريح وزير الأمن الإسرائيلي الجديد، يسرائيل كاتس، مساء الأربعاء، لينسف "الترويج" لقرب الحل، مؤكداً أنه لن يسمح بتسوية مع لبنان لا تتضمن نزع سلاح حزب الله وانسحابه إلى ما وراء الليطاني، علماً أن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر كان أشار إلى تقدم أحرز في مفاوضات وقف إطلاق النار مع لبنان.

في هذا السياق، تقول أوساط وزارية لبنانية متابعة لمسار الحراك الدولي لـ"العربي الجديد" إنّ "التواصل قائم مع الجانب الأميركي، لكن لم نتبلغ حتى الساعة بزيارة للوسيط إلى بيروت، وكما قلنا سابقاً فإن عودته ستكون مرتبطة بتقدم ملموس وإلا ستكون بمثابة تكرار للجولات السابقة". وتشير الأوساط إلى أنّ "الإسرائيلي يتقصد تسريب المعلومات أو إصدار تصريحات تشي باقتراب الحل، وذلك لإظهار نفسه يتعاون ويقوم بمجهود في هذا الإطار، ومن ثم ينسف المساعي جميعها ويكمل تصعيده، علماً أنه المعرقل كما فعل في غزة يفعل في لبنان"، لافتة إلى أنّ "لبنان لم يتبلغ بأي مسودة بشكل رسمي، وهو سبق أن أعلن موقفه وثوابته للوسيط الأميركي، خصوصاً لناحية أولوية وقف إطلاق النار، والالتزام بتطبيق القرار 1701 من دون تعديل، وتعزيز انتشار الجيش في الجنوب وتعاونه مع اليونيفيل".

وتلفت الأوساط إلى أنّنا "نترقب المساعي ونأمل أن تؤدي إلى وقف العدوان بأسرع وقت ممكن، لكن لا يمكننا بناء أي تفاؤل قبل أن نرى النتائج في الميدان، والميدان حتى الساعة يقول عكس ذلك، خصوصاً في ظلّ التمادي الإسرائيلي واستمراره في التصعيد وارتكاب المجازر بحق المدنيين".