ينتظر آلاف المدنيين في أحياء منطقة درعا البلد بمدينة درعا جنوب سورية، نتائج المشاورات والاجتماعات التي تعقد منذ أيام عدة بين اللجنة المركزية التي تفاوض عن أهالي هذه الأحياء، وبين الجانب الروسي الذي يحاول التوصل لتهدئة، ولكن جهوده تصطدم بتعنّت النظام المتمسك بشروطه لفك الحصار المتواصل منذ شهر ونصف الشهر على درعا البلد، في محاولة لإخضاع كامل محافظة درعا. في هذه الأثناء، يواصل النظام تصعيده في إدلب بشمال غرب البلاد، حيث سقط مزيد من الضحايا ولا سيما الأطفال بنيرانه في الساعات الأخيرة.
وساد أمس الأحد هدوء نسبي في أحياء درعا البلد تخلله قصف بالمضادات الأرضية والأسلحة الرشاشة وبقذائف الهاون من قبل المليشيات التابعة للنظام التي تحاصر هذه الأحياء من كل الاتجاهات، بينما لا تزال الجهود للتوصل إلى حلول تراوح مكانها. وكان من المقرر أن يعقد أول من أمس السبت، اجتماع بين اللجنة المركزية والجانب الروسي، إلا أنه ألغي، ما يؤكد أنّ الجانب الروسي لم يستطع إقناع النظام بالتخلي عن شروط يرفضها الأهالي. ويصرّ النظام على فرض السيطرة الكاملة على درعا البلد، وإقامة حواجز فيها، واعتقال من يعتبرهم مطلوبين، وترحيل آخرين، إضافة إلى جمع كل أشكال السلاح من الأهالي.
صد مقاتلون محاولات الفرقة الرابعة التسلل إلى درعا البلد
في السياق، قال عضو لجنة التفاوض المركزية عن أهالي درعا البلد، عدنان المسالمة، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "لا جديد في المفاوضات مع النظام والروس حتى الآن، وننتظر تحديد موعد مع قائد القوات الروسية الجديد في الجنوب السوري لإيجاد حلول". وحول قرب التوصل لاتفاق بعد استبعاد الضابط الروسي أسد الله (الضابط الذي كان مسؤولاً عن ملف جنوب سورية وهو روسي - أوزبكي)، الذي عرف عنه تهديده المستمر لأهالي درعا، بيّن المسالمة أنه "لم نلتق بعد مع القائد الروسي الجديد، أو مع أحد من النظام أو الروس في الأيام الأخيرة لمعرفة الأجواء"، مشيراً إلى أن قوات النظام تواصل القصف ومحاولات الاقتحام لمنطقة درعا البلد.
وكانت مليشيات النظام وفي مقدمتها الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد، حاولت مساء أول من أمس السبت، التسلل إلى أحياء درعا البلد، إلا أنّ مقاتلين محليين تصدوا لها. ومن الواضح أن قوات النظام السوري تحاول الضغط على أهالي أحياء درعا البلد بالقصف ومحاولات التسلل والتجويع من أجل دفع اللجنة المركزية التي تفاوض عنهم، للقبول بشروط النظام. ويرفض الجانب الروسي السماح لقوات النظام باقتحام درعا البلد، حيث يسعى إلى حلول وسط، تفضي إلى تسوية جديدة، بينما اتهمت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، أمس، اللجنة المركزية التي تفاوض عن الأهالي بـ"المراوغة".
إلى ذلك، نفى عدنان المسالمة صحة بيان صدر مساء أول من أمس السبت، باسم "عشائر درعا"، دعا إلى حكم لامركزي في سورية، وهو ما اعتبرته صحيفة "الوطن" أمس، "خطوة انفصالية".
ولا يزال النظام السوري يكرر المزاعم عن وجود عناصر من تنظيم "داعش" في أحياء درعا البلد في مسعى منه لاقتحام المنطقة بهذه الذريعة. ولم تشهد محافظة درعا منذ توقيع اتفاقات التسوية بين النظام وفصائل في المعارضة منتصف عام 2018، أي استقرار، بل اتخذ النظام هذه الاتفاقات مدخلاً للفتك بالمعارضين وتعميم الفوضى الأمنية في المدن والبلدات التي كانت تحت سيطرة الفصائل. ويخشى آلاف المدنيين في أحياء درعا البلد من تكرار سيناريو الفوضى، في حال التوقيع على اتفاق وفق شروط النظام الذي يرفض حتى اللحظة أي دور للواء الثامن التابع للجانب الروسي والذي يضم مقاتلين من أبناء المحافظة أجروا تسويات مع النظام قبل نحو 3 سنوات. إذ تطالب اللجنة المركزية بانتشار عناصر هذا اللواء بدل قوات النظام في درعا البلد، ويلقى هذا الطرف قبولاً لدى الجانب الروسي.
وفي الوقت الذي ينتظر فيه أهالي محافظة درعا اتفاقاً يجنبهم ويلات العمليات العسكرية، يشهد الشمال الغربي من سورية تصعيداً متواصلاً من قبل النظام والمليشيات الإيرانية ولا سيما "حزب الله" اللبناني.
مقتل أربعة أطفال بقصف للنظام بلدة بريف حماة الغربي
وقتل مدنيون بينهم أطفال، وأصيب آخرون بجروح، مساء أول من أمس السبت، جراء قصف مدفعي وصاروخي نفذته قوات النظام على قرى وبلدات الدقماق وقسطون وزيزون في ريف حماة الغربي، وقرية الزيادية وبلدة كنصفرة بريف إدلب. بدوره، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بـ"مقتل أربعة أطفال جميعهم من عائلة واحدة إثر قصف قوات النظام بالمدفعية الثقيلة لمنازل المدنيين في بلدة قسطون". كما استهدف قصف النظام في قسطون محيط النقطتين التركيتين في القرية.
وكانت وسائل إعلام تابعة للنظام تحدثت عن قيام مجموعة من مقاتلين يحملون الجنسية الأوزبكية يتمركزون في شمال غربي سورية، بمحاولة التسلل من محور مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، مشيرة إلى مقتل أفراد هذه المجموعة. من جهته، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، مقتل عدد من عناصر قوات النظام بمحاولة التسلل، بينما قتل اثنان من المجموعة المهاجمة.
من جانبه، أشار القيادي في فصائل المعارضة السورية في الشمال الغربي من البلاد، العقيد مصطفى البكور، إلى أن "التصعيد متوقع منذ أكثر من شهر في شمال غرب سورية وخاصة في جبهة جبل الزاوية وسهل الغاب وتلال الكبينة في ريف اللاذقية الشمال الشرقي". وأعرب في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأنّ "التصعيد المستمر من قبل قوات النظام والمليشيات المحلية والطائفية المساندة لها يعود إلى أسباب عدة، منها غياب اتفاق تركي روسي في جولة أستانة الأخيرة التي عقدت في يوليو/تموز الماضي، وبالتالي فإن روسيا تحاول إحراج تركيا من خلال استهداف المناطق الخاضعة للحماية التركية وأحياناً القصف يطاول النقاط التركية نفسها".
ووفق البكور، فإنّ من أسباب التصعيد كذلك "فشل محاولات الروس بإجبار المهجرين على العودة إلى المناطق المحتلة، لذا تسعى روسيا من خلال القصف، لجعل حياة هؤلاء المهجرين جحيماً، بحيث لا يجدون ملجأ من القصف إلا العودة إلى المناطق المحتلة". وتابع البكور أن الجانب الروسي "يريد الحفاظ على حالة عدم الاستقرار في المنطقة المحررة لخلق حالة من التوتر بين الحاضنة الشعبية والفصائل الثورية والضامن التركي".