لم تكد الحكومة الإثيوبية تعلن إصدار عفو عن معارضين سياسيين مسجونين، بينهم قادة في "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" حتى جاءت الأنباء عن سقوط عشرات القتلى والجرحى في ضربة جوية إثيوبية على مخيم للمهجّرين في شمال غرب تيغراي، ما قد يزيد من التعقيدات أمام انطلاق الحوار الذي يعول عليه للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب.
وقال موظفا إغاثة لوكالة "رويترز"، أمس السبت، نقلاً عن السلطات المحلية وشهود، إن ضربة جوية في إقليم تيغراي أسفرت عن مقتل 56 شخصاً وإصابة 30 على الأقل، في مخيم للنازحين. وأرسل الاثنان للوكالة صوراً قالا إنّهما التقطاها للمصابين في المستشفى، ومنهم العديد من الأطفال.
وذكرا أنّ الضربة أصابت مخيماً للنازحين في بلدة ديدبيت بشمال غرب إقليم تيغراي القريب من الحدود مع إريتريا. وقال أحد عاملي الإغاثة إنّ المخيم يؤوي كثيراً من النساء العجائز والأطفال.
إفراج الحكومة عن معارضين
وتعدّ عملية الإفراج عن معارضين الخطوة الأكثر جدية التي تتخذها الحكومة حتى الآن، بعدما دخلت الحرب مرحلة جديدة عنوانها الوقف غير المعلن لإطلاق النار، نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عندما انسحبت قوات "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" إلى منطقتها، وأعلنت القوات الإثيوبية وقف أيّ تقدم باتجاه تيغراي.
قتل 56 شخصاً، وأصيب 30، بغارة على مخيم للنازحين بتيغراي
إلّا أنّ الحوار الذي وضع له رئيس الحكومة الإثيوبية أبي أحمد خطاً أحمر، هو عدم تقسيم البلاد، قد يواجه عراقيل، خصوصاً مع "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، التي تعتبر الحكومة أنها ليست الممثل الوحيد للإقليم، والتي لم تصدر بعد أي رد فعل على الدعوة للحوار، بالإضافة إلى أنه لم يتم الإعلان عن وقف لإطلاق النار في البلاد.
وكان زعيم "الجبهة" ديبرصيون جبرائيل بعث رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أخيراً، أبلغه فيها انسحاب قواته إلى تيغراي، إلّا أنّه طالب في المقابل بضمان انسحاب قوات أمهرة والقوات الإريترية من غرب تيغراي كمقدمة لفتح حوار مع الحكومة.
وعلى لائحة الشخصيات التي تم العفو عنها، قطب الإعلام السابق جوار محمد، عضو المؤتمر الفيدرالي لإثنية أورومو. ومثل إسكندر نيغا، اعتقل جوار محمد في يوليو/تموز 2020 مع شخصيات معارضة أخرى، بعد أعمال عنف اندلعت على أثر مقتل المغني هاشالو هونديسا، المدافع عن الأورومو، بالرصاص في أديس أبابا.
وبين مسؤولي "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" الذين ورد ذكرهم في بيان الحكومة، سبحات نيغا أحد مؤسسي الحزب، وكيدوسان نيغا وأباي ولدو وأبادي زيمو (سفير سابق في السودان) ومولو جيبريغزيابر. وكان قد ألقي القبض عليهم نهاية العام 2020 عندما استولت القوات الحكومية على معظم إقليم تيغراي.
العفو لتمهيد الطريق لحل دائم
وكانت الحكومة الإثيوبية أعلنت، الجمعة الماضي، العفو والإفراج عن العديد من السياسيين المسجونين، بينهم قادة في المعارضة وفي "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي".
وقالت الحكومة، في بيان، إن الهدف من العفو هو "تمهيد الطريق لحل دائم لمشاكل إثيوبيا بطريقة سلمية وغير عنيفة". وأضافت أنّ "مفتاح الوحدة الدائمة هو الحوار. وستقدم إثيوبيا كلّ التضحيات لتحقيق هذه الغاية"، مُعَدّدة أسماء الكثير من قادة المعارضة وأعضاء مهمين في "جبهة تيغراي". وأعلن حزب "بالديراس" المعارض إطلاق سراح مؤسسه إسكندر نيغا.
وجاء هذا الإعلان عن العفو بعد دعوة إلى "المصالحة الوطنية" أطلقها أبي أحمد، الذي أعلن، في بيان، أنّ "أيّ حلّ يقسم الوحدة الوطنية وينتهك كرامة إثيوبيا وسيادتها ويعرض وحدة أراضي البلاد غير مقبول، لأنّه خط أحمر ولا ينبغي تجاوزه".
واعتبر أنّ "أي شخص يسعى إلى طريق الخيانة والتقسيم سيواجه عقاباص من الإثيوبيين". وقال: "سنعمل على تعزيز جهودنا بطريقة متعددة الأوجه للحفاظ على انتصارنا بطريقة لا يمكن عكسها أبداً، من أجل الحفاظ على انتصاراتنا، كما سنبذل جهوداً لاختتامها بطرق سياسية وسلمية".
وتزامن العفو مع مهمة قد تكون أخيرة إلى أديس أبابا، قام بها المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، الذي يحاول تشجيع محادثات السلام بين الحكومة و"جبهة تيغراي"، قبل تنحيه عن منصبه كما أعلن أخيراً. وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس قال، الخميس الماضي، إن فيلتمان أجرى "مناقشات غنية وبناءة" مع أبي أحمد. وأضاف أن الولايات المتحدة ستعمل من أجل "أن يتحقق أي زخم إيجابي مستمد من هذه المناقشات".
ورحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في تغريدة، بهذا العفو. وقال: "ما زلت ملتزماً، بجد، بمساعدة إثيوبيا على إنهاء القتال واستعادة السلام والاستقرار". ودعا إلى "بناء الثقة من خلال الاتفاق على وقف الأعمال العدائية، ووقف دائم لإطلاق النار، وكذلك إطلاق عملية حوار وطني ومصالحة شاملة ذات مصداقية".
جدية الحكومة بإطلاق الحوار مع المعارضة
وأكد الكاتب والباحث الإثيوبي موسى شيخو أنّ الحكومة الإثيوبية جادة في إطلاق الحوار مع المعارضة من أجل التوصل إلى سلام في البلاد. وقال، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "عملية الإفراج عن زعماء المعارضة، وبعضهم من قيادات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وقبلها موافقة البرلمان على تشكيل لجنة حوار وطني يُناط بها إجراء حوار وطني شامل للخروج من الأزمة السياسية، يظهر أن الحكومة الإثيوبية جادة في التوصل إلى سلام" في البلد.
موسى شيخو: هناك توافق محلي ورغبة دولية وإقليمية للتهدئة
وعمّا إذا كانت هناك موافقة من المعارضة على الدخول في الحوار، أعرب شيخو عن اعتقاده أنّ "صفقة الإفراج عن المعارضين، وقبلها التهدئة على الأرض، جاءت بعد نقاش مع المعارضة الموجودة في السجن". وأوضح أنّ "هذا الأمر تدفع له جهات دولية، مثل الولايات المتحدة الأميركية، وجهات إقليمية"، مؤكداً "وجود توافق محلي، ورغبة دولية وإقليمية من أجل تهدئة الوضع في إثيوبيا".
وعن اتهام القوات الإثيوبية بشن غارة على مخيم للنازحين في تيغراي، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، قال شيخو: "حسب ما يبدو من المعطيات على الأرض، فإنّ هناك انقساماً في الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، إذ إنّ هناك طرفاً يريد التهدئة، فيما يريد طرف آخر مواصلة الحرب".
وأضاف: "بعد إعلان الحكومة أن قواتها لن تدخل إقليم تيغراي، بدأت مجموعات باقتحام القرى والاشتباك مع قوات الجيش في منطقة حُمرا (في إقليم تيغراي) المحاذية للحدود مع السودان وإريتريا، بهدف إيجاد منفذ حدودي. أعتقد أن الغارة جاءت رداً على هجمات هؤلاء".
مشروع متكامل للتوصل إلى السلام
واتفق الكاتب والباحث في شؤون القرن الأفريقي عبد الشكور عبد الصمد مع شيخو في جدية الحكومة بدعوة المعارضة للحوار، معتبراً أنّ رئيس الحكومة أبي أحمد "اختار السلام". وقال، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إنّ "وقف الحرب مع إقليم تيغراي، والإفراج عن معارضين، وتأسيس لجنة الحوار الوطني، تمثل مشروعاً متكاملاً ورؤية واضحة للتوصل إلى السلام" في البلد.
واعتبر أنّ "كلّ الأطراف، ومن ضمنها المعارضة، يهمها مصلحة الوطن" وبالتالي، فإنّه أعرب عن اعتقاده أنّه "ستكون هناك استجابة للدعوة إلى الحوار". ووصف هذا الأمر بأنّه "خطوة ستأتي بعدها خطوات أخرى في المستقبل".
وحول ما إذا كان سقف بعض أطراف المعارضة المرتفع سيكون عائقاً أمام الحوار، قال عبد الصمد: "مهما كان سقف المطالب مرتفعاً، فالجميع متفق على إخراج الوطن من أزمته السياسية"، مشيراً إلى أنّه "يمكن مناقشة كلّ التفاصيل والمطالب عبر آلية الحوار".
وعن اتهام القوات الإثيوبية بشن غارة على مخيم للنازحين في تيغراي، وما إذا كان هذا الأمر يمثل عائقاً أمام انطلاق عملية الحوار، شكك عبد الصمد في مصداقية ما حصل، معتبراً أنّه "لا توجد أطراف محايدة للتأكد من مصداقية الخبر".
وأشار إلى أنّه "ليس من مصلحة الحكومة، التي قامت بإطلاق قيادات من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، استهداف المدنيين"، معتبراً أنّ "هناك أطرافاً قد يكون من مصلحتها وجود تصعيد". وقال إنّ "الجيش الإثيوبي يسعى لتجنب الإضرار بالمدنيين، ولهذا فإنه أعلن عدم دخوله إلى تيغراي".