تعقيدات قانونية ـ طبقيّة تصعّب حل أزمة جزيرة الوراق

28 نوفمبر 2024
عبّارة قرب جزيرة الوراق، 12 مارس 2019 (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتجدد أزمة جزيرة الوراق مع محاولات الحكومة لإخلاء السكان بدعوى التطوير، حيث يرفض الأهالي التعويضات الحكومية ويصرون على حقوقهم في البقاء.
- تتجاوز الأزمة كونها إسكانية، حيث يُعتقد بوجود دوافع سياسية واستثمارية وراء استهداف الجزيرة، مما يثير مخاوف من تهجير السكان لصالح مشروعات استثمارية.
- يواجه الإخلاء تحديات قانونية بسبب عقود ملكية السكان، ويقترح الخبراء التفاوض وتقديم تعويضات عادلة لتجنب الصدامات وتحقيق تسوية سلمية.

لا تكاد قضية جزيرة الوراق تهدأ حتى تندلع مجدداً. وتبدو قضية الجزيرة الواقعة في وسط النيل بالقاهرة لغزاً محيراً للمتابعين، مع إصرار السلطة على إخلائها من سكانها في محاولات مستمرة منذ نحو سبع سنوات، بدعاوى عدة تندرج تحت لافتات تطوير المنطقة الحيوية، التي يقطنها مواطنون دون سند ملكية واضح، وبما يعرف بحق الانتفاع، ما يستدعي استردادها بكل الوسائل كونها أرضاً مملوكة للدولة.

وفتحت محاولة قوات الأمن المصري اقتحام جزيرة الوراق لإخلائها من سكانها قبل أيام، واستخدامها الغازات المسيلة للدموع ضد أهالي المنطقة، واعتقالها العشرات منهم قبل إطلاق سراحهم لاحقاً، الباب أمام روايتين متناقضتين للأحداث. ولجأت السلطات إلى القوة الأمنية في محاولة لتهجير أهالي جزيرة الوراق بعدما رفضوا التسوية التي اعتبروها غير عادلة، وأصروا على البقاء في منازلهم وأراضيهم، رافضين تصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي الأخيرة بنقل سكان الجزيرة إلى مساكن في أرض مطار إمبابة الذي أخلي أخيراً. ورغم قبول بعض السكان بتعويضات حكومية وصفت بالمناسبة، فإن الأغلبية رفضت هذه الترضيات وأبدت تمسكاً بحقوقها.

محمد ناجي دربالة: ملكية سكان الوراق لعقود تشكل تحدياً كبيراً للحكومة

ويقول فتحي الطويل، وهو من سكان جزيرة الوراق ويعمل حرفياً: لن نغادر أرضنا، سنظل هنا، التعويضات مهما ارتفعت لن تكون مناسبة لتعويضنا عن أرضنا التي عشنا فيها جيلاً بعد جيل. في المقابل، يعرب مصطفى عبد العظيم، وهو من سكان الجزيرة، عن يأسه من إمكانية التوصل إلى حل للأزمة في ظل إصرار الحكومة على تقديم تعويضات هزيلة، مؤكداً أن التعويض لا بد أن يترافق مع إعادة السكان إلى مناطقهم نفسها، بحيث يحصل صاحب المنزل على تعويض مالي عن منزله وشقة في البنايات الجديدة التي ستبنيها الحكومة بالمكان، مضيفاً في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الأزمة هنا أن الحكومة لن تبني مساكن لمواطنين، بل منتجعات سياحية لأثرياء ترى أنها تناسب طبيعة الجزيرة، وهنا المعضلة، هي لا تريد أن ترى وجوه بسطاء بالمكان المخصص لفئة فاحشة الثراء من العرب والأجانب، ولذلك لن نصل لحل طالما فكرت السلطة بهذه العقلية التهجيرية.

دوافع سياسية ــ طبقية؟

يتجاوز الأمر في رأي البعض مجرد أزمة إسكانية أو استثمارية ليصل إلى دوافع سياسية. يروج نشطاء وجهة نظر مفادها أن الحكومة تستهدف أهالي جزيرة الوراق بشكل خاص بسبب دورهم البارز في ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، ومساهمتهم في إسقاط نظام حسني مبارك. كما يشير هؤلاء إلى أن سكان جزيرة الوراق أبدوا معارضة شديدة للإجراءات السياسية التي أعقبت 30 يونيو/ حزيران 2013، بما في ذلك الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي.

علاوة على ذلك، يُعتقد أن الدولة تسعى لتقويض أي إمكانية لدور مستقبلي قد يلعبه أهالي جزيرة الوراق في احتجاجات ضد ارتفاع الأسعار والتضخم الذي وصل إلى مستويات قياسية أثرت سلباً على معيشة غالبية المصريين. كل هذا يأتي في وقت تسعى فيه الحكومة للحصول على شريحة جديدة من قرض صندوق النقد الدولي، وتتجنب وقوع ما يعكر صفو المفاوضات الجارية للحصول على باقي دفعات القروض.

أبعاد أزمة جزيرة الوراق

ويرى نائب رئيس محكمة النقض السابق، المستشار محمد ناجي دربالة، أن أزمة جزيرة الوراق تتجاوز كونها قضية إسكانية إلى أبعاد سياسية واستثمارية وقانونية معقدة. ويقول دربالة إن الدولة تسعى إلى إخلاء الجزيرة تمهيداً لتنفيذ مشروعات استثمارية يخطط لها رجال أعمال إماراتيون، رغم امتلاك معظم سكان جزيرة الوراق عقود ملكية تثبت أحقيتهم في أراضيهم ومنازلهم. ويوضح دربالة أن هناك مخاوف حكومية من احتمال لعب أهالي الوراق دوراً في أي اضطرابات مستقبلية، نظراً لموقع الجزيرة القريب من وسط العاصمة، ما يفسر التردد الحكومي في استخدام القوة المفرطة ضد سكانها. ويعرب عن توقعاته بأن تلجأ السلطة إلى اتباع استراتيجية جديدة تقوم على التفاوض الفردي مع السكان، ورفع قيمة التعويضات، لتفكيك الكتلة الرافضة للتهجير، مستلهمةً أسلوباً مشابهاً لما حدث في تفريغ منطقة مثلث ماسبيرو.

يقلل مجدي حمدان من أهمية الروايات التي تشير إلى وجود حالة "ثأر" بين السلطات والأهالي

للقضية جوانب قانونية يوضحها دربالة بالإشارة إلى أن ملكية سكان جزيرة الوراق عقوداً تثبت حقوقهم القانونية في أراضيهم ومنازلهم تشكل تحدياً كبيراً للحكومة، خاصة أن الرواية الرسمية التي تدعي استيلاء الأهالي على الأراضي بنظام "وضع اليد" لم تُدعّم بأدلة قانونية واضحة. ويضيف دربالة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة تُمارس هذه الضغوط بدافع مجاملة مستثمرين خليجيين، وهي استراتيجية لم تنجح حتى الآن في إنهاء الأزمة، بل ساهمت في تعقيدها.

أبعاد مختلفة

يتفق السياسي المصري ونائب رئيس حزب المحافظين مجدي حمدان مع الرأي القائل إن أزمة جزيرة الوراق ليست مجرد أزمة سكنية، بل تمتد أبعادها لتشمل الجوانب السياسية، الاستثمارية، والاجتماعية. ويقول: تأتي هذه الأزمة في ظل خطط طويلة الأمد لتطوير المنطقة على أيدي رجال أعمال ومستثمرين خليجيين، لكنها اصطدمت بعدة عقبات رئيسية حالت دون تنفيذ المخططات حتى الآن، بتعبيره. وبحسب حمدان، العقبة الأولى تتمثل في أن أهالي جزيرة الوراق يمتلكون حقوق ملكية قانونية لأراضيهم ومنازلهم، ما يجعل من الصعب إخلاؤهم بالاعتماد فقط على الحلول الأمنية. ويتابع أن القضية تتطلب تفاهمات حقيقية مع الأهالي، إلى جانب تقديم تعويضات مالية عادلة تعادل القيمة السوقية لأراضيهم، وهو ما من شأنه أن يهيئ الأجواء لتسوية سلمية بعيداً عن الاضطرابات والصدامات. ويشير إلى أن ما حدث في منطقة مثلث ماسبيرو ربما يكون نموذجاً قابلاً للتكرار، حيث غادر البعض طوعاً، بينما التزمت الدولة بإعادة توطين جزء من السكان بعد التطوير.

ويضيف حمدان أن السعر الذي تعرضه الحكومة حالياً لتعويض سكان جزيرة الوراق غير مجزٍ على الإطلاق، فضلاً عن غياب شخصية مدنية تتمتع برؤية سياسية قادرة على التفاوض مع الأهالي، ما يزيد من تعقيد الموقف. ويؤكد أن الاعتماد فقط على الحلول الأمنية لن يكتب نهاية لهذه الأزمة، وهو أمر يجب أن تتنبه له القيادة السياسية في مصر. ويقلل حمدان من أهمية الروايات التي تشير إلى وجود "حالة ثأر" بين السلطات وأهالي جزيرة الوراق والادعاء بأن الدولة تسعى لإخلاء المنطقة بسبب مواقفها المعارضة قبل ثورة يناير وبعدها، موضحاً، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الدولة حالياً قادرة على مواجهة أي اضطرابات حتى لو وقعت في ميدان التحرير نفسه، ولا داعي لربط الأزمة الحالية بمخاوف أمنية غير مؤكدة. ويرى أن الحل الأمثل للأزمة يكمن في التعامل معها بوصفها قضية سياسية واستثمارية واجتماعية، مع تقديم تعويضات مالية عادلة للسكان بدلاً من محاولة فرض الأمر الواقع بالقوة. ويشدد على أن أي محاولة لحل الأزمة أمنياً فقط ستكون مكلفة للدولة وللسكان على حد سواء.

من جانبه، ينتقد الخبير الاقتصادي أحمد أبو خزيم طريقة تعامل الحكومة مع أزمة الوراق، مشيراً إلى أن الاعتماد على الحل الأمني يزيد تعقيد المشكلة. ويؤكد خزيم أن الأزمة لا تتعلق بالمنفعة العامة، بل بمشروعات استثمارية ضخمة بقيمة مليارات الدولارات لصالح مستثمرين إماراتيين. ويحذر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، من خطورة مجاملة المستثمرين الخليجيين على حساب حقوق الأهالي، مشيراً إلى أن تهجير السكان قسراً ليس حلاً مستداماً. وينفي أبو خزيم وجود أي حالة تمرد من أهالي الوراق أو وجود ثأر من أجهزة الدولة ضدهم، موضحاً أن القضية تتعلق بحقوق السكان التي يجب احترامها.