على عكس عطلتَي نهاية الأسبوعين الماضيين، لم تدعُ المعارضة الروسية في عطلة الأسبوع الحالي (اليوم السبت وغداً الأحد)، إلى أي تظاهرات دعماً للمعارض الروسي المعتقل، مؤسس صندوق مكافحة الفساد، أليكسي نافالني، الذي قرّر القضاء الروسي تحويل الحكم الصادر بحقه مع وقف التنفيذ إلى السجن النافذ، بذريعة الانتهاكات المتكررة لفترة الاختبار.
وقرّر أنصار نافالني تعليق التظاهرات في الفترة الحالية لمنع المزيد من الاعتقالات، والتركيز على الاستعدادات للانتخابات التشريعية المقرّر إجراؤها في سبتمبر/ أيلول المقبل.
وفي هذا الإطار، يعتبر عضو المجلس الإقليمي لحزب "يابلوكو" ("تفاحة") المعارض في موسكو، أليكسي كرابوخين، أن قرار أنصار نافالني تعليق التظاهرات كان صائباً، متوقعاً أن تشكل الانتخابات المقبلة فرصة حقيقية لدخول ممثلي المعارضة "غير النظامية" إلى البرلمان.
ويقول كرابوخين، في حديث لـ"العربي الجديد": "بشكل عام، أدعم بيان تعليق التظاهرات حتى لا تتعثر إن تراجع عدد المشاركين مقابل تزايد عنف قوات الأمن الذي بلغ مستويات غير مسبوقة، وقد أُوقِف بضعة من أصدقائي، وهم يواجهون قضايا جنائية وسجناً، كذلك رأيت بأم عيني عنصراً لشرطة مكافحة الشغب وهو يضرب أناساً ضرباً مبرحاً. صحيح أنني أشارك في التظاهرات، بما فيها "غير المصرح بها" منذ عام 2010، ولكنه لم تكن هناك مثل هذه القسوة بتستر، بل بتحفيز من السلطات من قبل".
وحول رؤيته لزيادة دور المعارضة في الحياة السياسية الروسية، يقول: "يجب خوض سباق انتخابات الدوما والمجالس المحلية، وتعزيز المراقبة على التصويت وفرز الأصوات، إذ إن إجراء الانتخابات على مدى بضعة أيام يمهّد أرضية للتزوير مثلما حدث في استفتاء تعديل الدستور في الصيف الماضي".
ومع ذلك، يلفت كرابوخين إلى أن الكرملين بات يخشى من التظاهرات، قائلاً: "في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، كانت الشوارع المؤدية إلى وسط المدينة مغلقة، وسط انتشار واسع لأفراد "الحرس الروسي"، ما يعكس تخوف السلطة والرئيس فلاديمير بوتين منا، وهو مؤشر أعتبره إيجابياً، وقد يشكل نجاح مرشحي المعارضة "غير النظامية" في الانتخابات المقبلة نقطة بداية تغيير نظام السلطة في روسيا".
من جهته، اعتبر المحلل السياسي، فلاديمير باستوخوف، أن الجولة الأولى من القتال من دون قواعد بين الكرملين ونافالني أدت إلى تعادل في ظل ما رآه سوء تقدير الطرفين للوضع.
وكتب باستوخوف، في مدونته على موقع إذاعة "إيخو موسكفي" (صدى موسكو) ذات التوجهات الليبرالية، أن "الكرملين بالغ في تقدير خطر الثورة، بينما بالغ نافالني في تقدير آفاقها. ونتيجة لذلك، لم يصبح نافالني في الكرملين، بل في السجن، ولكن الكرملين محاصر".
ولخّص الباحث السياسي الروسي تسلسل التطورات في قضية نافالني، مضيفاً: "أولاً، بالغ الكرملين تحت تأثير الأحداث في بيلاروسيا في تقدير دور نافالني المزعزع للاستقرار، ما ترجم إلى محاولة فاشلة لقتله. جاء هذا الاعتداء زناداً للسلسلة اللاحقة من الأحداث كاملة. لو لم يكن هناك اعتداء، لما كانت هناك عودة، ولولا العودة، لما كان هناك الاعتقال، ولولا الاعتقال، لما كانت هناك موجة جديدة من الاحتجاجات".
وعن سوء تقديرات نافالني، تابع: "بالغ نافالني، ربما تحت تأثير الأحداث في بيلاروسيا أيضاً، في تقدير جاهزية المجتمع لانتفاضة ثورية، وارتكب خطأً كلاسيكياً للثائر المبتدئ، وهو قرار خلق وضعاً ثورياً. جاءت عودته منتصراً (من ألمانيا بعد تلقي العلاج) عملاً يعكس شجاعته الشخصية الكبيرة، ولكنها لم تأتِ بالمفعول المرجو، إذ قُمعَت الانتفاضة، بينما أصبح نافالني رهينة لبوتين، وربما لفترة طويلة".
وأعلن ليونيد فولكوف، وهو مدير شبكة المقار الإقليمية لنافالني، مساء أول أمس الخميس، أن أنصار المعارض الروسي الأبرز لا يعتزمون تنظيم فعاليات احتجاجية جديدة في القريب العاجل، موضحاً في بث عبر قناة "نافالني لايف" على موقع "يوتيوب" أن مواصلة التظاهرات "غير المصرح بها" أسبوعياً ستؤدي إلى تراجع عدد المشاركين و"الإحباط العام".
وقال فولكوف: "إذا خرجنا كل أسبوع، فسنحصل على آلاف آخرين من المعتقلين والمعتدى عليهم بالضرب. سيصاب عمل المقار بالشلل، ولن يكون العمل تمهيداً للانتخابات ممكناً... هذا ليس ما نريده".
وأشار إلى أن نافالني طلب من أنصاره التركيز على انتخابات مجلس الدوما (النواب) المقرّر إجراؤها في الخريف المقبل، بينما يعتزم مؤيدوه العمل على الإفراج عنه بـ"وسائل سياسية خارجية"، في إشارة إلى المطالب بتشديد العقوبات الغربية على روسيا بسبب سجن نافالني.
ومع ذلك، أكد فولكوف أن أنصار نافالني لا يعتزمون العزوف عن الاحتجاج بشكل كامل، مضيفاً: "سنستعد جيداً، وسننظم شيئاً كبيراً في الربيع والصيف. المناسبات ومطالبنا لن تختفي".
وفي ردّ فعل من الكرملين على تعليق احتجاجات المعارضة، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف: "أنتم تعلمون أنه بصرف النظر عن بيان بعينه، فإن موقفنا العام معروف جيداً، وهو أن إعلان أي أعمال غير مشروعة أو فعاليات غير مصرح بها يتعارض في حدّ ذاته مع القانون".
يذكر أن روسيا شهدت في عطلتي نهاية الأسبوعين الماضيين، يوم محاكمة نافالني في 2 فبراير/ شباط الجاري، موجة من التظاهرات في عدد من المدن تخللتها حملة اعتقالات واسعة أدت في المجمل إلى توقيف أكثر من 10 آلاف شخص، وفق أرقام موقع "أو في دي إنفو" الحقوقي.