أعلنت الخارجية الأميركية، أمس الأربعاء، عن تشكيل "فريق عمل خاص" للتعامل مع أزمة السودان، في خطوة تأتي بعد أربعة أيام من المحاولات والمناشدات غير المجدية لوقف القتال.
بدأ احتدام المواجهة بهذه الصورة الكاسرة والسريعة يبلور الاعتقاد في واشنطن بأنّ المسألة على الأرجح هي صراع مزدوج على السلطة وعلى السودان في آن واحد، وبالتالي فهي مواجهة طويلة ومحكومة بالحسم حسب الترجيحات المبنية على الوقائع الميدانية. على سبيل المثال، فإن استهداف المطارات والمستشفيات (39 من 69 صارت خارج الخدمة وفق معلومات الجهات الدولية في الخرطوم) وغيرهما من المرافق الحيوية العامة، يظهر أنّ العملية قد تكون أبعد من محاولة انقلاب يتقرر مصيرها عادة في ساعات.
هذا الاستمرار في التصعيد الميداني بعد أربعة أيام من الاشتباكات الواسعة يشير إلى أنّ العملية محسوبة، خاصة من جانب قوات التدخل السريع. ويضاف إلى ذلك أنّ واشنطن قرأت في استهداف قافلة دبلوماسية أميركية في الخرطوم، أول أمس الثلاثاء، رسالة من طرف ما لحمل الإدارة على سحب جهاز سفارتها ومغادرة الخرطوم، وربما كان هذا السبب وراء قرار الخارجية بالبقاء في العاصمة كرد على التهديد والاكتفاء بدعوة دبلوماسييها لاتخاذ الحيطة وعدم التجول. إذ إنه في العادة، وفي مثل هذه الحالة، يجري سحب العاملين في السفارة وأحياناً إقفالها، كما حصل في أوكرانيا عشية الاجتياح الروسي، أو كما حصل في أفغانستان قبيل الانسحاب العسكري النهائي.
تقول الخارجية الأميركية إنّ ضرب مطار الخرطوم يحول دون المغادرة، وإنّ السفارة ستقوم بدور رصد التطورات عن قرب، وفي مثل هذه الظروف يتم تكثيف التحرك الدبلوماسي المباشر عن طريق وزير الخارجية أو مبعوث خاص يعمل في المنطقة أو سوى ذلك من الخيارات، إلا أنّ اللجوء إلى "فريق عمل خاص" للقيام بالمهمة غير مألوف في الأزمات إلا نادراً. ويبدو أنّ هذه الخطوة تشير إلى أنّ المشكلة هذه المرة "معقدة وشائكة" وتتجاوز إطار الصدام التناحري بين جنرالين، فمثل هذه الصيغة تعني أنّ "تتكون مجموعة مختصين من عدة وكالات وجهات رسمية معنية"، بحيث يؤدي تكامل إمكاناتها إلى تعزيز قدراتها المشتركة لمواجهة القضية المطروحة، إذا كان هذا التعريف ينطبق على الحالة الراهنة، فمعنى ذلك أنّ مهمة الفريق بحكم تركيبته أكثر وأوسع من فريق دبلوماسي.
تزامناً مع ذلك، بدأ التلويح بسلاح العقوبات في حال سارت الأمور في الاتجاه غير المرغوب، ويبدو من التصريحات والاتصالات التي أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أنّ واشنطن تعول إلى حد كبير على مساهمات دول المنطقة والجوار في تطويق الأزمة التي تثير المخاوف من رفع حرارة النزاعات في الجوار أو أزماته المرشحة للتحول إلى نزاعات، على غرار الخلاف المصري الإثيوبي حول سدّ النهضة الذي تلعب حسابات الوضع السوداني دوراً هاماً فيه.
تعاملت واشنطن مع أزمات السودان في السابق بالقطعة وبمقاربة ضيّقة، من قضية الجنوب وانفصاله، مروراً بحرب دارفور، نهايةً بمجيء العسكر في عام 2021 ووعوده بنقل السلطة إلى حكومة مدنية. كما شجعت على تقسيم البلاد بحجة أنّ التقسيم مطلب للشمال والجنوب، وأنها تعمل لتحقيق رغبة الطرفين، في حين كان ذلك صدى لرغبتها، وتكرمت على السودان عندما طبّعت مع إسرائيل فحذفت اسمه من لائحة الإرهاب مع إعفائه من بعض الديون، ما عدا ذلك ترك على حاله.
الآن، يبدو أنّ واشنطن وجدت نفسها فجأة في موقف جيوسياسي خاسر، وتتحرك على ما يبدو وفق هذا المعطى لاحتواء وضع متفجر قد ينتهي إلى خدمة مصالح مختلفة عدا المصلحة السودانية.