تتراجع شعبية الحكومة التونسية، أخيراً، وفق ما أظهره آخر استطلاعات الرأي، في ظلّ مواجهتها سيلاً من الانتقادات من معارضيها، وحتى من بين بعض مؤيديها. ويبدو أن رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، والأحزاب المساندة له، قد قرّروا تغيير أوراق اللعبة السياسية.
وتحاول الحكومة التونسية تغيير استراتيجيتها في التعامل مع المحيط السياسي والاجتماعي، الذي لم يترك لها مجالاً لالتقاط الأنفاس منذ تشكيلها. ويبدو أن الائتلاف الحاكم ذاهب نحو الحسم في تعامله مع الإضرابات التي لم تتوقف، ويرى فيها أبرز تهديد لاستقراره السياسي. كما يحاول، في الوقت عينه، التمهيد لذلك بأكبر قدر من التنسيق السياسي بين مكوّناته، خصوصاً بعد بروز اختلافات كثيرة فيما بينها، في خصوص مسائل عدة داخل البرلمان وخارجه، وقررت أحزاب الائتلاف الحاكم الأربعة (النهضة ونداء تونس والوطني الحر وآفاق تونس) أخيراً تفادي سياسة "الاكتفاء بردّ الفعل، والغرق في معالجة الحالات اليومية، ما يضعها في مأزق فقدان المبادرة الاجتماعية والسياسية"، بل قررت تبعاً لذلك الإمساك بإدارة خيوط اللعبة، من خلال تكثيف التنسيق بينها، وعكس الهجوم على مناوئيها.
اقرأ أيضاً: الحكومة التونسية والنقابات: هل تواجه حملة لإسقاطها؟
ويعني هذا أن موجة الإضرابات هي سبب البليّة، ولا بدّ من إيقافها، لكن الوضع التونسي الجديد لا يتيح قمعها أو إلغاءها ببساطة. لذلك لجأت حكومة الصيد إلى قانون تونسي قديم، يسمح بالإضراب، ولكنه يمكّن الحكومة، أيضاً، من اقتطاع أجرة أيام الإضراب، وهو ما سيمكن من تقليصها، ولكنه يؤشر إلى حرب مقبلة بينها وبين "اتحاد الشغل".
من جهته، يرى الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي أيضاً، أن "هناك من يعمل على تفكيك الشعب التونسي، ويجب على الدولة الدفاع عن نفسها بالقانون والعدل". وفي إطار تبريد الخلافات، أشار الائتلاف الحاكم الى أن "السبسي، يعتزم إطلاق مبادرة وطنية قريباً، من أجل تحقيق توافق وطني وإرساء هدنة اجتماعية، لا يوافق عليها النقابيون بالضرورة".
ويعكس هذا التوجّه الإرادة القوية في تغيير أسلوب التعامل مع الواقع الاجتماعي الهشّ، والثبات على هذا الخيار الجديد. لذلك، لا يتوقف الصيد في كل مناسبة عن التذكير بأن "الحكومة لن تتراجع عن الحدّ من الإضرابات واقتطاع أيام الإضراب في كل القطاعات".
من جهة أخرى، تحاول الأحزاب الحاكمة تجنّب الصورة السلبية التي وسمت عملها في الفترة الماضية، وأن تظهر في صورة الأحزاب المتضامنة سياسياً. وقررت في آخر اجتماعها، تشكيل ثلاث لجان لمساندة عمل الحكومة في هذه الظروف، التي وصفتها بـ"الصعبة".
وأكدت في الوقت عينه "دعمها الحكومة، بما يؤمن هيبة الدولة ووحدة التراب الوطني والدعم اللامشروط للجيش الوطني وقوات الأمن الداخلي، في مجابهة كل أشكال التطرف والإرهاب والجريمة المنظمة والتهريب". ولتفادي تذبذبها، الذي برز خلال المحطات التشريعية الأخيرة، خصوصاً قانون المجلس الأعلى للقضاء، شكّلت الأحزاب الحاكمة لجنة للتنسيق البرلماني، ودعت التونسيين إلى "تفهّم الظروف الاقتصادية والمالية التي تجتازها البلاد، والتي تقتضي هدنة وتهدئة اجتماعية وانخراطاً جدياً في العمل".
ووصف الاتحاد اعتبار الحكومة بأن "بعض الإضرابات يتمّ الدفع إليها من إرهابيين، باتهام خطير وغير مسبوق، يسيء إلى العمّال وإلى العمل النقابي، ويتعدّى على حقّ دستوري أصبح بعضهم يسمّيه جوراً عملاً إرهابياً، وهو أمر لا يُمكن السكوت عنه تحت أيّ طائل".
ويرى "اتحاد الشغل" أن "القاء الحكومة كامل المسؤولية على الاحتجاجات الاجتماعية في تدهور وضع البلاد، هو ادّعاء مبالغ فيه، لا يهدف إلاّ إلى التغطية على المشاكل الحقيقية والهيكلية المرتبطة أساساً بالخيارات الاقتصادية الليبيرالية، التي يريد بعضهم فرضها، وأن حسم الأجور الذي اعتمدته بعض الوزارات أيّام الإضرابات، حمل طابعاً سياسياً وعقابياً في هذا الظرف الاجتماعي الخاص".
وتبدو الحكومة و"اتحاد الشغل" في موقف يُذكّر بعشية المواجهات التي وضعتهما وجهاً لوجه في محطات تاريخية سابقة، يعرفها التونسيون جيداً، بالتالي فإن اجتماع أمس بين الصيد، وأمين عام "اتحاد الشغل" حسين العباسي، قد يسهم في نزع فتيل الأزمة الواضحة التي تتسم بإصرار كل طرف على التشبث بموقفه، والذهاب نحو التصعيد.
اقرأ أيضاً: "نداء تونس".. استعراض صاخب وأحزان عميقة