تونس: دفع لحوار يمنع تفاقم الصراع

19 فبراير 2021
يزداد الاحتقان في الشارع التونسي (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

أمام استفحال الأزمة السياسية في تونس ودخولها طريقاً مسدوداً، خصوصاً بعد ملف التعديل الحكومي والصراع بين رئيسي الجمهورية قيس سعيّد، والحكومة هشام المشيشي، تسعى جهات اجتماعية ومدنية إلى البحث عن حلول تمنع الاصطدام، وتحول دون استفحال الصراع لما لذلك من تداعيات اجتماعية واقتصادية وأمنية خطيرة على وضع البلاد الهشّ أساساً.

وأعرب المكتب التنفيذي لـ"الاتحاد العام التونسي للشغل"، الثلاثاء الماضي، عن "بالغ انشغاله بتأزّم الوضع، خصوصاً بعد أزمة التعديل الوزاري الأخير والمأزق الدستوري الذي اتّصل به، والذي أفضى إلى تعطّل مصالح الدولة وإلى شلل عام لكلّ أجهزتها، وعقّد الوضع السياسي الذي بات يتجه للمجهول". وطالب الاتحاد "بالإسراع بفضّ هذا المأزق الدستوري في أقرب الآجال"، داعياً المنظّمات الوطنية إلى توحيد الجهود للضغط من أجل إيجاد حلّ للأزمة الراهنة.

دعا اتحاد الشغل المنظّمات الوطنية إلى توحيد الجهود للضغط من أجل إيجاد حلّ للأزمة الراهنة

وتُفسّر دعوة الاتحاد للمنظمات الوطنية بالضغط، على أنها محاولة لكسر الجمود في الأزمة الأخيرة، والبحث عن صيغ جديدة لإدارة هذه الأزمة، خصوصاً بعد أن سقطت مبادرة الاتحاد للحوار الوطني في الماء، بعد أن أوكل مهمة احتضانها للرئاسة، ولكن الأخيرة أصبحت طرفاً في الأزمة، ولم يعد بإمكانها الاضطلاع بدور جامع ومحايد، على الأقل في الوضع الراهن.

ولكن المعروف عن "اتحاد الشغل" هو أنه لن يبقى متفرجاً على الأزمة، خصوصاً أمام حالة الشلل التي وصلت إليها العلاقة بين مؤسسات الدولة، وقد يكون ارتكب خطأ كبيراً بالتنصل من مهمة إدارة الحوار الوطني وإلقائها بين أحضان الرئاسة، على الرغم من وجود ملامح الأزمة منذ ذلك الحين، وعدم تحمّس الرئاسة الواضح لإدارة الحوار، وتشبثها بإقصاء أحزاب لا تتفق معها، مع أن الحوار في الأزمات هو أساساً بين الأطراف المتخالفة.

ويجد الاتحاد نفسه اليوم مطالباً بلعب دور سريع لوضع حدّ للأزمة قبل استفحالها بشكل أكبر، وإنقاذ مبادرة الحوار بأي شكل، لأنّ الخلافات الموجودة اليوم تفرض لمعالجتها التوافق بين الفرقاء ولا مجال لحلها بالاستقواء، وهو ما يستوجب حواراً أكيداً وسريعاً. غير أنه ينبغي أن يجد مخرجاً لإعادة صياغة مشروع حوار جديد وربما يكون بمعيّة المكونات نفسها التي نجحت في 2013 في إدارة حوار وطني، وإن كان بصيغ وأرضية وأهداف جديدة.

وبدأ الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، سلسلة تحركات ولقاءات مع عدد من الشخصيات السياسية والحزبية. وقال الاتحاد إن هدف هذه اللقاءات هو بحث "الوضع العام في البلاد وكيفية الخروج من المأزق الدستوري وإيجاد حلول عملية للأزمة، تُمكّن من حل حقيقي يخفف من وطأة التوترات السياسية ومن بناء المسار الديمقراطي، وتوفير مناخات اجتماعية واقتصادية تمكّن الشعب من الخروج من أزمة الثقة في السياسيين".

الرباعي الراعي للحوار الوطني بصدد التشاور لتقديم مبادرة لإخراج تونس من الأزمة التي تمر بها

بدوره، تحرّك عميد "الهيئة الوطنية للمحامين"، إبراهيم بودربالة، في اليومين الأخيرين، متنقلاً بين سعيّد و"اتحاد الشغل"، ومتحدثاً بتفاؤل عن إمكانية حلحلة الأزمة. وقال بودربالة في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الرباعي الراعي للحوار الوطني والمكون من المنظمات التي احتضنت سابقاً الحوار الوطني في تونس (وهي الاتحاد العام التونسي للشغل، والهيئة الوطنية للمحامين، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان) بصدد التشاور لتقديم مبادرة لإخراج تونس من الأزمة التي تمر بها، ولحلحلة أزمة التعديل الوزاري"، مشيراً إلى أنه "قد تضاف إلى الرباعي لاحقاً منظمات أخرى كاتحاد الفلاحين".

وأوضح بودربالة أنه التقى الثلاثاء الماضي الطبوبي، وتم التباحث في عقد اجتماع بين المنظمات الوطنية لصياغة رؤية مشتركة من أجل إيجاد حلول للأزمة الراهنة، مضيفاً أنه سيتم عقد اجتماع قريباً والنظر في الخطوات التي سيتم إنجازها. ولفت إلى أنّ "المنظمات الوطنية لها تجربة وتاريخ يساعدها على تقريب وجهات النظر، وهي ستسعى لبلورة مبادرة وطنية، فالأزمة في حاجة لحل، ولا بد من توضيح المواقف"، معتبراً أنه "حان الوقت لتحديد المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي".

وأمام استفحال الأزمة، قال الرئيس السابق لـ"الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان"، عبد الستار بن موسى، الذي كان طرفاً في الرباعي الراعي للحوار في 2013 والفائز بجائزة نوبل للسلام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الحوار هو الطريق الصحيح لحل الخلافات، فالتصادم لن يقود لأي نتيجة". وأوضح بن موسى أنه وبحكم تجربته السابقة في الحوار الوطني، فإنّ "هناك حداً أدنى من الشروط التي يجب الاتفاق عليها، ووضع أهداف وخارطة طريق، تماماً مثلما فعل الرباعي الراعي للحوار سابقاً"، معتبراً أنّ "تلك التجربة كانت رائدة وساهم المجتمع المدني في نجاحها والإشراف عليها". وأكد أنّ "الحوار الذي أنجز في 2013، ساهم في إخراج تونس من أزمتها، ولولا الحوار لما كان الدستور الحالي، الذي يبقى جيداً على الرغم من بعض النقائص التي يمكن إصلاحها".

بن موسى: الاحتكام للشارع سيؤدي إلى الفوضى وسيقود البلاد إلى منزلق خطير

ولفت بن موسى إلى أنّ "الظرف تغيّر اليوم مقارنة بـ2013، فهناك مؤسسات قائمة، والحوار يكون بينها بمشاركة المنظمات والمجتمع المدني". وتابع أنّ "الاحتكام للشارع سيؤدي إلى الفوضى وسيقود البلاد إلى منزلق خطير"، مشيراً إلى أنّ "هناك اليوم مبادرة قدمها الاتحاد التونسي للشغل، ويمكن إصلاحها وعرضها على الأطراف السياسية لتحسين بعض المقترحات فيها أو إضافة أخرى لها، فحل الأزمة في الوضع الحالي لن يكون إلا بالحوار الوطني".

من جهته، رأى العميد السابق لـ"الهيئة الوطنية للمحامين"، فاضل محفوظ، الفائز أيضاً بجائزة نوبل، إنّ "الظرف تغيّر، فالوضع الحالي في 2021 ليس مثل 2013، ولا مجال للمقارنة، ولكن وجه الشبه الوحيد هو وجود أزمة في الحالتين"، مؤكداً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "حلّ الأزمة لن يكون إلا بالجلوس إلى طاولة الحوار وبمؤتمر إنقاذ وطني، وهو ما دعت إليه منذ فترة منظمات وأحزاب سياسية عدة، خصوصاً في ظل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الحالية، وبعد بروز عيوب عدة في النظام السياسي لدستور 2014".

وأكد أن "هناك تعثرات وصعوبات في بداية كل حوار، وهو ما برز في 2013. فصحيح نحن حالياً نتذكر النجاح ولا نتذكر الصعوبات، ولكن كانت هناك عقبات، وبالتالي على الرغم من التعثرات الحالية، فإنّ الدعوة تبقى ملحّة للعقلاء والصادقين للتجميع". ولفت محفوظ إلى أنه "توجد مبادرات لحوار وطني، منها مبادرة اتحاد الشغل، والمؤتمر الشعبي للإنقاذ الذي دعا إليه ائتلاف صمود، ومنظمات وطنية عدة"، معتبراً أنّ "تعدد المبادرات دليل على وجود أزمة، ولذلك فمن المستحسن أن تتوحد هذه المبادرات، وتتم الدعوة لحوار وطني، ليس بالضرورة أن تكون من قبل المنظمات التقليدية المعروفة، إذ يمكن أن تطلقها منظمات أخرى، وتجمع أحزاباً برلمانية وشخصيات وطنية وخبرات قد تساهم في الإنقاذ، والأهم هو سرعة الخروج بحلول".

وأشار إلى أنه "متفائل على الرغم من محاولات البعض المناورة والتموقع السياسي، ولكن التونسيين اعتادوا عندما تشتد الأزمة على العودة إلى الطريق السوي والجلوس على طاولة الحوار والاتفاق على حلول. ففي الأزمات وفي كامل أنحاء العالم، وحتى في تلك الدول التي وصلت للعنف، في النهاية تم اللجوء إلى الحوار والتسويات السياسية، وبالتالي فمن المستحسن الوصول إلى حل عن طريق الحوار قبل بلوغ مرحلة العنف".

المساهمون