صعّد الرئيس التونسي قيس سعيّد خطابه ضد معارضيه في الأيام الأخيرة، واصفاً إياهم بشتى النعوت، ما فُهم منهم أنه تعبير عن حالة العزلة التي يعيشها، فيما تستنكر المعارضة كل تصرفات سعيّد، وتتخوف من زوال قيم الديمقراطية.
وكان سعيّد قد قال يوم الأحد الماضي (في إشارة واضحة إلى جبهة الخلاص الوطني): إنهم "يلتقون في العواصم الغربية للتآمر على وطنهم، هؤلاء عملاء لا أكثر ولا أقل، يلتقون مع الجهات المشبوهة ويتلقون الأموال المشبوهة (...) باعوا ضمائرهم وأوطانهم، وهم يتاجرون في المخدرات ويتاجرون مع المخابرات، ثم بعد ذلك يتحدثون عن الوطنية ويتهموننا بالديكتاتورية"، وأضاف مساء أمس الأربعاء، أن "من يتحدث عن إمكانية إسقاط الدولة واهم".
وفي لقاء مع وزيرة البيئة ليلى الشيخاوي، على خلفية أزمة تكدس النفايات في مدينة صفاقس، قال سعيّد إنّ "من يتحدث عن إسقاط الدولة فهو في مزبلة التاريخ ومكانه القمامة التي تركها تتراكم على مدى أسابيع وأشهر".
ولكن التصريح الأخطر هو ما جاء مساء أمس الأربعاء، على لسان محافظ صفاقس فاخر الفخفاخ، الذي وصف بعض الأطراف الناقدة له بأنهم "كلاب سوق"، مطالباً رئيس الجمهورية بإغلاق موقع "فيسبوك"، ليلحق هذا التصريح بعد ذلك بتدوينة قال فيها إنّه كان يقصد بذلك "أصحاب الصفحات التي لا تحترم مواثيق التواصل والصداقة الافتراضية، والذين يبثون الفوضى والأكاذيب ويردّدون الإشاعات المغرضة".
وعبّرت منظمة "أنا يقظ" في بيان لها، أمس الأربعاء، عن "استنكارها للمقاربة الأمنيّة التي تتناول بها السلط الجهويّة مسألة النفايات في صفاقس وخطاب التّهديد المعتمد من قبل والي الجهة فاخر الفخفاخ، أكثر من مرّة، بالإضافة إلى توجهه إلى رئيس الجمهورية وطلبه إغلاق موقع فيسبوك، ونعته للمعارضين لسياسة الدولة البيئية بـ"كلاب سوق"، وهي سابقة خطيرة تكشف مرة أخرى التوجهات المعادية لحرية التعبير لمساندي قيس سعيّد المسيرين لأجهزة الدولة".
ولكن هذا التصعيد لا يتوقف على الهجوم اللفظي فقط، فقد مُنع رئيس حزب آفاق تونس فاضل عبد الكافي أمس الأربعاء من السفر، وأُحيل المحامي مهدي زغروبة مرة أخرى على التحقيق، فيما أُحيل الصحافي نزار بهلول، أول أمس الثلاثاء، على التحقيق بسبب مقال عن رئيسة الحكومة نجلاء بودن، وقبله بأيام تعرض عميد المحامين الأسبق عبد الرزاق الكيلاني، وغيرهم من المدونين والنواب والمعارضين لذات التهمة، وخصوصاً قيادات حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي.
فيما اعتبرت قيادات حركة النهضة في ندوة صحافية عُقدَت اليوم الخميس، أن هناك استهدافاً واضحاً للحركة من طرف السلطة بسبب معارضتها للانقلاب، كذلك هناك قضايا تثار كل أسبوع ضدها، وهناك أيضاً محاولة للسيطرة على القضاء بهدف تصفية الخصوم.
وكانت جبهة الخلاص الوطني قد ردت على هذا التصعيد في بيان عبرت فيه عن "بالغ الاستهجان بشأن التّصريحات الخطيرة الصّادرة عن الرئيس قيس سعيّد بمناسبة الاحتفال بعيد الشّجرة"، ووجدّدت الجبهة رفضها "لإصرار رئيس السّلطة القائمة على تقسيم الشّعب التّونسي على أساس الولاء لشخصه والانخراط في مشروعه الشّعبوي الهلاميّ، واغتنام كلّ المناسبات لكيل الاتّهامات المجانيّة المغرضة لخصومه السّياسيّين".
وأشارت الجبهة، إلى "تعمّد قيس سعيّد التّلبيس على الرّأي العام داخل البلاد وخارجها باستهداف معارضيه بسيل من الاتهامات والافتراءات، من قبيل التّورّط في حرائق الغابات وترويج المخدّرات والتّعامل مع المخابرات والعمالة للخارج".
واعتبرت نائبة رئيس حزب آفاق تونس ريم محجوب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذا التصعيد لا يبشر بأي خير، فهناك إحالات متعددة على خلفية رأي أو نقد وفق المرسوم 54" (أصدر الرئيس سعيّد قانوناً جديداً للجرائم الإلكترونية والمعلومات المضلِّلة في 16 سبتمبر/ أيلول 2022)، مبينةً أنهم "سبق أن حذروا من هذا التماشي".
وأضافت محجوب أن "خوض العمل في المجال السياسي تحول اليوم إلى نضال، فبعد 10 سنوات من الثورة، أو ما سماه البعض العشرية السوداء، تتراجع الحقوق والحريات وهناك عودة للوراء"، مؤكدة أن "هذا لن يمنعهم من التعبير عن رأيهم ومواقفهم، ولا على ممارسة العمل السياسي ومواصلة الطريق الذي اختاروه (...) من سيصمت اليوم سيكون عليه الدور غداً".
وأوضحت المتحدثة أنه "لا يوجد أي سبب لمنع رئيس حزب آفاق تونس فاضل عبد الكافي من السفر، ولكنهم أصبحوا يتوقعون أي شئ، فأن تكون اليوم معارضاً للسلطة، فأنت معرض للمنع وللاستهداف"، مؤكدةً أنهم مستعدون للمواجهة ما داموا قبلوا بالعمل السياسي.
وفي قراءته لهذه التطورات الخطيرة، أكد الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "التصعيد الحاصل دليل على أن الأمور خرجت عن السيطرة من يد سعيّد، خاصة في ظل هذا الفشل الذريع والصعوبات ومخاطر الانهيار الحقيقية". هذه المؤشرات تدل على أن "رئيس الجمهورية أصبح يرتكب الأخطاء يومياً، وهذا دليل على أنه فاشل في إدارة الدولة، وهو ما دفعه إلى تصعيد غير مسبوق في الخطاب، وهو خطاب لا يمكن فهمه إلا بحالة الإحباط والغضب والاحتقان والحقد والكراهية"، مضيفاً أنه "لا يمكن أي إنسان أن يُسير دولة بهذه الطريقة".
ولفت الشابي إلى أن "فتح النار على كل من يتحرك في البلاد وبصفة عشوائية، كما واستهداف كل من له رأي سواء كان معارضاً أم مستقلاً، هو دليل على أن الأمور خرجت عن السيطرة"، منبهاً من أن هذا التصعيد "يأتي قبيل انعقاد القمة الفرانكفونية في تونس (...) بلادنا ستستضيف قرابة 80 وفداً بين وزراء ورؤساء دول وحكومات، وسيسلَّط الضوء على الأوضاع في تونس، ومن بينها الحقوق والحريات، ولكن الدولة ليس لها ما تقدمه أو ما تدافع به".
وبيّن المتحدث أن من "المفروض أن أي دولة حتى لو كانت الأوضاع متردية فيها عندما تحتضن قمة كبيرة، أن تعمل على التهدئة ومعالجة الأوضاع، ولكن شعور من في يده الحكم أن الأوضاع خارج السيطرة وزمام المبادرة فلت من يديه وهو يصارع اليوم من أجل تثبيت حكمه، هو الذي دفعه إلى هذا التصعيد"، مضيفاً أن "هذا يتزامن أيضاً مع انطلاق الانتخابات التشريعية التي أجمع الداخل والخارج على كونها غير مسبوقة من حيث الضحالة وعدم احترام المعايير الدولية".
وتوقف الشابي عند ردود فعل المعارضة وسلوكها إزاء هذا الوضع، منبهاً بقوة إلى أنه يجب أن تكون "الديمقراطية لكل الناس أو لا تكون، وبعض الناس ساندوا الانقلاب الذي حصل في 25 يوليو/ تموز من عام 2021، واعتبروا أنه سينجح في مهمته (...) ولكن ثبت أن نار الاستبداد تلتهم الجميع، وبالتالي اكتشفوا أنهم ساهموا في تركيز هذا المسار وارتكبوا خطأً في حق الديمقراطية، وحتى من كانوا لا يتضامنون مع خصومهم يكتوون بنفس النار، وأصبحوا اليوم ضحايا، ونحن كديمقراطيين موقفنا لا يتغير"، موضحاً أن هذا ليس نكاية فيهم، أو تذكيراً بأخطائهم، بل هي مساندة لـ "كل ضحايا الاستبداد وكل من تنتهك حقوقه بقطع النظر عن الانتماء والتموقع السياسي (...) لقد وقفوا الآن ضد التجاوزات، ويساندون الضحايا الجدد، رغم أنهم كانوا من مناصري الانقلاب، والهدف اليوم تجميع كل الجهود لوضع حد للتجاوزات الحاصلة".