في مدة زمنية تقلّ عن شهر، استخدم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لقب "سيّد المقاومة" أكثر من مرّة، لوصف زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، قبل أن يرد على سؤال صحافي مطلع الأسبوع الحالي، بشأن ذلك، قائلاً: "نعم سيّد المقاومة". ثم أضاف باللهجة العراقية: "وعلى عناد الجميع، مقتدى الصدر سيّد المقاومة". وإذ شدّد الكاظمي على أن "الصدر أوصاه بالعراق فقط"، نفى انتماء وزراء في حكومته لـ"التيار الصدري"، وذلك على الرغم من تصريحات سابقة لقيادات في "التيار" نفسه، أكدوا فيها أن للصدريين أربعة وزراء في الحكومة العراقية الحالية، بينهم وزير الصحة حسن التميمي الذي استقال قبل أيام لثبوت تقصيره في فاجعة مستشفى "ابن الخطيب"، والتي راح ضحيتها عشرات المواطنين. قبل ذلك، سكت الكاظمي عن استعراض مسلّح ضخم نظّمه مسلحو مليشيا "سرايا السلام"، التابعة للصدر، في العاصمة بغداد وفي مدن عدة جنوبي البلاد، مطلع فبراير/شباط الماضي.
وسبق كلّ ذلك، رفض الحكومة العراقية إدانة هجمات لمسلحين يتبعون للصدر، استهدفت ناشطين ومتظاهرين عراقيين في بغداد، وبلدة الناصرية، جنوبي العاصمة. ويفسّر مراقبون ثناء الكاظمي المتكرر على زعيم "التيار الصدري"، بمحاولة الأول كسب حليف سياسي داعم له، للفوز بولاية ثانية على رأس الحكومة العراقية، أو عودة الكاظمي إلى منصبه السابق قبل توليه رئاسة الحكومة، أي رئاسة جهاز الاستخبارات الوطني. في المقابل، ينفي "التيار الصدري" تقديمه أي وعود للكاظمي بشأن ذلك.
يرى مراقبون أن الكاظمي يحاول ضمان بقائه في منصبه أو عودته لرئاسة جهاز الاستخبارات
وفي هذا الصدد، رأى قيادي بارز في "ائتلاف النصر"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، أن "الكاظمي يحاول الحصول على جدار يستند إليه"، متحدثاً عن "اتصالات مباشرة بين الكاظمي ومقتدى الصدر"، وأن الأخير "قدّم دعماً لحكومة الكاظمي، لكن الأخير يحاول ضمان الحصول على دعم الصدريين في مسألة الولاية الثانية، أو عودته لرئاسة جهاز الاستخبارات العراقي، وهو منصب استمر فيه خلال السنوات الأخيرة (قبل نبوئه رئاسة الحكومة)".
واعتبر المصدر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "التيار الصدري يعمل على استغلال الكاظمي في الترويج الانتخابي له، من خلال إعلان الكاظمي عدم مشاركة التيار الصدري في الحكومة وعدم المشاركة في المحاصصة الوزارية، على الرغم من أن الواقع هو غير ذلك، لكن الكاظمي يخشى خسارة دعم التيار في حال قوله الحقيقة". لكن المصدر رأى أن "قضية تجديد ولاية الكاظمي، لا تتعلق بالتيار الصدري وحده، بل هي مسألة خاضعة لتوافقات سياسية، خصوصاً بين القوى الشيعية، وهناك رفض مسبق لهذا الأمر من قبل تحالف الفتح وائتلاف دولة القانون وأطراف أخرى، حتى من غير الشيعية". وتوقع القيادي في "ائتلاف النصر"، أن "يزداد مدح الكاظمي للتيار الصدري وزعيمه مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة (المقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل)، وهذا الأمر يحصل باتفاق الطرفين، وهو دعاية انتخابية مجانية يقدمها الكاظمي للتيار وللصدر، ولكنه يزعج صراحة الأطراف السياسية الأخرى، ويدفعها إلى تشديد رفضها لأي طرح يتعلق بتجديد ولاية الكاظمي".
بدوره، رأى النائب المستقل في البرلمان العراقي، باسم خشان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الهدف من المديح المتكرر للكاظمي لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، هو محاولة كسب دعم من الآن لولاية ثانية على رأس الحكومة". وأكد خشان "مشاركة التيار الصدري في الحكومة الحالية"، وأن له "مناصب مهمة في الدولة العراقية، كحال بقية الأطراف السياسية المتنفذة". أما حديث الكاظمي بغير ذلك، فهو برأيه "محاولة لتغيير الحقيقة، بهدف كسب دعم الصدر وتياره، لكن لا يوجد شيء ثابت في العملية السياسية".
قضية تجديد ولاية الكاظمي لا تتعلق فقط بالتيار الصدري، بل تخضع لتوافقات سياسية
من جهته، اعتبر المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الصدر "كان من أول الداعمين لترشيح مصطفى الكاظمي لرئاسة الحكومة، ولمديح الكاظمي للصدر وتياره أسباب عدّة، منها ردّ الجميل على الترشيح والدعم". ولفت الشريفي إلى أن "الهدف الآخر يكمن في محاولة الكاظمي كسب دعم الصدر وتأييده لحصوله على ولاية ثانية بعد الانتخابات التشريعية المبكرة، على الرغم من أنه أمرٌ صعب لوجود رفض سياسي شيعي لهذا التوجه، كما أن التيار الصدري لا يملك الأغلبية البرلمانية لتجديد الثقة للكاظمي، من دون الاتفاق مع الأطراف السياسية الأخرى". وأضاف المحلل السياسي أن من بين الأسباب الأخرى للمديح، "العمل نكاية بالأطراف السياسية الأخرى والفصائل المسّلحة، التي تواصل العمل على تقويض الدولة العراقية، والتي تسبب الإحراج دائماً للكاظمي أمام المجتمع الدولي، لاسيما ببعض التصرفات الخارجة عن سيطرة الدولة والقانون، وهي تصرفات لا تواجه دائماً بأي رد فعل حكومي عليها".
لكن النائب محمود الزجراوي، عضو تحالف "سائرون" في البرلمان، وهو الجناح السياسي لـ"التيار الصدري"، نفي في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن يكون "التيار" قد قدّم أي وعود للكاظمي بشأن دعمه لولاية ثانية، أو بشأن أي قضايا أخرى. وبيّن الزجراوي أن "ما جاء في حديث الكاظمي ليس بمديح أو محاولة منه لكسب الدعم لولاية ثانية"، مشدداً على أن "لقب سيّد المقاومة للصدر أمر طبيعي، فالصدر هو أول من قاوم الاحتلال الأميركي، وهذا اللقب تطلقه حتى بعض الفصائل المسلحة عليه". ورأى أن "هناك أطرافاً داخلية وخارجية، تسعى إلى محاولة خلط الأوراق بشأن دعم التيار الصدري مرشحاً لرئاسة الوزراء من الآن، على الرغم من أن هذا الأمر غير مطروح إطلاقاً، وهو يتم بعد الانتخابات التشريعية المبكرة، وذلك لدى ظهور حجم كل جهة سياسية في البرلمان المقبل".