نسفت جبهة مأرب تهدئة غير معلنة بين جماعة الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية، مع اندلاع جولة عنف جديدة بين الطرفين خلال الساعات الماضية، بعد توقف دام طيلة شهر من قِبل حلفاء إيران في اليمن، أعقبته رسائل "غزل" صريحة من هؤلاء دعوا فيها السعودية لمراجعة "الصداقات والعداوات".
وللمرة الأولى منذ أواخر يونيو/حزيران الماضي، استأنفت جماعة الحوثيين عملياتها الهجومية في العمق السعودي، وذلك بهجوم مساء السبت بواسطة 4 طائرات مسيّرة من دون طيار وصاروخ باليستي، استهدفت القواعد العسكرية في المنطقة الجنوبية. وجاء ذلك بعدما كانت الفترة الأخيرة قد شهدت إيقاف جماعة الحوثيين هجماتها البرية على مدينة مأرب من الجبهة الغربية في صرواح ورغوان، والجوية على الأراضي السعودية، وانحسرت في المقابل الضربات الجوية لمقاتلات التحالف السعودي الإماراتي في الجبهة ذاتها بشكل لافت.
ووسط تهدئة غير معلنة، يُعتقد أنها تمت برعاية عُمانية، حاولت جماعة الحوثيين تقديم نفسها بديلاً للحكومة اليمنية الشرعية، عندما دعت قيادة التحالف إلى "مراجعة الصداقات والعداوات وتلمّس المكامن الحقيقية لمصالحها وتهديداتها"، وفقاً لتصريحات أطلقها رئيس المجلس السياسي للجماعة مهدي المشاط عشية عيد الأضحى (صادف يوم الثلاثاء الماضي). لكن التصعيد العسكري في مأرب أعاد الأوضاع إلى مربع الصفر، إذ شنّت جماعة الحوثيين هجمات كثيفة صوب مدينة مأرب، هي الأعنف على الإطلاق خلال العام الحالي، وذلك بعد محاولة خنق المدينة النفطية من اتجاهات مختلفة في محافظة البيضاء، مستفيدة من المكاسب التي حققتها في جبهة الزاهر خلال الشهر الماضي.
وقالت مصادر عسكرية حكومية، لـ"العربي الجديد"، إن معارك متواصلة احتدمت على امتداد وادي الجفرة في مديرية رغوان، فضلاً عن معارك في مديرية صرواح ومرتفعات البلق الاستراتيجية، حيث تحاول جماعة الحوثيين تحقيق اختراق ميداني هام صوب سد مأرب التاريخي. وحاولت جماعة الحوثيين الاستفادة من سوء الأحوال الجوية، الذي شوّش على مقاتلات التحالف، في تجاوز التحصينات الدفاعية الرئيسية للجيش اليمني ورجال القبائل، إلا أن الطيران الحربي شنّ سلسلة غارات أدت إلى تباطؤ وتيرة الهجوم، وفقاً للمصادر. وذكرت المصادر أن الأرتال الحوثية المهاجمة تعرضت لأكثر من 30 غارات جوية خلال الـ24 ساعة الماضية من مساء السبت ونهار الأحد، وهو ما جعل جماعة الحوثيين تلجأ لإرباك التحالف باستهداف قاعدة خميس مشيط الجوية، التي تنطلق منها الطلعات الجوية على مواقعهم غربي مأرب.
انتهى الزحف الحوثي من دون أي تقدّم حقيقي على الأرض
ولم تحقق الهجمات الحوثية، التي امتدت من وادي الجفرة غرب مديرية رغوان إلى جبال الكسارة، الهدف المطلوب. وحسب مصدر قبلي، فقد انتهى الزحف الحوثي من دون أي تقدّم حقيقي على الأرض. ومع سقوط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين، لم يكن أمام باقي المجموعات الحوثية سوى التراجع أمام الضربات الجوية للتحالف ومدفعية الجيش اليمني، وتمكّنت القوات الحكومية بعدها من اغتنام كميات من الأسلحة التي تركتها المليشيات في وادي الجفرة.
وقالت وزارة الدفاع اليمنية، في بيان أمس الأحد، إن العشرات من عناصر المليشيات الحوثية، قتلوا في معارك استمرت لساعات في الجبهات الغربية والجنوبية الغربية لمدينة مأرب. من جهتها، تحدثت مصادر عسكرية حكومية عن أكثر من 40 قتيلاً وجريحاً في صفوف الحوثيين، فيما لم يتم الإعلان عن حجم الخسائر في صفوف الجيش الوطني ورجال القبائل، وتتكتم وزارة الدفاع اليمنية كالعادة عن أرقام الخسائر في صفوفها منذ بداية التصعيد مطلع فبراير/شباط الماضي. لكن قائد المنطقة العسكرية الثالثة في الجيش اليمني اللواء الركن منصور عبد الله ثوابه أعلن، في بيان أمس، مقتل 200 مسلح حوثي وإسقاط سبع طائرات مسيّرة للجماعة في محافظة مأرب. وأوضح أن "قوات الجيش والمقاومة تمكنت خلال الأسبوعين الماضيين من كسر عشرات الهجمات الحوثية، التي شنتها على مواقع في عدة جبهات في مأرب". وأضاف أن "مليشيا الحوثي خسرت أكثر من 200 من عناصرها لقوا مصرعهم، بينهم قيادات ميدانية، إضافة إلى مئات الجرحى".
فيما قال مصدر عسكري لـ"العربي الجديد" إن هناك خسائر في صفوف الجيش الوطني والمقاومة، لكنها لا تُقارن بالخسائر في صفوف الحوثيين الذين دفعوا بنحو 12 نسقاً من المهاجمين، وكانت عملية اصطيادها سهلة من وراء المتاريس الدفاعية، وكذلك الضربات الجوية التي استمرت بفاعلية كبيرة على الرغم من سوء الأحوال الجوية. وعادت مواكب التشييع في صنعاء هي الأخرى إلى الواجهة بعد انحسار لافت طيلة الأسابيع الماضية، وشيّعت جماعة الحوثيين، خلال الساعات الماضية، 11 عسكرياً، بينهم قياديون ميدانيون رفيعو المستوى، يحملون رُتب عميد وعقيد.
خسائر في صفوف الجيش الوطني والمقاومة، لكنها لا تُقارن بالخسائر في صفوف الحوثيين
وتحاول جماعة الحوثيين إطباق الحصار على مدينة مأرب، التي تضم أكبر تجمّع للنازحين على مستوى اليمن، من اتجاه صرواح ورغوان، فضلاً عن قيامها بفتح جبهة جديدة في مديرية ناطع والالتفاف من جهة محافظة شبوة.
وفي خضم تصاعد المعارك، تبادل الجيش اليمني وجماعة الحوثيين، أمس الأحد، عشرات الأسرى والجثامين في جبهات البيضاء ومأرب. وقال المتحدث الرسمي لـ"مقاومة البيضاء" عامر الحميقاني إن وساطة قبلية نجحت في تبادل 24 أسيراً وجثماناً من الجانبين في جبهة الحازمية. وذكر الحميقاني، في تغريدة على موقع تويتر، أنه بموجب الصفقة، فقد تسلمت مقاومة الحازمية بالبيضاء 8 جثث لمقاتلين سقطوا في معارك الأيام الماضية، فضلاً عن 5 أسرى، فيما تم تسليم الحوثيين 10 أسرى وجثة لأحد مقاتليهم. وفي جبهة مراد جنوبي مأرب، تبادلت القوات الحكومية والحوثيين 18 أسيراً وجثتين بالتساوي من الطرفين.
ويسعى الحوثيون لاستغلال الفتور الدولي الذي طغى على جهود إحلال السلام في اليمن، وخصوصاً مع تعثر تعيين المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، فضلاً عن انتهاء مهام سفراء أبرز الدول الكبرى الفاعلة في الملف اليمني، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا. وتناقلت مصادر دبلوماسية أن الصين لم تعلن بعد موافقتها على تعيين السويدي هانس غروندبرغ، على الرغم من موافقة باقي الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. ومن الواضح أن جماعة الحوثي تسعى من وراء التصعيد الجديد إلى تنفيذ خطوات تستبق استئناف الجهود الدبلوماسية، بما يمكّنها من فرض شروطها السابقة والمتعلقة بفصل الجانب الإنساني عن السياسي والعسكري في مبادرات السلام المطروحة.
وفي الأيام الماضية، أعلنت الجماعة أنها لا تقدّم "اشتراطات تعجيزية" في مسألة مفاوضات السلام المتعثرة، بقدر ما تطالب بالحد الأدنى من "الحق القانوني والإنساني للشعب اليمني كمفتاح لبناء الثقة وإدارة عجلة السلام إلى الأمام". وانتقد الحوثيون الاتهامات الموجهة لهم بالرغبة في إطالة الحرب، والمعارك لا تزال قائمة، لافتين إلى أنه سيكون من حق المجتمع الدولي توجيه تلك الاتهامات في حال توقفت الغارات الجوية ورُفع الحصار والاحتلال ثم وجدوهم بعد ذلك يواصلون الحرب.