مع تنامي مخاوف واشنطن حيال النفوذ الصيني والروسي، بدأ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن جولة واسعة في المنطقة تشمل الأردن ومصر وإسرائيل، في محاولة لترميم علاقات الولايات المتحدة مع دول المنطقة حتى وإن كان ذلك على حساب القضايا المرتبطة بالأزمات الإنسانية وملف انتهاكات حقوق الإنسان في تلك الدول.
وبدأ أوستن جولته بزيارة العاصمة الأردنية عمان ومنها انتقل إلى مصر، الأربعاء، قبل ختامها المقرر غدا الخميس بلقاء مسؤولين إسرائيليين في مطار بن غوريون بدلاً من تل أبيب على خلفية الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي، وتأتي هذه الزيارة في أعقاب زيارات رفيعة المستوى للمنطقة أجراها كلّ من مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، ومدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي.
وتتصدر هذه الجولة عدة ملفات أبرزها الملف الإيراني والنفوذ الصيني، وبصورة أقل التوترات التي تشهدها الضفة الغربية قبيل شهر رمضان المتوقع أن يكون ساخناً أمنياً.
حسم في الملف الإيراني
ويبدو أن الزيارة تأتي لإيجاد مقاربة مدفوعة بضغط إسرائيلي لاعتماد خيار عسكري لحسم الملف النووي الإيراني، في ضوء ما تورده التقارير الغربية عن تعاون عسكري بين طهران وموسكو في ساحة الحرب الروسية الأوكرانية.
وحذّر وزير الدفاع الأميركي، في تصريحات صحافية من العاصمة الأردنية عمان، مما وصفه بتطور العلاقات العسكرية "التي لا يمكن تصورها" بين روسيا وإيران، مجددا التزام واشنطن تجاه قضايا المنطقة "على المدى الطويل".
وفي حين أكدت تقارير عدة إرسال إيران طائرات مسيرة لمساعدة روسيا في حربها على أوكرانيا، الأمر الذي نفته طهران أوّلًا قبل أن تقرّ بأن الطائرات أرسلت قبل بدء الحرب؛ قال اوستن إن الإيرانيين اكتسبوا المزيد من الخبرة في استخدام طائرات بدون طيار في أوكرانيا، معتبرا أن "هذا لا يبشر بالخير للمنطقة".
ويقول مسؤولون غربيون، وفقا لصحيفة "فاينانشال تايمز"، إن طهران زودت موسكو بطائرات مسيرة استخدمتها لاستهداف البنية التحتية المدنية الأوكرانية، وتدرس أيضا تقديم صواريخ باليستية.
وأضاف أوستن أن الولايات المتحدة تتوقع أن تقدم روسيا تكنولوجيا عسكرية لإيران، لم يحدد ماهيّتها، مقابل تكنولوجيا الطائرات بدون طيار.
وقبل أيام، كان السفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل هرتسوغ، قد ذكر أن وجهتي نظر تل أبيب وواشنطن "أقرب بكثير" من أي وقت مضى بشأن الملف النووي الإيراني.
وأضاف هيرتسوغ، لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن إبرام اتفاق نووي مع إيران "ليس خيارا مطروحاً"، واصفا ما يحدث في إيران اليوم من قلاقل داخلية بـ"اللحظة الحاسمة التي يمكن استغلالها في التفكير الاستراتيجي ضد طهران".
ترميم العلاقات في وجه النفوذ الصيني
وتركز جولة أوستن بالتوازي مع الملف الإيراني، على صد النفوذ الصيني في المنطقة، وردم الفراغ الذي أحدثته واشنطن خلال الأعوام الأخيرة التي توّجت بانسحاب من أفغانستان وبالحرب الروسية على أوكرانيا.
ونقلت "فاينانشال تايمز" عن الباحث والمستشار التفاوضي السابق في وزارة الخارجية الأميركية آرون ديفيد ميللر، قوله إن "ما حدث في عهد (الرئيس السابق دونالد ترامب، وخاصة إدارة (الرئيس الحالي جو) بايدن، كان بمثابة إلغاء عام للأولوية لعدد من القضايا في الشرق الأوسط".
وأضاف أن جولة أوستن ترتبط بالاهتمام الصيني المتزايد بالمنطقة، خاصة بعد ما أفرزته قمة الرئيس الصيني شي جين بينغ في ديسمبر/كانون الأول مع قادة الخليج في الرياض.
الولايات المتحدة لا يمكنها أن تتخذ سوى خطوات محدودة ضد مصر وحلفاء آخرين بشأن قضايا حقوقية إذا أرادت تجنب اكتساب القوى المتنافسة نفوذاً، في إشارة إلى الصين وروسيا
واعتبرت الصحيفة أن النفوذ الإقليمي لكل من مصر والأردن تضاءل أكثر منذ أن أقامت إسرائيل علاقات دبلوماسية مع الإمارات والبحرين والمغرب من خلال ما يسمى باتفاقات أبراهام لعام 2020، في ضوء المخاوف المشتركة بشأن إيران، وانكفاء السياسة الأميركية.
وخلال زيارة أوستن لمصر، الأربعاء، أكدت تقارير أن ملف حقوق الإنسان سيكون على الطاولة، في حين أن تعزيز العلاقات الثنائية الأخرى سيحظى بالاهتمام الأبرز، ضمن مهمة واشنطن في استعادة ثقة حلفائها في المنطقة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي رفيع المستوى، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله إنه يتوقع أن يتحدث أوستن عن حقوق الإنسان واحترام الحريات الأساسية.
وفي هذا السياق، قال السناتور الديمقراطي الأميركي كريس مورفي لـ"رويترز": "لا ينبغي أن تحصل مصر على شيك على بياض من الولايات المتحدة عندما تواصل انتهاك حقوق الإنسان الأساسية، وآمل أن ينتهز وزير الدفاع هذه الفرصة لإيصال تلك الرسالة إلى الرئيس السيسي".
في المقابل، يرى بعض المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين، وفقا لـ"رويترز"، أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تتخذ سوى خطوات محدودة ضد مصر وحلفاء آخرين بشأن قضايا حقوقية إذا أرادت تجنب اكتساب القوى المتنافسة نفوذًا، في إشارة إلى الصين وروسيا.
وفي معرض تعليقه على مسألة تطرق أوستن لحقوق الإنسان في مصر خلال زيارته؛ قال الكاتب بيتر إيزاكسون، في مقال نشره على موقع "أوبزيرفر"، متسائلا عن مدى حقيقة القلق الأميركي بشأن هذه القضية، إن "المشكلة التي تهم الولايات المتحدة ليست الحرب والإرهاب والفقر والأنظمة الديكتاتورية وأزمات اللاجئين المتكررة والاقتصادات المدمرة؛ بل دور الصين المتنامي".
منع التصعيد في الضفة الغربية
وفيما لا يبدو أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يحظى بالاهتمام الأبرز على جدول الزيارة، ذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز" أن أوستن سيلتقي بكبار المسؤولين الإسرائيليين، وسيثير قلق واشنطن بشأن العنف المتزايد في الضفة الغربية المحتلة قبل رمضان، وعيد الفصح اليهودي.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي كبير قوله إن أوستن "سيكون صريحًا تمامًا مع القادة الإسرائيليين حول مخاوفه بشأن دائرة العنف في الضفة الغربية وسيتشاور بشأن الخطوات التي يمكن للقادة الإسرائيليين اتخاذها لاستعادة الهدوء بشكل هادف قبل الأعياد المقبلة".
كما سيتطرق إلى حركة الاحتجاج العارمة التي تشهدها إسرائيل جراء التعديلات القضائية التي يعكف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على تمريرها.