تأخذ كل من كوبنهاغن واستوكهولم، التهديدات المتزايدة من أطراف يعتقد أنها مرتبطة بتنظيم القاعدة، على محمل الجد، بعد نحو شهرين على أحدث موجات إحراق المصحف.
واعترف جهاز الاستخبارات السويدي (سابو) بشكل ضمني أن التهديدات بأعمال إرهابية ضد السويد هي جدية وحقيقية. وكان رئيس الحكومة أولف كريسترسون قد ذكر أن الأمن السويدي يبحث بصورة دائمة عمن لديه القدرة والدافع لترجمة التهديدات إلى أعمال على أرض الواقع، مشيراً إلى أنه "جرى إبلاغي بالأمر، ويتعلق ذلك بالكثير من التهديدات".
وانتشرت أخيراً مقاطع مصورة تتضمن تهديدات باستهداف السويد، نسبت غالبيتها، بحسب متخصصين أمنيين وباحثين، إلى "القاعدة". ونقلت وسائل الإعلام السويدية عن هؤلاء أن "الدعوات إلى العنف (ضد السويد) أصبحت أكثر تحديداً من ذي قبل، وتستهدف من بين أمور أخرى ضباط الشرطة وحارقي نسخ من المصحف".
وتثير مرافقة الشرطة السويدية لمنفذي عمليات الحرق سجالاً كبيراً، ويستنتج بعضهم أن الشرطة السويدية "تؤيد حرق المصحف"، طالما تحمي الفاعلين. لكن قوانين التظاهر السويدية تفرض تواجد الشرطة لحماية من يريد التعبير عن رأيه، أو لتنظيم السير إن كانت تظاهرة سيارة.
أيضاً، فرضت التهديدات بحق المتطرف راسموس بالودان على أجهزة الأمن السويدية والدنماركية تقديم حراسة شخصية للرجل المثير للجدل.
ويفاقم "الاستفزاز"، وفق تعبير السياسيين الرافضين لتلك الأعمال، من مشاعر الغضب والإحباط في صفوف الجاليات المسلمة في كل من الدنمارك والسويد، وهو ما يستغله "الحارقون" لإثارة المزيد من الضوضاء والتغطية الإعلامية، وأحياناً يصب تدخل الشرطة لمنع بعض المارة "تخريب" الفعالية في إضفاء صورة أن الأمن يقف مع الفاعلين.
التهديدات بأعمال ضد السويد والدنمارك يراها رئيس المركز الوطني للتهديدات الإرهابية في استوكهولم آهن زا هاغستروم، انعكاساً لتصوير السويد دولة "معادية للمسلمين".
ويبدو أن قضية حرق نسخ المصحف لا تخلو من توظيف سياسي، عبر زجها في قضايا سياسية تتعلق بالنزاع بين الغرب من جهة وكل من موسكو وطهران من جهة أخرى، فتنسب بعض تلك التهديدات تارة إلى جماعات مرتبطة بطهران، وتارة إلى قراصنة روس.
مع ذلك تبقى التهديدات المنسوبة إلى القاعدة "خطيرة بشكل استثنائي"، كما يراها رئيس الأبحاث في "أكاديمية الدفاع السويدية" والباحث في مجال مكافحة الإرهاب في أوروبا، مانوس رانستورب، معللاً ذلك بأن لـ"القاعدة شبكة كبيرة إلى حد ما، ومن المقلق للغاية تشجيعهم على قتل الدنماركيين والسويديين". ونقل التلفزيون السويدي، "أس في تي"، عن الخبير نفسه أنه "رغم أننا شهدنا في السابق تهديدات مماثلة من داعش والقاعدة إلا أن التهديد الجديد المرتبط بحرق المصحف هو تهديد أوسع بكثير، ويجب أن يؤخذ بأعلى درجات الجدية".
من ناحيته، أكد كبير المحللين في مركز أبحاث أوروبا ياكوب كارسبو، وهو محلل سابق في الاستخبارات العسكرية الدنماركية (إف أي)، أن تهديد القاعدة الجديد "هو الأكثر وضوحا منذ أزمة النبي محمد" (في العام 2005). وذكر لصحيفة "بيرلنغسكا" الدنماركية، وسط سجال دنماركي حول ما إذا كان يتوجب تبني المشرعين لقانون يحظر حرق المصحف أمام سفارات الدول، أنه "يجب أن نشعر بالقلق بالتأكيد، فهذا وضع خطير وفيه تصعيد كبير لأشكال التهديد".
يأتي دخول "القاعدة"، عبر فيديوهات منسوبة إليها على موقع "سحاب"، على خط التهديد المباشر للدنمارك والسويد، "بعد فترة من تصوير البلدين على أنهما يقومان بهجوم منسق ضد جميع المسلمين، وبمشاركة الشعبين والحكومتين"، وفقاً لوصف الباحث في التيارات الإسلامية المتشددة تور ريفسلوند هامينغ، في تصريحه لـ"بيرلنغسكا".
وفي واحدة من رسائل التهديد ورد: "يا أهل الإسلام في السويد والدنمارك وكل أوروبا: واجب الانتقام يقع عليكم"، وهو ما ترجمته الصحافة في البلدين، ما نشر حالة من الذعر خلال الأيام الماضية، ومعها نظرة توجس حيال المسلمين، وانطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تستهدف المصحف وقيام البعض بحرق نسخ منه، حتى أن "المصحف" تحول في الأيام الماضية إلى تريند على منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، في البلدين.
وأشار الباحث رانستورب من أكاديمية الدفاع في استوكهولم، إلى أن رسائل التحريض واضحة "فهي تقول اقتلوا كل من يشارك بحرق المصحف، احرقوا السفارات واقتلوا الدبلوماسيين، من خلال خلايا صغيرة"، مشيراً إلى أن خطورة ما يجري هو اعتبار كل المسلمين في البلدين يتحملون "واجب مهاجمة بلديهما السويد والدنمارك".
رغم ذلك، يعتقد محللون أمنيون أن الاستهدافات ليست بالضرورة قد تحدث فوق أراضي البلدين، بل يمكن أن يجري "استهداف للسفارات والدبلوماسيين حول العالم"، وفقاً لاعتقاد الباحث والمحلل الأمني كارسبو.
في الأسابيع الأخيرة، تعيش الأجهزة الأمنية في السويد والدنمارك حالة استنفار ومراقبة دقيقة لما يسمى "البيئات المتطرفة"، التي هي بالأساس تحت المراقبة منذ نحو 18 سنة في البلدين، هذا إلى جانب الطلب الضمني من جمهور البلدين "أن يكونوا واعين"، لكن دون إثارة رعب، باعتبار أن مطلقي التهديدات "يريدون تخويف الناس، وأفضل ما يمكن عمله ألا نسمح لهم بذلك"، وفقا لرانستورب.