كشفت مصادر ليبية مطلعة عن نشاط دولي كثيف لحلحلة الملفات المعرقلة لمسار عقد الانتخابات الليبية، وعلى رأسها ملف القوات الأجنبية والمرتزقة، بالتزامن مع سعي أممي للدفع بالمفاوضات الليبية للتوافق على أساس دستوري للانتخابات.
وتوافقت معلومات المصادر حول انتظار الأطراف الليبية نتائج اجتماع ممثلين روس وأتراك وبمشاركة أممية للاتفاق على خطة تنفيذية لبدء انسحاب قواتهما من ليبيا، مشيرة إلى أن القادة الليبيين يأملون في أن يبدأ تنفيذ الخطة قبل نهاية العام الجاري.
وقالت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، إنّ لموقف رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، أثناء مشاركته في جلسة مجلس الأمن الخاصة بليبيا، الأسبوع الماضي؛ دوراً في الدفع بهذا الاتجاه، حيث أكد على رفض حكومته لاستمرار وجود القوات الأجنبية في ليبيا، وشدد على ذلك في لقاءاته الخاصة بعدد من المسؤولين المشاركين في الجلسة.
لكن المصادر أشارت إلى أنّ هذا التوجه المرجح أن تتولاه ألمانيا وبتنسيق مع الأمم المتحدة؛ لا يزال يواجه عقبات تتمثل في إصرار موسكو على الإبقاء على الوضع العسكري في حال الجمود الراهنة، وتأجيل تطبيق بقية بنود الاتفاق العسكري الخاصة بانسحاب القوات المتصارعة في ليبيا من نقاط التماس، كشرط للموافقة على انسحابها.
وفي مزيد من التفاصيل، قالت المصادر إن البعثة الأممية ناقشت مع المجلس الرئاسي والحكومة وقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر مقترحاً أوروبياً قدمته فرنسا، ويحظى بدعم أميركي بشأن إضافة وظيفة جديدة للبعثة الأممية، من خلال إنشاء لجنة تمسك بزمام الملف الليبي، بقوام ضباط من عواصم محايدة تشرف على نشر مراقبين دوليين في نقاط التماس، كخطوة أولى في طريق تكوين قوة أمنية ليبية مشتركة من كل الأطراف الليبية.
ووفقاً لمعلومات المصادر، فإن كل هذه الخطوات ترتقب نتائج اللقاء الروسي التركي، الذي لن يكون معلناً، بسبب اختلاف الموقفين الروسي والتركي على شكل تواجدهما في ليبيا؛ ففيما ترفض موسكو الاعتراف بأي وجود عسكري لها في ليبيا، ترفض تركيا وصف وجودها العسكري في ليبيا بغير الشرعي.
ومن بين العقبات التي طرحها الجانب الليبي أمام البعثة الأممية قضية قبول دول الجوار الأفريقي بمقاتلي حركات التمرد الأفريقية التي تقاتل في صفوف مليشيات حفتر، عند بدء إجلائها من ليبيا، وضرورة أن يولي المهتمون الدوليون مسألة القوات الأجنبية اهتماماً مماثلاً بمسألة المرتزقة الأفارقة.
وبالتزامن أعلنت قيادة خليفة حفتر إرسالها وفداً عسكرياً إلى موسكو، بحسب منشور للمتحدث الرسمي باسم إدارة التوجيه المعنوي بقيادة حفتر، خالد المحجوب، على صفحته الشخصية، أمس الأربعاء، دون أن يذكر أسباب الزيارة وهدفها، لكن السياسي الليبي والدبلوماسي السابق جبران الزروق رجح أنّ الزيارة لها علاقة بالتفاهمات الروسية التركية المنتظرة.
وحول شرط موسكو تأجيل تطبيق انسحاب طرفي الصراع من نقاط التماس، وسط البلاد؛ يؤكد الزروق، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ موسكو ترى هذا الشرط "ضامناً لانخراط حفتر أو شخصيات مقربة منه في الانتخابات والقبول بنتائجها أيضاً"، لكنه في الوقت ذاته يعبر عن شكوكه في نية روسيا الانسحاب الكامل من ليبيا.
وكان نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي، أكد أنّ بلاده "تؤيد انسحاباً تدريجياً لكل القوات الأجنبية من ليبيا"، لكنه استدرك في كلمته في جلسة مجلس الأمن الخاصة بليبيا، الأسبوع الماضي، أنّ بلاده تؤكد في الوقت ذاته على "عدم الإخلال بتوازن القوى الحالي على الأرض، لأنه بفضل هذا التوازن لا يزال الوضع في ليبيا هادئاً، ولم تظهر تهديدات بتصعيد مسلح".
ويتساءل الزروق: "كيف سيحدث التوازن على الأرض وحفتر يسيطر على أغلب أجزاء البلاد؟ ولم يتمكن من ذلك دون الدعم الروسي، وعلى فرض انسحاب فاغنر من ليبيا، فلا يمكن لحفتر الصمود دون السلاح والمقاتلات الروسية التي ستبقى قريبة".
ونفى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، علمه بوجود مفاوضات روسية تركية في هذا الشأن، بحسب تصريحاته لوكالة "رويترز"، السبت الماضي، لكنه رحب في الوقت ذاته بأية خطوة من شأنها انسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد.
ويعتقد الزروق أن نفي الدبيبة علم حكومته بهذه المفاوضات "تعبير غير دقيق، وهو يريد تجاوز التصريح بالتدخل العسكري الروسي في ليبيا، الذي تصر موسكو على إنكاره، أملاً في استثمار علاقته الحسنة مع الجانب الروسي"، معتبراً أن قضية التدخل الأجنبي في ليبيا "تتجاوز قدرات الفاعلين الليبيين، وأصبحت قضية دولية تتصل بمصالح الكبار".
ويرجح الزروق أن إرسال حفتر ممثلين عنه لروسيا يأتي بهدف التباحث في الشكل والكيفية لوضعه العسكري، لكنه يلفت إلى طرف دولي مؤثر في ملف المرتزقة، هو فرنسا. وقال: "فرنسا تتحرك أيضاً في هذا الملف، ولا يمكن إبعادها لكونها تمتلك رصيداً قوياً في عواصم أفريقية مجاورة لليبيا، يمكنها من خلاله تليين مواقف تلك العواصم الأفريقية الرافضة لقبول عودة المقاتلين المرتزقة لبلدانهم".
ويرى الدبلوماسي الليبي السابق أن الوثيقة الأوروبية التي سربها موقع "إي يو أوبزيرفر" مؤخراً، هي مقترح فرنسي يمثل جزءاً من الرؤية الأوروبية لمعالجة تأثير القوات الأجنبية في ليبيا على أوضاعها، ويظهر استمرار الانزعاج الفرنسي من الوجود التركي في ليبيا، مشيراً إلى أن ألمانيا تسعى في اتجاه آخر من خلال الوساطة بين روسيا وتركيا.
وفي كل الأحوال يرى الزروق أن نجاح كل هذه المساعي مرتبط بقدرة المبعوث الأممي يان كوبيتش على إقناع الأطراف الليبية باستئناف المفاوضات وتقديم تنازلات في ملفات مستعصية، كملف الميزانية والمناصب السيادية التي بدأت تلوح من خلال مؤشرات انقسام داخلي حاد.