أطلق الاحتلال الإسرائيلي مجدداً في الأسبوع الأخير حرباً دعائية واضحة لاستباق تصعيد العدوان المتواصل على الضفة الغربية المحتلة وضد عناصر المقاومة المنظّمة في "حماس" و"الجهاد"، كما على العناصر الفدائية المستقلة عن التنظيمات. فقد عاد ناطقون بلسان الجيش والمراسلون العسكريون، ومحافل مختلفة، إلى "التحذير" مما تحمله الأشهر المقبلة، ولا سيما الشهر المقبل مع حلول شهر رمضان، تمهيداً لتصعيد عنيف في العدوان الذي أُطلق العام الماضي تحت مسمى "كاسر الأمواج".
وتعيد "التحذيرات والقراءات" الإسرائيلية للأوضاع المتفاقمة في الضفة الغربية إلى الأذهان الأسلوب المخادع نفسه في الادعاء بأن العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية هو "حملة" عسكرية هدفها الدفاع عن الذات، ومنع العمليات الفدائية، و"إعادة السيطرة على شمالي الضفة الغربية". ويأتي ذلك بزعم أن اقتراب شهر رمضان، وإقامة الصلوات فيه بكثافة في المسجد الأقصى، ولا سيما صلاة التراويح، ترفع، بحسب زعم الاحتلال، من الدافعية لتنفيذ عمليات ضد الاحتلال.
ويهدف الاحتلال من وراء تكرار هذه الحملة الدعائية، التي يتلقّفها بعض العرب أحياناً، إلى إخفاء نواياه بتكثيف العدوان المستمر منذ العام الماضي، وتحميل المسؤولية للتدهور المتوقع في الأوضاع الأمنية، أي استمرار وترشيد العمليات الفدائية والمقاومة الفلسطينية، للجانب الفلسطيني الرسمي، لا سيما بعد مطالبة الولايات المتحدة السلطة الفلسطينية بتبنّي خطة أمنية جديدة لتحقيق "الهدوء".
وكانت القناة الإسرائيلية العامة قد كشفت في 15 فبراير/ شباط من العام الماضي، وثيقة عسكرية وضعها قائد قوات الاحتلال في الضفة الغربية، العميد أفي بلوط، تفيد بأن الجيش بدأ يستعد تحت ذريعة اقتراب رمضان، لحملات عسكرية مكثفة، ورفع حالة التأهب في صفوف جنوده لهذه الغاية. وغلّفت الوثيقة هذه الاستعدادات ومسوغاتها بأنها تأتي بفعل اقتراب شهر رمضان وما تحمله المشاعر الروحية والإيمانية فيه من قدرة على رفع الدافعية لتنفيذ عمليات فدائية، بما في ذلك لأن رمضان تزامن العام الماضي، وهذا العام أيضاً، مع عيد الفصح اليهودي، حيث تزداد فيه اقتحامات المسجد الأقصى.
وفي نظرة إلى الوراء، يبدو اليوم أن الاحتلال يعتزم تكرار الأساليب نفسها في الحرب الدعائية الاستباقية لتبرير مواصلة العدوان على الضفة الغربية، لكسر أي احتمال لتطور عمليات المقاومة. كما يريد في الوقت نفسه تنفيذ مرحلة أخرى في مخطط تكريس التقسيم الزماني في السجد الأقصى، وسط تثبيت إخراج المصلين المسلمين من باحاته أو حبسهم داخل المصلى القبلي، بينما يقتحمه المستوطنون ويؤدون شعائرهم التوراتية بحرية مطلقة.