بشكل سريع ومفاجئ، انتظمت مسارات الحل الليبية في مركِب التسويات الممهدة له، أمنياً واقتصادياً، في بوزنيقة وجنيف ثم غدامس، لكن ما إن وصل المركب إلى تونس حتى بدت التعثرات واضحة. فعلى الرغم من التطمينات ولهجة التفاؤل التي كانت تتحدث بها قائدة المركب، رئيس البعثة الأممية ستيفاني وليامز، فإن قناعة سادت بأن الملتقى فشل في التوافق على ما أقره المسار الدولي، بشأن ضرورة إنتاج سلطة جديدة، ما اضطر وليامز للإعلان عن جولة جديدة للملتقى. وحتى هذه الجولة، التي بدأت الإثنين الماضي، كانت بحاجة لاجتماع ثانٍ، وربما ثالث ورابع وحتى أكثر، على غرار الصخيرات قبل خمس سنوات.
وفي وقت يسيطر فيه الصمت المطبق على منصات المؤتمرات الصحافية، في مختلف مراكز السلطة، سواء في طرابلس أو في بنغازي وطبرق، لا سبيل للمتابع إلا النظر للتسريبات من مصادر متصلة باجتماع طنجة، حيث يلتقي أكثر من 100 نائب، كانوا سابقاً وراء التحريض على الحرب، بينما يجتمعون اليوم لـ"توحيد مجلس النواب"، أو التسريبات المتصلة بأعضاء الملتقى الذين يواصلون الجولة الثانية عبر الفيديو، من دون أن تصل جزئيات تلك التسريبات لرسم صورة، ولو تقريبية، لمستقبل الأوضاع.
أما خارجياً فالصراع والتنافس كما هو، تقارب تركي وروسي بشأن ليبيا، وخلاف تركي أوروبي لا تزال تجلياته واضحة في تفتيش سفينة تركية من قبل سفن عملية "إيريني" الأوروبية. ولا شك في أن هذا التنافس يؤثر على الجهود التي تدفع باتجاه رسم معالم المرحلة المقبلة في ليبيا، ولا يمكن نكران هذا فأبرز الشخصيات المرشحة لشغل المناصب المقبلة لا تزال تحجّ إلى عواصم الدول الكبرى، أبرزها فتحي باشاغا الذي زار عواصم عدة آخرها باريس، وعقيلة صالح الذي توجه إلى موسكو، لحشد الدعم.
ومقابل ما تتوقعه أطياف من المراقبين من أن كل الملفات الساخنة، وليس الملف الليبي فقط، تنتظر وضوح الصورة في البيت الأبيض، يرى جانب آخر من المراقبين أن مركب الحل توقّف قليلاً عند المحطة الأخيرة في المسار السياسي. فكما أفضى اتفاق الصخيرات إلى انقسام سياسي وعسكري بين طرفين، يبدو أن الاتفاق الجديد، المعدّل من الصخيرات، بمفرداته التي تتحدث عن ثلاثة أقاليم، سيكرّس حالة تنتهي إلى التقسيم الحقيقي، وقبل أن تصل البلاد إلى انتخابات "وطنية" سيستفيق الجميع على أن تلك المسارات لم تنتج حلاً للأزمة بل أزمة حل.