داخلياً، تبدو "حماس" قوية بجناحها العسكري، كتائب القسام، الذي تحول إلى "جيش" يعمل ليل نهار للإعداد لأي مواجهة مع إسرائيل، لا تريدها الحركة حالياً نتيجة الظروف المعيشية القاسية التي يعيشها مليونا غزّي، ويشاطرها الاحتلال الرغبة نفسها.
سياسياً، ليس وضع الحركة هو الأفضل، أو ذلك الذي تريده، فعلاقاتها السياسية مع الدول تقلّصت بعد الثورات المضادة التي استهدفت ثورات الربيع العربي، وأعادت للحكم أنظمة أكثر قمعية من تلك التي خُلعت على يد الشباب العربي.
ولا تزال "حماس" ترفض الاعتراف أو التفاوض مع إسرائيل، وفي يدها حالياً ملفات يمكن أن تشكل دافعاً سياسياً ومعنوياً وجماهيرياً لها، إذا ما مضت في تبادل أسرى جديد يضاف لتبادلها الأول الذي أطلقت عليه "وفاء الأحرار".
ومع احتفالاتها المناطقية بذكرى انطلاقتها، تتجه "حماس" لإجراء انتخابات داخلية جديدة مع بداية العام المقبل، ومعها ستنتخب الحركة رئيساً لمكتبها السياسي خلفاً لخالد مشعل، الذي انتهت ولايته وأعلن أكثر من مرة عدم رغبته في التجديد.
يقول المتحدث باسم "حماس"، حازم قاسم، لـ"العربي الجديد"، إنّ حركته بعد 29 من الانطلاقة متمسكة بالمبادئ العامة نفسها التي شكلت مكونات تأسيسها، أي أنها حركة تحرر وطني فلسطينية، ترى أنّ حق شعبها هو كامل التراب الفلسطيني، وأنه لا مجال للاعتراف بشرعية الاحتلال على أيّ جزء من الأرض. ويشير إلى أنّ الوصول للهدف الوطني يستلزم حشد كل جهود شعبنا الفلسطيني، والعمل قدر المستطاع على تكوين جبهة وطنية ببرنامج سياسي تجمع عليه القوى الوطنية الفاعلة، يستند إلى الثوابت الأساسية للقضية.
ويوضح قاسم أنّ الشعب الفلسطيني بفعل المقاومة التي مارستها "حماس" وفصائل العمل الوطني، أصبح أكثر تمسكاً بهويته الفلسطينية العربية، وتلاشت إمكانية تذويب هذه الهوية، وبات إصرار الحركة على حرية شعبنا الكاملة أكثر قوة وصلابة.
ويلفت المتحدث باسم الحركة إلى أنّ "حماس" تمتلك برامج للتعامل مع قضايا مختلفة ومتعددة، بحكم نظرتها الإصلاحية للمجتمع، ودورها الميداني المقاوم، والبعد السياسي، التي تهدف في مجملها لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني بالعيش في حرية وكرامة بعد طرد الاحتلال من الأرض الفلسطينية.
ويوضح قاسم أنّ حركته تريد أن تصل سياسياً إلى تكوين جبهة وطنية تضم كل القوى الفاعلة، تستند هذه الجبهة إلى ثوابت الشعب الفلسطيني وعلى أرضية دعم وتصعيد انتفاضة القدس، وتحقيق أوسع إجماع على برنامج المقاومة، كل ذلك بالتأكيد بعد إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية.
عسكرياً، يشدد قاسم على أن "حماس" ستواصل سعيها لامتلاك كل وسائل القوة التي تمكّنها من الدفاع عن شعبها الفلسطيني ومقاومة الاحتلال ثم إكمال مشوار تحرير الأرض الفلسطينية من الاحتلال، وهي ترى أنّ كل القوانين والأعراف تضمن لها وتشرع لها امتلاك أدوات القوة اللازمة لذلك.
وعن الإقليم، يقول قاسم "نريد أن نصل إلى علاقات متوازنة مع كل القوى الإقليمية والسعي لأنّ تساهم هذه الدول في دعم حق الشعب الفلسطيني في الحصول على حريته والانعتاق من الاحتلال". كما يشير إلى سعي حركته لوقف ما سمّاه "تفرد فصيل معيّن بالقرار الفلسطيني وإقرار مبدأ الشراكة في القرار الوطني وتعزيز مبدأ اختيار الشعب لممثليه في الهيئات المختلفة".
وعن علاقات حركته الداخلية والخارجية، يقول قاسم إنّ الانفتاح في العلاقات مع أيّ من المكونات الداخلية أو الإقليمية أو الدولية هو نتاج حراك سياسي لمؤسسات الحركة التي تسعى لتعزيز حضور القضية الفلسطينية في المحافل المختلفة. ويوضح قاسم أنّ حركته تقيم علاقات مع دول داعمة للقضية الفلسطينية وتدعم صمود الشعب على الأرض، وتضع محددات لكل علاقاتها مع الإقليم، مثل عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعدم الاصطفاف بأي شكل كان في الصراع الطائفي المستعر في المنطقة، وعدم مجاملة أي طرف كان على حساب ثوابت القضية الفلسطينية.
ويشدد على أنّ "حماس" تريد أن تصل للمرحلة التي تتجند بها كل هذه الدول لمواجهة المشروع الصهيوني التوسعي، وتجريم أيّ علاقة تطبيع مع الاحتلال، واعتبار أنّ القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى وأنّ إسرائيل هي العدو الأساسي والمركزي للأمة.
وعن الواقع الذي تعيشه غزة، يقول المتحدث باسم "حماس" إنّ القطاع يعيش حالة حصار خانقة يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، وهي جزء من العقاب الجماعي على تمسك شعبنا بخيار المقاومة، وإصرارنا على التمسك بسلاحنا الشرعي. ويلفت إلى أنّ حركته تحاول عبر برنامج متكامل تعزيز صمود شعبها في مواجهة هذا الحصار، وتسعى لتعزيز علاقاتها مع الجوار والدول الإقليمية لرفع هذا الحصار وحرمان الاحتلال من أوراق ضغط وابتزاز ضد شعبنا.
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي، تيسير محيسن، لـ"العربي الجديد"، إنّ تجربة "حماس" بعد مرور 29 عاماً على انطلاقتها شهدت تطوراً في المستويات السياسية والعسكرية والأدبية والدولية للحركة، وهو ما يعطي مؤشرات على أن تراكم التضحيات للحركة جرى استثماره بشكل صحيح.
ويبيّن محيسن أنّ الحركة الإسلامية في غزة باتت جزءاً من الخارطة السياسية الفلسطينية المؤثرة التي يصعب تجاوزها على المستوى المحلي أو حتى المستوى الدولي، فضلاً عن التطور العسكري الذي أصبح يزعج الاحتلال الإسرائيلي في أي مواجهة.
ويشدد محيسن على أن حركة حماس لم تدخل في لعبة التحالفات الإقليمية كثيراً وحاولت بشكل ملحوظ الحفاظ على التوزان في العلاقات المشتركة مع مختلف الأطراف والجهات العربية والدولية على الرغم من الظروف المتقلبة التي يعيشها الإقليم.
ويشير الكاتب والمحلل السياسي إلى أنه على الصعيد التنظيمي وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي عاشتها الحركة والمواجهات العديدة، إلا أن "حماس" حافظت على تماسكها التنظيمي وبنائه بشكل ملحوظ ومميز، وهو ما يحسب لها.
وعن التحديات التي تواجه الحركة، يلفت محيسن إلى أن أكبر تحد يعترضها هو مدى وصولها لمرحلة تقنع جميع الأطراف بها وبنفسها في ظل ما يواجهه تيار الإسلام السياسي في المنطقة العربية والتي هي جزء لا يتجزأ منه.
ويشير محيسن إلى أنّ المستقبل مليء بالألغام والتحديات بالنسبة لحركة "حماس"، لا سيما على الصعيد المحلي الداخلي في ظل استمرار توقف العلاقات الوطنية عند مرحلة الانقسام السياسي وصعوبة تجاوزه حتى اللحظة.
ويرى محيسن أنّ وصول شخصية جديدة لقيادة المكتب السياسي لـ"حماس" مثل إسماعيل هنية، أحد أبرز المرشحين لتولي رئاسة الحركة بعد خالد مشعل، لن يؤدي إلى متغيرات كبرى في سياسة الحركة كونها تميل للعمل المؤسساتي.
ويؤكد محيسن أنّ وصول هنية للمكتب السياسي سيعزز التوجه الموجود لدى قيادة "حماس" بعودة رئاسة الحركة ومكتبها للداخل مجدداً أملاً في التخلص من الضغوط الإقليمية والعربية التي تتعرض لها، وسيكون الأمر أكثر إيجابية من بقائه في الخارج.
بدوره، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة، ناجي شراب، لـ"العربي الجديد"، إنّ أبرز إنجاز حققته "حماس"، وهي تعيش في مرحلة الشباب والقوة حالياً، هي قدرتها على البقاء والاستمرارية على الرغم من الحروب والظروف المحيطة بها.
ويوضح شراب أنّ "حماس" حافظت على استمرارها وأضحت لاعباً رئيسياً على المستوى الإقليمي والعربي والدولي على الرغم من التحديات والعقبات التي واجهتها خلال السنوات الأخيرة بفعل المتغيرات في الإقليم.
وعن التحديات التي تواجه الحركة في القطاع المحاصر منذ عشر سنوات، يشير شراب إلى أنّ "الفقر والبطالة أبرزها كونها ما تزال تحكم غزة"، بالإضافة إلى ملف إدارة العلاقات مع مصر والإقليم والسلطة الفلسطينية والاحتلال.
وينبه شراب إلى أن الشرعية التي تكتسبها حركة حماس في غزة نابعة من شرعية القضية الفلسطينية التي تتطلب من الحركة مراجعة خطابها السياسي وميثاقها الذي كتب قبل 29 عاماً ليتماشى مع الواقع الذي وصلت إليه الحركة حالياً.