استمع إلى الملخص
- **خطاب نتنياهو أمام الكونغرس**: كرر روايته حول حرب غزة، وانتقد بطء تزويد الأسلحة، وأكد عدم سعيه لصفقة تبادل، مروجاً لخطاب التخويف من إيران.
- **تحديات بن غفير**: تصريحات بن غفير حول المسجد الأقصى تعكس الاختلافات السياسية، ويهدف لتعزيز حزبه على حساب نتنياهو الضعيف سياسياً.
كانت زيارات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو السابقة إلى الولايات المتحدة، وخطاباته أمام الكونغرس الأميركي ولقاءاته مع صناع القرار هناك، تعكس مكامن قوته وحضوره السياسي في داخل إسرائيل وفي الساحة السياسية الأميركية أيضاً. ففي العام 2015، زار بنيامين نتنياهو الكونغرس، وألقى خطاباً هاجم فيه الاتفاق النووي مع إيران في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، رغم أنف أوباما وإدارته. ولعب ذلك الخطاب، وبعده تحريض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، دوراً مركزياً في قرار ترامب إلغاء الاتفاق النووي مع إيران فيما بعد.
إلا أن زيارة بنيامين نتنياهو الحالية إلى واشنطن، التي بدأها الاثنين الماضي، مختلفة إلى حد ما. يزور نتنياهو أميركا بصفته رئيس حكومة ضعيفاً داخلياً وغير مرغوب به من قبل الإدارة الأميركية. فقد تحوّل نتنياهو إلى شخصية غير مرغوب بها في الإدارة الأميركية منذ توليه رئاسة الوزراء نهاية 2022، وطرح الخطة الحكومية لتقييد القضاء، التي أزعجت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بشكل كبير، ومنعت دعوته إلى زيارة البيت الأبيض.
كما تأتي الزيارة الحالية في سياق الانتخابات الأميركية، ودعم نتنياهو غير المعلن لترامب، في ظل الخلافات القائمة بين الإدارة الأميركية ونتنياهو حول صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين مع حركة حماس، والخلافات التكتيكية حول إدارة حرب الإبادة على قطاع غزة، وكل ما يتعلق بخطوات ما يسمى باليوم التالي للحرب.
أراد بنيامين نتنياهو أن تكون زيارته إلى واشنطن حملةَ علاقات عامة موجهة بالأساس إلى الجبهة الإسرائيلية الداخلية، وإلى جمهور الحزب الجمهوري في أميركا ونوابه في الكونغرس، وذلك في محاولة منه لترميم مكانته السياسية المتآكلة وضمان علاقات ودية وجيدة مع الرئيس الأميركي الجديد، على أمل أن يُنتخب ترامب. وعكس بنيامين نتنياهو رغباته وأهدافه تلك، خلال خطابه أمام مجلسي الشيوخ والنواب، بشكل جلي، أول من أمس الأربعاء.
بنيامين نتنياهو يروّج الأكاذيب
استغل نتنياهو منصة الكونغرس الأميركي، أمام جمهور ودي غالبيته من الحزب الجمهوري، ليعود ويكرر أكاذيبه ويروّج رواية إسرائيل حول حرب الإبادة على قطاع غزة، ويهاجم كل من يعارض سياسة تل أبيب والحرب، من ضمنهم المتظاهرون أمام مبنى الكونغرس، وطواقم وطلاب الجامعات الأميركية الذين تظاهروا ضد حرب الإبادة، والنائب العام في المحكمة الجنائية الدولية (كريم خان)، ومحكمة العدل الدولية. وانتقد بطء الإدارة الأميركية في تزويد إسرائيل بالأسلحة المطلوبة.
نتنياهو يحمل أيديولوجية وقناعات عدائية للشعب الفلسطيني ويحاول أن يقضي فعلاً على حركة حماس
أوضح بنيامين نتنياهو مرة أخرى أنه لا يرمي فعلاً للتوصل إلى صفقة تبادل ووقف حرب الإبادة على القطاع، ليس فقط من منطلق هدف إطالة أمد الحرب للحفاظ على منصبه رئيساً للوزراء وعلى التحالف الحكومي (الليكود وشاس والقوة اليهودية والصهيونية الدينية ويهدوت هتوراه)، من دون إلغاء هذا المنطق طبعاً، بل أيضاً لأن نتنياهو يحمل أيديولوجية وقناعات عدائية للشعب الفلسطيني ولأنه يحاول أن يقضي فعلاً على حركة حماس، ولأنه يريد تلقين الشعب الفلسطيني عامة، وسكان القطاع خاصة، درساً بأن ثمن أي تحدٍ لإسرائيل سيكون غالياً جداً ومميتاً. في خطابه أمام الكونغرس، أوضح نتنياهو أنه يطلب استسلام "حماس" والشعب الفلسطيني، ويريد "النصر المطلق" كما يراه هو.
لتبرير هذا المنطق، عاد بنيامين نتنياهو إلى خطاب التخويف من إيران ومشروعها في المنطقة. وادعى أن إسرائيل تمنع تمدد إيران ومحاولات سيطرتها على المنطقة، وتعمل لمنعها من الوصول إلى دولة نووية قد تهدد أمن الولايات المتحدة، كما قال. وعاد وكرر وشدد على المصالح المشتركة بين واشنطن وتل أبيب، وعلى أن إسرائيل "الدولة الديمقراطية" الحليفة الحقيقية للولايات المتحدة، وعلى أن انتصار إسرائيل هو انتصار للولايات المتحدة. والأهم كان ادعاؤه أن إسرائيل تحارب باسم قوة الخير والحضارة المتنورة ضد قوة الشر والرجعية كما يراها، والمتمثلة في إيران و"حماس" وحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن.
بالمجمل، لم يحمل الخطاب أي تغيير في مواقف نتنياهو الثابتة منذ بداية الحرب، ولم يعط أي أمل للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين. كما لم يبد أي ليونة في مواقف الحكومة الإسرائيلية، موضحاً أن رؤيته لليوم التالي لحرب الإبادة تتمحور في سعيه إلى هندسة واقع سياسي مريح لإسرائيل، وأن تكون غزة تحت سيطرة أمنية إسرائيلية، وتحت رعاية أجهزتها الأمنية في الجانب المدني، وأن الحرب ستستمر لغاية تحقيق أهداف إسرائيل.
خطاب نتنياهو لم ولن يغيّر الواقع السياسي، ولا مواقف المجتمع الإسرائيلي. معارضو نتنياهو سيستمرون في معارضته، وداعموه سيستمرون في دعمه. استعراض نتنياهو وحدة التصفيق من جمهور ودي طرب على دعوات استمرار القتل والدمار والإبادة، لن يمنعا استمرار التصدعات والخلافات داخل إسرائيل، بل ربما يؤججانها، ولن يوقف تآكل مكانة نتنياهو السياسية الداخلية التي تتوسع لتصل إلى أحزاب اليمين المتطرف أيضاً.
بن غفير يتحدى نتنياهو مجدداً
في خضم زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة، قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، خلال مؤتمر بعنوان "عودة إسرائيل إلى جبل الهيكل" (المسجد الأقصى)، الذي عقد في الكنيست أول من أمس: "كنت في جبل الهيكل الأسبوع الماضي. أنا المستوى السياسي، والمستوى السياسي يسمح بصلاة اليهود في جبل الهيكل". ما اعتُبر دعوة واضحة لتغيير "الوضع القائم" في المسجد الأقصى منذ ما قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، رغم تغيير سلطات الاحتلال هذا الوضع عام 2003 بالسماح لمستوطنين باقتحام الأقصى من دون إبلاغ دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة.
يدرك بن غفير أن نتنياهو متعلق تماماً بدعمه للحفاظ على التحالف الحكومي
بغض النظر عن مدى تطبيق مقولة بن غفير أو هذا النهج على أرض الواقع، إلا أن أهميته في الإعلان عنه من دون أي خشية أو قلق من رد فعل نتنياهو. يدرك بن غفير تماماً أن بنيامين نتنياهو ليس في وضع سياسي يُمكنه من الخروج في العلن ضد هذه التصريحات، وأنه متعلق تماماً بدعم بن غفير للحفاظ على التحالف الحكومي. علماً أن مكتب نتنياهو عقّب على تصريحات بن غفير، في بيان، بالقول إنه "لا يوجد أي تغيير في ترتيبات الصلاة في الأقصى"، مضيفاً أن "سياسة إسرائيل المتمثلة في الحفاظ على الوضع الراهن في جبل الهيكل لم ولن تتغير".
شدة تصريح بن غفير وتحديه نتنياهو تأتي أيضاً نتيجة توقيت التصريح، إذ جاء في اليوم المقرر لخطاب نتنياهو أمام مجلسي الشيوخ والنواب في أميركا، وهو يدرك تماماً أن تغيير "الوضع القائم" في المسجد الأقصى غير مقبول بتاتاً لدى الإدارة الأميركية. وهو بذلك يتحدى أيضاً وبشكل علني الإدارة الأميركية، التي سربت قبل عدة أيام أنها تدرس إمكانية فرض عقوبات وقيود على بن غفير ووزير المالية الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش.
زاد بن غفيرمن منسوب تحدي نتنياهو ووزراء آخرين من التحالف في الأسابيع الأخيرة. فقد ربط بن غفير، في يونيو/ حزيران الماضي، دعم اقتراح القانون الذي طرحه حزب شاس الديني المتشدّد لنقل صلاحيات تعيين الحاخامات في المدن والمستوطنات الإسرائيلية من رؤساء السلطات المحلية إلى وزير الأديان موشيه ملخيئيلي، مقابل ضمه إلى مجلس مصغر لإدارة الحرب. وصرّح بن غفير قبل أسبوع أنه يجب دعم ترامب كونه أفضل لإسرائيل. وكان قبل أكثر من شهرين قد قام بتصوير فيديو قصير من أمام مدخل مكتب نتنياهو، هدد فيه بأنه في حال تم التوصل إلى اتفاق تبادل أسرى ومحتجزين ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، فسيقوم بتفكيك الحكومة، ما اعتبره الإعلام الإسرائيلي تحدياً واضحاً ووقحاً لسلطة ومكانة نتنياهو، من دون أن يأتي أي رد من قبل الأخير.
يدخل بن غفير هذه المرة في صدام مباشر وعلني مع غالبية أحزاب التحالف التي عارضت تصريحاته. هذا الصدام يعكس الاختلافات السياسية والأيديولوجية بين أطراف الحكومة، ويعكس أيضاً أجواء المنافسة السياسية التي يرغب بها بن غفير مع هذه الأحزاب، خصوصاً مع وزير الأمن يوآف غالانت (الليكود) الذي انتقد تصريح بن غفير، وقال إنه يعارض ضم بن غفير إلى مجلس حرب مصغر، واتهمه بأنه يرغب بإشعال النار في المنطقة. ردّ بن غفير على الانتقادات التي وجهت إليه، واتهم رئيس حزب شاس آرييه درعي وغالانت بأنهما يساريان، وروّجا في السابق للسياسات التي سببت بالإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبأنهما لا يسعيان للحسم في الحرب، لا في الجنوب ولا في الشمال (لبنان). ويعمل بن غفير على تحويل أي نقاش معه أو انتقاد له إلى اتهام منتقديه بانتمائهم إلى معسكر ومفاهيم اليسار، وبأنهم لا يرغبون بالحسم في الحرب وأنهم ضعفاء.
يتصرف بن غفير كأنه في منافسة حزبية وانتخابية دائمة، ويسعى لقضم الأصوات من الأحزاب في معسكر اليمين، لأنه لا يستطيع زيادة قوته وعدد المقاعد إلا على حساب أحزاب اليمين واليمين المتطرف الأخرى. وهو يعي تماماً أن نتنياهو رئيس حكومة ضعيف ولن يجرؤ على إقالته كما فعل في مرات سابقة مع وزراء آخرين. هدف بن غفير أن يتحول حزبه، القوة اليهودية، إلى ثاني أكبر حزب في معسكر اليمين واليمين المتطرف، إذ تتغير حينها قواعد اللعبة أمام حزب الليكود وتتغير قدرته على توسيع تأثيره على صناعة القرار في إسرائيل. تصرفات وتصريحات بن غفير توضح أن نتنياهو بات رئيس حكومة أعرجاً ومستنزفاً وقابلاً للابتزاز.
هدف نتنياهو من زيارة الولايات المتحدة وإلقاء خطاب أمام الكونغرس إلى ترميم مكانته السياسية وابتزاز رئيس أميركي (بايدن) يعتبره ضعيفاً ومعادياً، وإعادة التهديد الإيراني إلى مركز الحدث، والتشديد على موقفه بوجوب القضاء على حركة حماس، ورفضه وقف الحرب.
لكن على أرض الواقع، تلازم الزيارة انتكاسات متتالية، بداية مع انسحاب بايدن من المنافسة في انتخابات الرئاسة، ثم سرقة بن غفير أضواء الأحداث السياسية الداخلية، وبعدها خطاب بايدن حول الانتخابات الأميركية، الذي أعقب خطاب نتنياهو بساعات، أول من أمس، ليعيد تسليط الأضواء على المشاكل الحارقة والواقعية، بعيداً عن استعراض نتنياهو أمام جمهور ودي لا يعرف سوى التصفيق لجرائم الحرب.