ما زالت الأمم المتحدة تواصل جهودها، بدعم أميركي، لإبعاد التأثيرات الخارجية عن جهود إيجاد تسوية سياسية ليبية جديدة، في وقت أعلنت أطراف ليبية رفضها للمخرجات التي قد تفضي إليها اللقاءات التي تجري بالمغرب، والتي أوشكت على التوصل الى اتفاق بخصوص اقتسام المناصب السيادية، كخطوة تمهد لانعقاد منتدى سياسي ليبي جامع خلال الشهر الجاري.
وفي وقت دعت الأمم المتحدة، خلال مشاركتها أمس في الاجتماع الوزاري الذي احتضنته برلين، الدول إلى الالتزام بتعهداتها من أجل تطبيق قرار حظر توريد السلاح إلى ليبيا ودعم جهودها لإيجاد تسوية سياسية في البلاد، يرى الأكاديمي الليبي سليم البوري، أن الفجوة لا تزال كبيرة بين المسارات الدولية والمسارات المحلية، معتبراً أن الأمم المتحدة تسير في اتجاهين.
وحضر الاجتماع وزراء الخارجية وكبار ممثلي الدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية التي هي جزء من مسار مؤتمر برلين، وكذلك ممثلون عن الدول المجاورة لليبيا.
وأوضح البوري في حديثه لـ"العربي الجديد" أن التحدي الأول الذي تواجهه الأمم المتحدة يتمثل في إبعاد التأثير الخارجي على جهودها الحالية أو على الأقل التقليل منه وتحجيمه. أما التحدي الثاني فيتمثل في ضرورة تصميم شكل للميدان في مناطق التماس في الجفرة وسرت من خلال محاولات تقليص مساحة الخلافات بين أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة وتشجيعها على التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار كأساس مهم للمضي في المراحل المتبقية في اتجاه الحل السياسي.
وكدليل على استمرار الخلافات المحلية الليبية، يرى البوري أن اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 كان من المفترض أن تجتمع هذا الأسبوع، لكن رئيسة البعثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة، ستيفاني ويليامز، قالت في تصريحات أمس إنها تجتهد في تمهيد لقاء اللجنة العسكرية خلال هذه الأسابيع. وهو ما يعني، بحسب الأكاديمي الليبي، وجود خلافات وعراقيل أجلت لقاء العسكريين وأن لقاءات الغردقة لم تكن سوى محاولة لتقليل حجم الخلافات بين ممثلي الطرفين العسكريين.
وجرت أواخر الشهر الماضي محادثات أمنية وعسكرية بين ممثلين ليبيين عن حكومة الوفاق وقيادة مليشيات اللواء خليفة حفتر في مدينة الغردقة المصرية، وتوصلوا إلى جملة توصيات كان أهمهما الإسراع بعقد اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5.
وإذ يؤكد البوري أن الحراك الأممي في الآونة الأخيرة يجري بدفع أميركي واضح، إلا أنه يرى أن تركيز الدبلوماسية الأميركية يتجه إلى الخارج بشكل أكثر لتحجيم التدخلات الخارجية في مشهد الصراع الليبي، لا سيما عزل الوجود الروسي.
وخلال مشاركته في اللقاء الوزاري في برلين، أمس الإثنين، أكد وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، ديفيد هيل، على استمرار دعم بلاده لجهود الأمم المتحدة للدفع بالعملية السياسية في ليبيا، "لا سيما استئناف منتدى الحوار السياسي الليبي برعاية الأمم المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول، والذي يهدف إلى تشكيل حكومة انتقالية جديدة ورسم الطريق إلى الانتخابات"، بحسب بيان للخارجية الأميركية.
وقال هيل إن "الولايات المتحدة ستواصل إشراك أصحاب المصلحة من جميع أطراف النزاع داخليا وخارجيا، لوقف القتال والتوصل إلى اتفاق سلام".
وحول ما إذا كان الخلاف بين الأطراف الليبية سيؤثر على تلك الجهود، يقول المحلل السياسي الليبي، مروان ذويب، إن "الأمم المتحدة يبدو أنها رسمت طريقا واضحا يبدأ بخلق منطقة فاصلة بين طرفي الصراع المسلح في وسط البلاد ويمر بقطع الطريق أمام الدول الداعمة لطرفي الصراع التي تهدف إلى الحفاظ على مصالحها الجيواستراتيجية وربطها بأشخاص قد تدفع بهم لتولي مناصب سيادية خلال التوافق الحالي".
وأكد ذويب في حديثه لـ "العربي الجديد" أن الحراك الأميركي ليس منفصلا عن ملفات أخرى، مشيرا إلى أن واشنطن تبحث عن تهدئة للصراع الليبي والإقليمي لأسباب منها تجميد الأوضاع في المنطقة كلها إلى ما بعد انتهاء الانتخابات الأميركية.
المناصب السيادية
وفي ظل المؤشرات الإيجابية التي برزت أمس خلال لقاءات وفدي المجلس الأعلى وبرلمان طبرق حول آليات توحيد المؤسسات السيادية في مدينة بوزنيقة المغربية، ظهرت عقبة جديدة بعدما أعلن المجلس الأعلى للقضاء عن رفضه للتعامل مع السلطة القضائية بمنطق المحاصصة.
وقال المجلس، في بيان له ليل الإثنين، إنه "يستهجن منطق المحاصصة الذي بُنيت عليه تلك الحوارات ومخرجاتها، والذي سوف لن يُحقق مصالح الليبيين، لأن ليبيا تُبنى بكفاءات أبنائها جميعاً دون تمييز بين جنوب وشرق وغرب"، معلناً في ذات الوقت عن معارضته ورفضه مخرجات ما جاء في تفاهمات بوزنيقة في ما يتعلق بالسلطة القضائية.
واعتبر المجلس، في بيانه، ذلك "تدخلا ومساسا بسيادة واستقلال هذه السلطة وهي إحدى السلطات الثلاث التي ظلت موحدة ولم تنقسم وكانت رمزاً لوحدة البلاد طوال فترة الصراع المرير الذي انعكس على كافة المؤسسات السيادية عدا مؤسسة القضاء التي حافظت على وحدتها بفعل تصميم أبنائها الذين رفضوا ذلك الصراع ونأوا بأنفسهم ومؤسستهم عن الدخول فيه".
وأوضح أن اختيار منصب رئيس المحكمة العليا "لا يكون إلا من خلال التشاور مع هذه المحكمة متمثلة في رئيسها وجمعيتها العمومية"، بالإضافة إلى أن "اختيار منصب النائب العام لا يكون إلا بعد تشاور البرلمان المنتخب مع المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا".
ويُعتبر منصبا المحكمة العليا ومكتب النائب العام من المناصب السيادية التي اتفق ممثلو مجلسي النواب والدولة، خلال لقاءاتهم في المغرب، على توزيعها جغرافيا على الأقاليم الثلاثة، حيث أعطيت المنطقة الجنوبية حق اختيار شاغل منصب المحكمة العليا، واختيار شاغل منصب مكتب النائب العام للمنطقة الغربية.
وفي توضيح لأسباب الاعتراض، قال عضو المجلس الأعلى للقضاء، عبد الحميد عبيد، في تصريح له، إن "شروط اختيار رئيس المحكمة العليا والنائب العام لا تحددها السلطة السياسية بل قانون ليبي خاص ضمن طبيعة العمل القضائي المستقل عن السلطات الأخرى"، متسائلا "إذا كانت السلطة السياسية هي التي تعين شاغلي المنصبين فكيف تكون هناك سلطة قضائية مستقلة تمثل أعلى السلطات في البلاد؟".
وحذر من أن "إدخال التجاذبات السياسية في حقل القضاء سيكون بالسلب على استقلالية السلطة القضائية وهو ما نرفضه تماما"، لافتا إلى أن المحكمة والنائب العام لم يشهدا انقساما على غرار المؤسسات السيادية الأخرى.
ولا تزال اللقاءات بين ممثلي مجلسي الدولة والنواب مستمرة في المغرب بهدف التوافق على شروط شاغلي المناصب السيادية وآليات اختيارهم بعد توزيع المناصب جغرافيا، في وقت يرجح عضو وفد مجلس نواب طبرق، إدريس عمران، استمرار المشاورات بسبب معارضة المجلس الأعلى للقضاء بعد أن كان مرجحا انتهاؤها اليوم الثلاثاء.
وأضاف عمران متحدثا لـ"العربي الجديد" أنه "حتى الآن لم يطرأ أي جديد على مسار المشاورات، لكن معارضة مجلس القضاء قد تضطر الأطراف إلى إعادة النظر في بعض الآليات لتواكب التوافق الحاصل بين وفدي المجلسين ولاحتواء مطالب مجلس القضاء".