يبدو أن الخلافات داخل حركة فتح على الشواغر في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتحديداً منصب أمانة السر، هي السبب الحقيقي وراء تأجيل انعقاد جلسة المجلس المركزي الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير، التي كانت مقررة في 20 يناير/ كانون الثاني الحالي، إضافة إلى عدم التوافق الفتحاوي على منصب رئاسة المجلس الوطني في ظل الوضع الصحي لشاغل هذا المنصب سليم الزعنون.
لا توافق في اجتماعات حركة "فتح"
ووفق ما أكدته مصادر رفيعة لـ"العربي الجديد"، والتي فضلت عدم ذكر اسمها، فإن جميع اجتماعات اللجنة المركزية لحركة "فتح"، التي عُقدت أخيراً، سواء بحضور رئيس الحركة، الرئيس محمود عباس، أو بغيابه، في مكتب نائب رئيس "فتح" محمود العالول، إضافة لاجتماع المجلس الثوري للحركة، الذي عقد قبل أيام، لم تتوصل إلى توافق حول من هو مرشح الحركة لمنصب أمانة سر منظمة التحرير الفلسطينية تحديداً.
وكان يشغل هذا المنصب الراحل صائب عريقات مع رئاسته لدائرة المفاوضات في المنظمة في الوقت ذاته. وتوفي عريقات متأثراً بإصابته بفيروس "كورونا" في أحد المستشفيات الإسرائيلية في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
تضارب المعلومات حول جلسة المجلس المركزي الفلسطيني
في السياق، يقول نائب الأمين العام لـ"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" قيس عبد الكريم، في حديث لـ"العربي الجديد": "لم تكن قد وُجهت دعوة رسمية تحدد موعد انعقاد المجلس المركزي حتى يتم تأجيله، وما كان يعلن من مواعيد كان يتم بشكل غير رسمي".
ويوضح عبد الكريم أنه "ما زالت المشاورات حول جدول أعمال المجلس المركزي ومخرجاته مستمرة؛ سواء على مستوى اللجنة التي شُكلت لذلك، أو على مستوى الاتصالات والحوارات الجارية بين مختلف الفصائل، وبالتالي من الطبيعي أن لا يكون موعد انعقاد المجلس معروفاً بعد".
مجدلاني: حتى الآن لا يوجد موعد مرتقب لعقد المجلس المركزي
لكن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "اجتماع المجلس المركزي الذي كان يجب أن يعقد يوم 20 يناير/ كانون الثاني الحالي، تأجل حتى إشعار آخر بسبب التزامات لدى الرئيس محمود عباس متعلقة بالسفر خارج فلسطين، وحتى الآن لم يتم تحديد موعد جديد لعقد اجتماع المجلس".
ويقول أبو يوسف: "هناك حوار داخلي حالياً بين فصائل منظمة التحرير، إذ يقوم الوفد الذي يترأسه أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب، بالتشاور والحوار مع خمسة فصائل فلسطينية في سورية ولبنان".
ويوضح أن هذه الفصائل هي "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والصاعقة".
من جهته، يقول عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "موعد انعقاد المجلس المركزي سيتحدد وفقاً للحوار الفلسطيني - الفلسطيني بين مكونات فصائل منظمة التحرير الفلسطينية حول الأجندة ومخرجات المجلس، لكن حتى الآن لا يوجد موعد مرتقب لعقده".
لا حسم بشأن منصب الراحل صائب عريقات
وعلى الرغم من تصريحات واصل أبو يوسف عن سبب التأجيل، إلا أن مصادر أكدت لـ"العربي الجديد"، أن "حركة فتح تتذرع بأن الحوار مع الفصائل والتشاور معها حول انعقاد المجلس المركزي ومخرجاته لا يزال مستمراً، وهو سبب التأجيل".
وتضيف المصادر "لكن الحقيقة أن الأمور لم تحسم داخل اللجنة المركزية لحركة فتح حول المنصب الشاغر وهو عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عن الحركة، وتحديداً أمانة السر، ورئاسة المجلس الوطني الفلسطيني، وبالتالي لم يتم الحديث مع الفصائل الفلسطينية".
وهناك منصبان شاغران في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، الأول لحركة "فتح" عن دائرة المفاوضات للراحل صائب عريقات، والذي كان يشغل في الوقت ذاته أمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. أما المنصب الشاغر الثاني، فهو لعضو مستقل، لكن حركة "فتح" عادة هي التي توصي به، وهو دائرة الدبلوماسية والسياسات العامة، الذي كانت تشغله القيادية الفلسطينية حنان عشراوي، التي استقالت من منصبها في ديسمبر/ كانون الأول 2020.
وقالت عشراوي وقتها إن "اللجنة التنفيذية تعاني من التهميش وعدم المشاركة في صنع القرار، ولا بد من تداول السلطة ديمقراطياً عن طريق الانتخابات".
وتبلغ حصة حركة "فتح" من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بشكل رسمي ثلاثة مقاعد، يشغلها كل من الرئيس محمود عباس بصفته رئيس اللجنة، وعزام الأحمد، ومقعد الراحل عريقات الشاغر حالياً.
منافسة على منصب أمانة سر منظمة التحرير الفلسطينية
وحسب المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر متطابقة، فإن المنافسة الشديدة داخل اللجنة المركزية لحركة "فتح" هي على منصب أمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
وينظر لهذا المنصب على أنه المحطة الأقرب لمنصب رئيس المنظمة والسلطة، إذ كان عباس يشغل هذا المنصب في زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات، قبل أن يخلفه في الرئاسة.
وتفيد المعلومات بأن أكثر من عضو من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح يرغبون بتولي هذا المنصب. ويتقدم هؤلاء رئيس هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ، ونائب رئيس حركة فتح محمود العالول، وأمين سر اللجنة المركزية للحركة جبريل الرجوب، إضافة لرئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، وتوفيق الطيراوي، وجميعهم أعضاء في اللجنة المركزية لحركة فتح.
الأمور لم تحسم داخل اللجنة المركزية لحركة فتح حول منصب عريقات
وحسب مصادر "العربي الجديد"، فإن عباس طلب من "مركزية" حركة فتح أن ترشح له ثلاثة أسماء، وهو سيختار من بينها اسماً للمنصب الشاغر لحركة "فتح" في "تنفيذية" المنظمة.
أما إذا كان توجه اللجنة المركزية أقوى نحو إعادة تجديد اللجنة التنفيذية كاملة، فحينها سيرشح عباس اسمين اثنين، أي اسماً بديلاً عن عريقات، وآخر بدل عزام الأحمد، العضو الحالي في اللجنة التنفيذية عن حركة "فتح".
بروز دور حسين الشيخ
وعملياً، ومنذ وفاة عريقات، بات حسين الشيخ هو مسؤول ملف العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية والاحتلال الإسرائيلي، ويقوم بكل مهام أمانة السر، مثل لقاء السفراء وكبار المسؤولين في العالم.
وكانت آخر المهمات التي قام بها الشيخ وأثارت توتراً لدى عدد من قيادات الحركة والأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، عندما شارك مع رئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج في قمة ثلاثية لوزراء خارجية مصر والأردن، لبحث ملفات متعلقة بالقضية الفلسطينية والمواقف الأميركية والإسرائيلية، يوم 27 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهي مهمة كان يقوم بها أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
وعلى الرغم من قرب الشيخ من عباس، إذ يمثل معه ومع رئيس جهاز المخابرات ماجد فرج أركان القرار السياسي الثلاثي، إلا أنه من غير المتوقع أن يكون طريق الشيخ سهلاً لمنصب أمانة السر في ظلّ موازين القوى الفتحاوية التي يشكل الرجوب والعالول معادلات ثقيلة فيها، حركياً وميدانياً.
وحسب المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن قيادة حركة "فتح" تصر على أن يكون منصب أمانة سر منظمة التحرير، ورئاسة المجلس الوطني الفلسطيني، من نصيب الحركة، في استباق لأي معارك لخلافة الرئيس عباس.
وهذا الأمر عبرت بعض فصائل منظمة التحرير عن رفضه في الغرف المغلقة، من دون أن تعلن عن ذلك علناً، خوفاً من غضب حركة "فتح"، التي تسيطر على الصندوق القومي الفلسطيني المسؤول عن المخصصات المالية للفصائل.
الوضع الصحي لرئيس المجلس الوطني الفلسطيني
في هذه الأثناء، ووفق المعلومات، فإن رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون (89 عاماً)، قدم استقالته، العام الماضي، بسبب ظروفه الصحية.
من غير المتوقع أن يكون طريق حسين الشيخ سهلاً لمنصب أمانة السر
وأكد مصدر مطلع في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه يستبعد أن يستطيع الزعنون بظروفه الصحية الحالية أن يسافر من الأردن، حيث يقيم، إلى مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، ليترأس اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني. وأوضح المصدر أن الزعنون أرسل رسالة اعتذار حول هذا الأمر للرئيس عباس في وقت سابق.
ولم تستطع "العربي الجديد" الحصول على تأكيد أو رد حول هذه المعلومات من المجلس الوطني الفلسطيني، على الرغم من محاولات الاتصال المتكررة بالمسؤول الإعلامي في المجلس.
ويعتبر انتخاب مكتب المجلس الوطني الذي يضم رئيس المجلس ونائبي الرئيس وأمين السر، استحقاقاً ضرورياً في ظل الظروف الصحية للزعنون، ووفاة أحد نائبيه قبل سنوات، وهو ما زاد من الأزمة الداخلية في حركة "فتح"، التي يتنافس بعض أعضائها على منصب رئاسة المجلس الوطني.
أما اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، فهي بمثابة حكومة المنظمة، وكانت آخر انتخابات بالتوافق والتزكية لهذه اللجنة قد تمت في بداية مايو/ أيار 2018. وقد أُعلن حينها عن ملء 15 منصباً شاغراً من أصل 18، إذ بقيت ثلاثة مناصب شاغرة، بعدما قاطعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الانتخابات، فيما يغيب تمثيل حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي".