خيّم الهدوء، أمس الثلاثاء، على أحياء درعا البلد، في محافظة درعا، جنوبي سورية، لليوم الثاني على التوالي، مع بدء تطبيق خريطة حلّ روسية، وضعت حدّاً للعمليات العسكرية التي كانت تقوم بها قوات النظام ومليشيات إيرانية مساندة لها، ومهّدت الطريق لتسوية أوضاع المئات من الشبّان في درعا البلد، الذين دافعوا عن الأهالي لأكثر من 70 يوماً من الحصار الذي فرضه النظام، والذي ترافق مع تصعيد عسكري. وأكدت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن الهدوء استمر أمس في درعا البلد بضمانات روسية، بهدف إتمام البند الأول من بنود اتفاق التسوية، الذي ينص على تسوية أوضاع جميع المطلوبين وتسليم كل السلاح الخفيف، مع عدم اعتقال أي شخص منهم.
يجري العمل على تسوية أوضاع جميع المطلوبين وتسليم كل السلاح الخفيف
وأكد الناشط الإعلامي أحمد المسالمة، لـ"العربي الجديد"، أن الاتفاق "يجري تطبيقه وفق المخطط الروسي، من دون أي مشاكل"، موضحاً أنه "جرت تسوية أوضاع المئات من المقاتلين، وتسليم أكثر من 60 قطعة سلاح حتى صباح (أمس) الثلاثاء. العملية مستمرة". وأشار المسالمة، في السياق، إلى أنه "لم يتم حتى صباح الثلاثاء، التعامل مع منطقتي طريق السد والمخيم"، لافتاً إلى وجود تخوف من منع النظام عودة من لا يملك سند تمليك كعقاب قد يفرضه على عائلات المخيم التي لم تقف معه كما حصل في مخيم اليرموك في دمشق. وتضم منطقة المخيم لاجئين فلسطينيين إلى سورية منذ عام 1948.
من جهتها، قالت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، إن المقاتلين في درعا البلد سلّموا، أول من أمس الإثنين، أكثر من 115 قطعة سلاح بين متوسطة وخفيفة، بينها قاذفات "آر بي جي" وصواريخ مضادة للدروع محمولة على الكتف، ورشاشات متوسطة من نوع "بي كا سي" وقناصات وقاذفات قنابل وبنادق آلية. ونقلت "الوطن" عن مصادر في النظام قولها إن "إجمالي عدد الذين تمت تسوية أوضاعهم حتى الإثنين بلغ أكثر من 300 شخص بين مسلحين ومطلوبين"، مشددة على أنه "بعد انتهاء عمليات التسوية وتسليم السلاح، فإن كل من يحوز سلاحاً سيتعرض للملاحقة القانونية".
وذكرت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن نائب وزير الدفاع الروسي أندريه كارتابولوف قدم من موسكو لإتمام الاتفاق الذي نصّ على "تسليم كامل السلاح المتوسط والخفيف، ونشر الأمن والنقاط العسكرية في درعا البلد لتحقيق الأمن والأمان في تسع نقاط، وتسوية أوضاع المطلوبين في درعا البلد ومخيم درعا وحي طريق السد، وإعفاء الأشخاص الذين خرجوا من درعا البلد مع سلاحهم، وسحب السلاح بشكل كامل من المجموعات، بما فيها المجموعات التي تعمل مع أجهزة الأمن التابعة للنظام وغيرها من القوات الرديفة". كما نصّ الاتفاق على نقل كلّ الرافضين للاتفاق إلى الشمال السوري، وعودة الحياة الطبيعية إلى درعا البلد، بالإضافة إلى بنود أخرى، من بينها "رفع العلم السوري على جميع الأبنية الحكومية في أحياء درعا البلد والجامع العمري، ومنع التظاهرات والحراك المدني بشكل تام". وحول ذلك، رجّح المسالمة خروج عشرات الأشخاص فقط من درعا البلد إلى الشمال السوري، مضيفاً أنه "قد لا يكون هناك تهجير إذا وافق الجميع على التسوية".
وكانت قوات النظام ومليشيات إيرانية قد فرضت حصاراً عسكرياً على أحياء درعا البلد وحيّ طريق السد والمخيم، منذ 24 يونيو/ حزيران الماضي، منعت خلاله إدخال الأدوية والمواد الغذائية لأكثر من 50 ألف مدني، ما تسبب بكارثة إنسانية. وحاولت هذه القوات اقتحام المنطقة أكثر من مرة، لكنها فشلت، فلجأت إلى قصف مدفعي وصاروخي دمّر أجزاء واسعة من هذه الأحياء، قبل أن تضطر اللجنة المركزية الممثلة لأهالي درعا للموافقة على إبرام اتفاق تسوية، وفق الرؤية الروسية.
تتخوف عائلات من اللاجئين الفلسطينيين في منطقة المخيم من أن يمنعها النظام من العودة
وفرض الروس التسوية على النظام والمعارضة في درعا البلد بتوافق إقليمي، بهدف إنهاء التصعيد والتوتر في جنوب سورية، والمستمر منذ نحو 10 سنوات. لكن المعطيات تشير إلى أن الاتفاق حول درعا البلد ربما لن يجلب الهدوء إلى محافظة درعا وفق المخطط الروسي، إذ لا تزال قوات النظام عرضة لهجمات من مقاتلين يُعتقد أنهم من المعارضين لعودة النظام إلى المحافظة. وفي هذا الصدد، ذكر أبو محمود الحوراني، المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران"، الذي يضم ناشطين إعلاميين ينقلون أنباء الجنوب السوري، لـ"العربي الجديد"، أن شباناً من المنطقة استهدفوا، فجر أمس الثلاثاء، بالأسلحة الرشاشة وقذائف "آر بي جي"، حاجزاً لفرع أمن الدولة التابع للنظام بين بلدتي محجة والمجيدل في ريف درعا الشمالي، ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى بين أفراد الحاجز.
إلى ذلك، اعتبر نقيب المحامين الأحرار في محافظة درعا سليمان القرفان أن "النظام وضع يده على درعا البلد في ظلّ التخاذل من كل الأطراف في نصرة درعا البلد"، مؤكداً في الوقت ذاته أن النظام "عاجز عن إخضاع أهالي المحافظة، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل عام 2011". وقال القرفان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن النظام "استطاع الدخول إلى درعا البلد بمساندة الإيرانيين والروس، إلا أن الثورة باقية في نفوس أهالي المحافظة، ولن يدفعهم وجود الحواجز وسحب السلاح إلى الكفّ عن المطالبة بتغيير النظام والخروج بالتظاهرات كلّما أتيحت الفرصة لذلك، للتأكيد على عدم قبولهم بهذا النظام بأي حال من الأحوال".
وكانت روسيا قد رعت في منتصف عام 2018 تسويات في عموم محافظتي درعا والقنيطرة، جنوب سورية، إلا أن هذه التسويات لم تنه التوتر، بسبب سعي النظام إلى إخضاع كل المدن والبلدات التي خرجت عن سيطرته باعتقال أو اغتيال معارضيه. كما لم يعمل النظام على تهيئة الظروف الاقتصادية التي يمكن أن تدفع النازحين واللاجئين من أبناء المحافظة، خصوصاً في الأردن المجاور، للعودة إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم.
لكن المحلل السياسي المتابع لتطورات الأوضاع في محافظة درعا محمد العويّد رأى، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الضامن الوحيد لتنفيذ اتفاق درعا البلد هو الجانب الروسي وليس أي طرف غيره"، مضيفاً أن "مصالح الروس تقتضي استمرار الهدوء والاستقرار النسبي في جنوبي سورية، في محافظات درعا والقنيطرة وجانب من ريف دمشق". وأشار العويّد إلى أن "سقف التوقعات لدى أهالي درعا البلد كان مرتفعاً حيال تحرك ما في شمالي سورية أو في المحيط العربي للضغط العسكري والسياسي على النظام، لذا كانت الصدمة قاسية عندما لم يتحرك أحد لنصرتهم". وبحسب العويّد، فإن الأهالي في درعا البلد "سيدفعون باتجاه عدم انهيار الاتفاق"، مضيفاً أن "الأهالي يرغبون في عودة الحدود الدنيا من الحياة وترميم البيوت، خصوصاً أن لا قدرة لديهم على مواجهة عسكرية مع النظام وحلفائه الروس والإيرانيين".