لم يجد أهالي أحياء درعا البلد في جنوب سورية بدّاً من القبول بـ"خريطة حل" روسية لتجنّب الخيارات الأسوأ التي يمكن أن تفضي إلى تدمير هذه الأحياء بشكل كامل، وخاصة أن جنرالاً روسياً لوّح باستخدام الطيران في حال رفض شروط بنود الاتفاق، التي حاول الوفد المفاوض عن الأهالي التخفيف منها، ولكنه لم يستطع.
وأكد أبو محمود الحوراني، وهو الناطق باسم "تجمع أحرار حوران" (تجمع لصحافيين وناشطين ينقل أحداث الجنوب السوري)، لـ"العربي الجديد"، أن دورية من الشرطة العسكرية الروسية دخلت، أمس الاثنين، إلى حي الأربعين في درعا البلد للقيام بـ"تسوية" لشبان مطلوبين للنظام من المنطقة، وذلك بهدف تثبيت الاتفاق ووقف إطلاق النار، ريثما يجري التفاهم على بقية الشروط التي يريد النظام تنفيذها في المنطقة. وأشار إلى أن عملية تسوية أوضاع المطلوبين، وتسليم عدد محدود من السلاح الخفيف، ستجري في مركز حي الأربعين قرب مسجد بلال الحبشي بدرعا البلد. وفي السياق، ذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام أن "عشرات المسلحين في درعا البلد بدأوا صباحاً (الاثنين) تسوية أوضاعهم، وتسليم الأسلحة التي كانت بحوزتهم للجيش العربي السوري في مركز التسوية بحي الأربعين". وأشارت إلى "أن الأسلحة التي تم تسليمها تراوحت بين الخفيفة الفردية والرشاشة وقواذف آر بي جي وعدد من القذائف المتنوعة".
محمد الحاج علي: الاتفاق ليس كما يريد أهل درعا، لكن لا يوجد خيار إلا القبول به
من جانبها، ذكرت مصادر مطلعة مقربة من اللجنة المركزية التي تفاوض عن الأهالي أن الاتفاق الذي تم مساء أمس الأول، الأحد، أبرم مع نائب وزير الدفاع الروسي أندريه كارتابولوف وقائد القوات الروسية في سورية فيتشيسلاف سيتكين. ووفق المصادر، فإن الاتفاق يتضمن "تسليم كامل السلاح المتوسط والخفيف، وكل من يخبئ بارودة أو سلاحاً يتحمل المسؤولية وتلغى تسويته ويلاحق". ونص على "نشر الأمن والنقاط العسكرية في درعا البلد لتحقيق الأمن والأمان، في تسع نقاط، وتسوية أوضاع المطلوبين في درعا البلد ومخيم درعا وحي طريق السد، وإعفاء الأشخاص الذين خرجوا من درعا البلد مع سلاحهم، وسحب السلاح بشكل كامل من المجموعات، بما فيها المجموعات التي تعمل مع أجهزة الأمن التابعة للنظام وغيرها من القوات الرديفة".
وبيّنت المصادر أن "كل متخلف عن الخدمة الإلزامية يعالج وضعه خلال مدة 15 يوماً من خلال شعبة التجنيد للتأجيل، والعسكري الفار من الخدمة يلتحق بوحدته بعد إجراء التسوية ولا يلاحق قانونياً". وأوضحت أنه "في حال رغب أحد بالخروج إلى الشمال السوري فإنه من الممكن تأمين خروجه وإيصاله إلى الشمال"، مشيرة إلى أن الاتفاق أكد على أن "إطلاق الإساءات والتصريحات غير المسؤولة والتحريضية على وسائل التواصل الاجتماعي سيعرض صاحبها لملاحقة قانونية". وتابعت: عند الانتهاء من التسويات، وتسليم السلاح وعودة الحياة الطبيعية إلى درعا البلد، ستزال كافة الحواجز والسواتر. وتضمن الاتفاق "رفع العلم السوري على جميع الأبنية الحكومية في أحياء درعا البلد والجامع العمري، ومنع التظاهرات والحراك المدني بشكل تام في أحياء (درعا) البلد، والشعارات والكتابات على الجدران أو أي أعمال تعتبر معارضة للحكومة السورية"، وفق المصادر.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، أشار اللواء محمد الحاج علي (وهو من أبناء درعا)، إلى أن ما جرى "هو اتفاق المغلوب"، مضيفاً: الاتفاق ليس كما يريد أهل درعا، لكن لا يوجد خيار إلا القبول به. إلى ذلك، أكد الناشط الإعلامي أحمد المسالمة، المواكب لتطورات الموقف في درعا عن كثب، أن الاتفاق لا يشمل منطقة المخيم الملاصقة لدرعا البلد، وتضم لاجئين فلسطينيين منذ العام 1948. وأشار، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الاتفاق يتضمن بنوداً "استفزازية"، وخاصة رفع علم النظام فوق الجامع العمري الذي شهد انطلاقة الثورة السورية في 18 مارس/ آذار 2011. وتوضح نظرة على بنود الاتفاق أن النظام حصل على ما كان يريده، وخاصة لجهة تسليم السلاح ونشر نقاط عسكرية وأمنية داخل أحياء درعا البلد، وإجراء تسويات للمطلوبين، وترحيل الرافضين للاتفاق إلى الشمال السوري، ما يعني وضع يده على هذه الأحياء بشكل كامل. ولكن الاتفاق في المقابل، جنّب أحياء درعا البلد التدمير بشكل كامل على يد قوات النظام والمليشيات الإيرانية، والتي بدأت، السبت الماضي، عمليات عسكرية واسعة النطاق لاقتحام المنطقة.
النظام يتطلع الآن لإخضاع الريفين الغربي والشرقي للمحافظة
ولم يجد الوفد المفاوض بداً من الموافقة على الشروط، بعدما هدد جنرال روسي باستخدام الطيران لإخضاع المنطقة، وفق مصادر مطلعة على مجريات المفاوضات. كما لم يجد الأهالي أي مساندة عربية، وخاصة من الأردن، الذي لم يتدخل بشكل معلن بما يجري في درعا البلد، التي لا تبعد سوى عدة كيلومترات عن حدوده الشمالية. ويبدو أن مد أنبوب غاز من مصر إلى لبنان مروراً بالأردن وجنوب سورية كان عاملاً حاسماً في فرض الاتفاق، وهو ما صب في صالح النظام السوري والإيرانيين، الذين باتوا اليوم على الحدود السورية الأردنية عن طريق الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، والتي باتت في عداد المليشيات الإيرانية في سورية.
ولوحظ انكفاء أميركا بشكل كامل عما جرى في جنوب سورية "لأن واشنطن مشغولة حتى العنق في أفغانستان"، وفق المحلل السياسي رضوان زيادة، الذي قال، في حديث مع "العربي الجديد"، إن واشنطن تدرك أن تأثيرها في جنوب سورية محدود ولا تستطيع فرض شروطها، لذا اكتفت بالإدانة. ورأى أن عمّان "فوجئت بتطورات الأوضاع في جنوب سورية، بعدما وطّنت نفسها على إعادة ترتيب العلاقة مع الأسد"، مضيفاً: ليس لعمان تأثير في مجريات الأمور بدرعا.
وبموازاة كل ذلك، أكدت مصادر محلية أن هناك استياء شعبياً من الاتفاق، غير أنها أشارت إلى أنه "لم يكن بالإمكان أفضل مما كان. ليست لدى المقاتلين القدرة على مواجهة الروس والإيرانيين معاً". وأضافت: عجزت قوات النظام والمليشيات الإيرانية عن التقدم شبراً على الأرض، فلجأت إلى القصف الهستيري بهدف تدمير كل شيء في درعا البلد تحت غطاء روسي وصمت عربي وغربي. وتعتقد هذه المصادر أن النظام "يتطلع الآن لإخضاع كل الريفين الغربي والشرقي للمحافظة، بما فيه بلدة بصرى الشام، مقر اللواء الثامن الذي يضم مئات المقاتلين من المحافظة، ولكنهم تابعون للجانب الروسي، ولهذا لم يتحركوا لنصرة أحياء درعا البلد".