يحاول النظام السوري استغلال حصاره لنحو عشرة آلاف مدني في أحياء درعا البلد جنوب سورية، لتحصيل مكاسب سياسية عبر شروط جديدة لفرض الاستسلام على أهالي درعا البلد، وتجريد المقاتلين المحليين الذين يدافعون عن هذه الأحياء من سلاحهم، ليسهل عليه فرض إرادته في المنطقة بالقوة، فيما يقترب المدنيون المحاصرون من حافة الكارثة.
وفي وقت يواصل فيه النظام والمليشيات الإيرانية القصف على أحياء درعا البلد، ذكرت مصادر مطلعة في محافظة درعا أن "اللواء الثامن" التابع للجانب الروسي في جنوب سورية، نقل في اجتماع جرى مساء السبت لوفد "اللجنة المركزية" المفاوض عن أهالي أحياء درعا البلد المحاصرة، مبادرة جديدة طرحها ممثلو النظام لفك الحصار. وبيّنت المصادر أن المبادرة تتضمن "الاعتراف بعلم النظام كعلم معترف به لكل سورية وهو خط أحمر"، و"الاعتراف بجيش النظام بأنه المسؤول عن أمن سورية"، و"الاعتراف ببشار الأسد رئيساً شرعياً منتخباً لسورية". كما تضمّنت المبادرة الجديدة، وفق المصادر، تفتيش أحياء درعا البلد بإشراف الشرطة العسكرية الروسية، بحثاً عن الأسلحة الخفيفة.
تضمّنت المبادرة الجديدة تفتيش أحياء درعا البلد بإشراف الشرطة العسكرية الروسية، بحثاً عن الأسلحة الخفيفة
ويرفض شبان درعا البلد تسليم سلاحهم الفردي لقوات النظام كي لا يفقدوا السلاح الذي يمكّنهم من الدفاع عن عائلاتهم، خصوصاً أن عناصر المليشيات الإيرانية المحاصرة لهذه الأحياء "يحملون سيوفاً في مؤشر واضح على نيّتهم ارتكاب مجازر بحق المدنيين". بينما يصر النظام على تجريد الأهالي من كل الأسلحة ليسهل عليه الدخول إلى درعا البلد وفرض سيطرة مطلقة وكسر إرادة أهالي هذه الأحياء الخارجة عن سيطرة النظام بشكل فعلي منذ أواخر عام 2011.
ونقل "تجمّع أحرار حوران" عن مصدر مقرّب من لجان التفاوض أن المبادرة هي من النظام وقدّمها قياديون في "اللواء الثامن" لوفد الأهالي على أن يصدر هذا الوفد بياناً رسمياً يعترف به بهذه المطالب. من جهته، ذكر المتحدث باسم التجمّع أبو محمود الحوراني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن وفد الأهالي رفض هذه المطالب. وكان عموم أهالي محافظة درعا قد رفضوا الاعتراف والمشاركة في الانتخابات الرئاسية التي أجراها النظام في مايو/ أيار الماضي وثبّتت بشار الأسد في السلطة حتى عام 2028.
من جهته، يواصل النظام تكرار المزاعم عن عرقلة اللجنة المركزية التي تمثل أهالي محافظة درعا، الجهود الهادفة إلى حل الأزمة في درعا البلد. وقالت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام إن ما سمتها "الدولة" لن تستمر بـ"إعطاء المهل"، مشيرة إلى انه كان من المفترض خروج 50 مسلحاً السبت من أحياء درعا البلد باتجاه الشمال السوري "ولكن لم يخرج أحد"، وفق الصحيفة. كما أشارت إلى أنه "تم الاتفاق على افتتاح مركز تسوية في مركز شرطة منطقة درعا المحطة لتسوية أوضاع المطلوبين وتسليم أسلحتهم ولكن لم يحصل شيء من ذلك". والأسبوع الماضي، خرجت دفعتان من المهجرين من درعا البلد إلى الشمال السوري، الأولى ضمت ثمانية أشخاص والثانية 79 شخصاً، بينما يطالب النظام بتهجير أعداد أكبر من المقاتلين وعائلاتهم. وفي هذا الصدد، اتهمت "الحكومة السورية المؤقتة" الممثلة للمعارضة السورية، بالقيام بعملية تغيير ديمغرافي في جنوب سورية، مشيرة في بيان لها السبت إلى أن "عمليات التهجير القسري التي يقوم بها نظام الأسد بالتنسيق مع حلفائه جاءت ضمن سياق مخطط خطير للتغيير الديمغرافي في سورية".
وفي موازاة محاولات النظام دفع الأهالي للقبول بحل أقرب للاستسلام، يواصل الضغط على أكثر من عشرة آلاف مدني محاصرين في أحياء درعا البلد، وعلى الوفد المفاوض عنهم، من خلال القصف الذي يكاد لا يهدأ. واستهدفت قوات النظام الأحياء المحاصرة بقصف عنيف أمس الأحد، وتحديداً بقذائف الهاون وبصواريخ أرض-أرض من نوع "فيل". وقال الناشط أبو محمد الحوراني، لـ"العربي الجديد"، إن القصف العنيف على حي طريق السد أمس أدى إلى مقتل شخصين وجرح آخرين، موضحاً أنّ القصف مصدره قوات "الفرقة الرابعة" التابعة للنظام. وفي ظل القصف العنيف، أعلنت اللجان المركزية في درعا البلد، أمس، النفير العام في المنطقة لإيقاف حملة النظام على المنطقة. وقالت اللجنة المركزية الممثلة لأهالي المنطقة الغربية بدرعا، في بيان، إنه "على الرغم من كل محاولتنا السلمية والتفاوضية للوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف، أصر النظام على جرّ البلاد إلى حرب طاحنة يقودها ضباط إيرانيون يتبعون مليشيات طائفية تهدف للتوسع والسيطرة على أراضي الجنوب السوري لتفتيت النسيج الاجتماعي وخلق تغيير ديمغرافي".
من جهته، ذكر الناشط محمد الشلبي، لـ"العربي الجديد"، أن قوات النظام تواصل استهداف منطقة درعا البلد بالصواريخ والمدفعية الثقيلة في خطوة تمهيدية لاقتحام درعا البلد وطريق السد والمخيم. وأضاف الشلبي أن أكثر من 50 صاروخاً من نوعي "فيل" و"جولاني" التي تستخدمها المليشيات الإيرانية في سورية سقطت السبت في درعا البلد ما تسبّب بدمار كبير في ممتلكات المدنيين، وإصابة طفل، بالتزامن مع اشتباكات تشهدها المنطقة بين المقاتلين المحليين وقوات "الفرقة الرابعة" والمليشيات المساندة لها، خصوصاً في أحياء البحار والمنشية والحرش وخط النار الواقع في حي السد، مع استقدام قوات النظام مزيداً من التعزيزات إلى تلك المحاور في محاولة منها للتقدم باتجاه أحياء درعا البلد المحاصرة.
قوات النظام تواصل استهداف منطقة درعا البلد بالصواريخ والمدفعية الثقيلة
في الأثناء، تستمر مأساة آلاف المدنيين المحاصرين في درعا البلد منذ 67 يوماً، و"تفتقد الأحياء المحاصرة مقومات الحياة من الغذاء والدواء والماء والكهرباء"، وفق مصادر محلية. وذكر الناشط محمد الحوراني، في حديث مع "العربي الجديد" أن لا انفراجة بالنسبة للسكان في الأحياء المحاصرة، والوضع الإنساني يزداد سوءاً، وهناك شح ومحدودية في الطعام، في الوقت الذي تصل فيه كميات قليلة جداً من المواد الغذائية للمحاصرين عبر التهريب. أما النقطة الطبية فلا تزال خارج الخدمة بعد استهدافها من قبل قوات النظام بداية الحصار. وتعليقاً على هذه التطورات، استبعد سليمان القرفان، وهو نقيب المحامين الأحرار في درعا، حصول حرب ضد أحياء درعا البلد، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "سيفرض الروس على النظام ومليشياته الانسحاب وفك الحصار عن درعا البلد". وتابع بالقول: "أعتقد أن تغنّي النظام بتهجير 79 شخصاً من أحياء درعا، ليقنع حاضنته ومواليه بأن الحملة قد حققت بعض النتائج". وأشار إلى أن أهالي درعا البلد "مصرون على الدفاع عنها وعدم السماح للنظام بدخولها مهما كلف الثمن"، مضيفاً: "لا أعتقد ان الروس في وارد السماح بارتكاب مجازر على مرأى من العالم أجمع الذي يراقب عن كثب ما يجري لدرعا البلد".