يتزامن إحياء الشارع السوري المعارض للذكرى العاشرة للثورة السورية التي انطلقت في ربيع العام 2011، مع محاولات النظام إعادة السيطرة على حيّ درعا البلد في محافظة درعا، جنوبي سورية. هذا الحيّ كان شهد الانطلاقة الفعلية للثورة السورية، وهو ما أكسبه رمزية وخصوصية يحاول النظام على الدوام كسرها، كما فعل في مدن وبلدات سورية أخرى.
وقال أمين فرع حزب "البعث" في محافظة درعا، حسين الرفاعي، في تصريحات صحافية نُشرت أمس الإثنين، إن النظام "يواصل العمل لاستكمال التسوية" في حيّ درعا البلد في مدينة درعا، زاعماً أن "الأمور بخير، وهناك تقدم في المفاوضات، وستنتهي خلال أيام". كما تحدث عن "تجاوب" مع الجهود التي يبذلها النظام على هذا الصعيد، مبيناً أن الحلّ في درعا البلد "سيكون على الطريقة ذاتها التي حصل فيها بمدينة طفس"، في ريف درعا الغربي. وكان النظام عقد تسوية مع اللجنة المركزية في محافظة درعا، تخصّ مدينة طفس، التي كانت "الفرقة الرابعة" بقيادة ماهر الأسد، شقيق رأس النظام بشار الأسد، تهدّد باقتحامها. وسمحت التسوية لقوات النظام و"الفرقة الرابعة" بتفتيش منازل ومزارع في محيط طفس، بحضور أبناء ووجهاء المنطقة، لضمان عدم حدوث انتهاكات في حقّ المدنيين وممتلكاتهم. كما نصّت التسوية على إعادة تشغيل الأبنية الحكومية والمؤسسات التابعة للنظام في المدينة، والإفراج عن معتقلين في سجون النظام.
دخلت عربات مدرعة للشرطة العسكرية الروسية الأحد إلى الحيّ، ووزعت مساعدات غذائية على العائلات
وكانت قوات النظام وميلشيات محلية تابعة لها، حاولت أواخر العام الماضي، اقتحام حيّ درعا البلد، إلا أنها جوبهت بمقاومة من قبل مقاتلي المعارضة السورية، ما أجبرها على التراجع. ورعت روسيا في منتصف العام 2018 اتفاقات تسوية بين فصائل المعارضة السورية والنظام السوري لإنهاء حالة الحرب في محافظتي درعا والقنيطرة، إلا أن الأوضاع الأمنية لم تستقر، خصوصاً في درعا التي لا تزال تشهد عمليات اغتيال واسعة النطاق، إضافة الى التوتر الذي يسود المحافظة بسبب استغلال النظام هذه الاتفاقيات للفتك بالمدنيين.
ويحمل حيّ درعا البلد، المتاخم تماماً لمدينة درعا، رمزية عالية في الشارع السوري المعارض، كونه شهد انطلاق الثورة في جنوب سورية، في 18 مارس/ آذار 2011، ردّاً على اعتقال مجموعة أطفال كتبوا شعارات مناهضة للنظام ورئيسه، متأثرين بموجة الربيع العربي التي انطلقت في ذلك العام. وعاملت أجهزة النظام ذوي الأطفال بازدراء عندما ذهبوا للسؤال عن مصير أطفالهم، وهو ما كان السبب المباشر لبدء التظاهرات الحاشدة في عموم محافظة درعا. ويحتفل أبناء محافظة درعا بذكرى انطلاق الثورة السورية في 18 مارس/ آذار، معتبرين هذا اليوم هو الانطلاقة الحقيقية للثورة، بينما يرى ناشطون أن التظاهرة التي خرجت في سوق الحميدية الدمشقي منتصف مارس من العام 2011، شكّلت بداية الحراك الثوري في عموم سورية.
وفي هذا الصدد، بيّن المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران"، أبو محمود الحوراني، أن مسجد الحمزة والعباس في درعا البلد، شهد انطلاق أولى التظاهرات في المحافظة قبل 10 أعوام. وفي ما يتعلق بالأنباء التي تحدثت عن تسوية وشيكة في حيّ درعا البلد، فقد نفاها الحوراني في حديث لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن عربات مدرعة للشرطة العسكرية الروسية دخلت أول من أمس الأحد إلى درعا البلد، ووزعت مساعدات غذائية على عائلات متضررة، وعلى مصابين بالإعاقة والشلل، إضافة إلى عائلات معتقلين، وذلك بعد موافقة اللجنة المركزية في درعا. وبيّن الحوراني أن بعض العائلات رفضت استلام المساعدة "من موسكو التي قتلت وشردّت السوريين"، وفق رأيها. ولفت إلى أن "الحصة الغذائية الواحدة التي وزّعها الروس تشمل كيلوغراماً ونصف من الأرز، وكيلوغراماً من الطحين، و60 غراماً من الشاي، إضافة إلى مواد غذائية أخرى، موضوعة في كيس كتب عليه: روسيا معكم".
العويد: لدى الروس قراءة مختلفة عن النظام حيال الأوضاع في درعا البلد وبصرى الشام
من جهته، أشار الكاتب محمد العويد، وهو من أبناء محافظة درعا، إلى أن "محاولات النظام لإجراء تسوية في درعا البلد وبلدة بصرى الشام، لم تنقطع أبداً منذ العام 2018"، لافتاً إلى أن "المنطقتين خارج سيطرة النظام بشكل فعلي". وأعرب العويد، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن "لدى الروس قراءة مختلفة عن قراءة النظام حيال الأوضاع في درعا البلد وبصرى الشام". وشدّد الكاتب على أن "فصائل المعارضة السورية في بصرى الشام، كانت البادئة بالتهدئة في 2018 تحت رعاية روسية، ومن غير المسموح لقوات النظام وأجهزته الأمنية بالعودة إليها". واعتبر أن حيّ درعا البلد كان "جذوة الثورة السورية وله رمزية وخاصية، ولذلك فإن أي تسوية مباشرة ودخول قوات النظام إلى هذا الحي، يعنيان كسر عظم للثورة في جنوب سورية". وبناء عليه، رأى العويد أن "أي تسوية لن تمرّ بسهولة"، معرباً عن اعتقاده بأن الجانب الروسي "يحاول نزع فتيل أي مواجهة مستقبلية بين مقاتلي المعارضة المتمركزين في حيّ درعا البلد وقوات النظام، كونه الضامن الأساسي لاتفاقات منتصف 2018". وأضاف أن "الجانب الروسي ليس بوارد السماح بانتفاضة جديدة في عموم محافظة درعا، قد تسفر عن تأزيم الأوضاع في جنوب سورية".
وحول الوضع العام في الحيّ، أوضح العويد أن سكّان حيّ درعا البلد، وهو بمثابة بلدة متاخمة تماماً لمدينة درعا، كانوا نحو 50 ألف نسمة، مبيّناً أن للحيّ بوابة حدودية مع الأردن، والوضع المعيشي فيه كان جيّداً قبل الثورة. ولفت إلى أن الفصائل المعارضة لم تعد موجودة في درعا البلد وفق تسميات ما قبل اتفاقات التهدئة، متحدثاً عن وجود "حراك مجتمعي رافض للنظام يقوم بنشاطات متعددة". أما بالنسبة للحالة العسكرية، فهي "شبه معدومة إلا من أسلحة فردية في سياق الدفاع عن النفس". وأعرب العويد عن قناعته بأن التسوية قادمة في حي درعا البلد، ولكن "بشروط روسية وليس بشروط النظام"، مضيفاً أن "اللجنة المركزية في محافظة درعا ربما تقبل بحضور روسي، لأن الحصار الاقتصادي من قبل النظام أنهك حيّ درعا البلد".